في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، تزداد قتامة المأساة على أهالي القطاع المحاصر مع ما يعيشونه من نقص في إمدادات الغذاء. فمنذ سيطرة إسرائيل على معبر رفح جنوبي القطاع، توقف دخول المساعدات الإنسانية منه، مما هدد بعودة شبح المجاعة إليه وزاد حدة الأزمة الإنسانية التي يعيشها مئات الآلاف من الفلسطينيين.
فمنذ اندلاع شرارة الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نزح غالب سكان القطاع من منازلهم المدمرة أو المهددة بالتدمير، تاركين خلفهم كل شيء، وباتوا يعيشون ظروفا مأساوية غير مستقرة، تجعل الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية هموما يومية تصعب تلبيتها.
كثير من أهالي شمال القطاع ومدينة غزة يعتمدون في إطعام أنفسهم وأطفالهم على الأعشاب البرية وبعض المعلبات التي غافلت عين العدو وسلمت من آلة الدمار، لكنهم يفتقرون إلى الخضراوات والفواكه واللحوم، بل بات تأمين وجبة تضمّ مكونات التغذية السليمة عبئا لا يطيقونه، مما أدى إلى شيوع سوء التغذية خاصة بين الأطفال وكبار السن، وزيادة حالات الوفاة بسبب نقص الغذاء.
أطفال جائعون
فقد صرّحت مصادر طبية لمراسل الأناضول في مناطق شمال القطاع ووسطه، بوفاة أطفال جراء نقص الطعام والحليب المخصص لهم، بالإضافة إلى نقص العلاجات الضرورية لأمراضهم.
وقال حسام أبو صفية مدير مستشفى “كمال عدوان” في شمال قطاع غزة -للأناضول- إنه تم تسجيل أكثر من 50 طفلا فلسطينيا يعانون سوء التغذية في الفترة الماضية، مضيفا أن شبح المجاعة يخيم على غزة في ظل عدم توفر الغذاء.
ومع سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح البري يوم 7 مايو/أيار الماضي، رغم التحذيرات الدولية من تداعيات ذلك، تفاقمت الأوضاع الإنسانية داخل القطاع في ظل شح المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى إطلاق عدة نداءات استغاثة بضرورة فتح المعابر وإدخال المساعدات.
والأربعاء، توقع مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن يواجه نصف سكان قطاع غزة الموت والمجاعة بحلول منتصف يوليو/تموز المقبل. وقال -في بيان- إن الصراعات في السودان وغزة تخرج عن نطاق السيطرة، وتدفع ملايين الناس إلى حافة المجاعة.
علامات المأساة
بدوره، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة “يعاني شعبنا الفلسطيني تصعيد حرب التجويع وتفاقما سريعا للكارثة الإنسانية وظهور علامات المجاعة في القطاع، خاصة في محافظتَي غزة وشمال غزة، نتيجة إغلاق الاحتلال للمعابر”.
وأضاف للأناضول أن أعداد الشاحنات التي تدخل القطاع محدودة، كمّا ونوعا، وتدخل على فترات متباعدة وليست متتابعة باستمرار، مؤكدا أن “استخدام الاحتلال الصهيوني التجويع ومنع الرعاية الطبية أدوات في هذا العدوان الهمجي، هو جريمة حرب مؤكدة ومركبة”.
وأشار الثوابتة إلى أن استمرار إسرائيل في جريمتها الكبرى بحق شعب غزة أمام العالم أجمع، اعتداء صارخ على كل القوانين الدولية، واستهتار بالدعوات والمطالبات والقرارات التي تنص على إدخال المساعدات ووقف الحرب.
ودعا المنظمات الدولية والإنسانية إلى التحرك العاجل وتقديم المساعدات الغذائية والإنسانية اللازمة لشعب غزة، والضغط لإجبار الاحتلال على فتح المعابر لإدخال المساعدات، مناشدا الدول العربية والإسلامية بذل مزيد من الجهود والضغوط لكسر الحصار وتوفير كل احتياجات الإغاثة لشعب غزة.
وأمس الجمعة، وصف برنامج الأغذية العالمي الخسائر بين المدنيين بأنها مدمرة، وسط تصاعد القتال جنوبي قطاع غزة ووسطه.
وحذر كارل سكاو نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي -في منشور على حسابه في إكس- من أن استمرار العمليات الإسرائيلية العدائية يجعل من المستحيل تقريبا إيصال المساعدات الغذائية التي تشتد الحاجة إليها بقطاع غزة.
نقل الرصيف العائم
وكان رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، أكد -الاثنين الماضي- أن الرصيف الأميركي العائم على سواحل غزة لم يخفف حقًا من كارثية الواقع الإنساني في القطاع منذ إنشائه، وأن عدد شاحنات المساعدات التي مرّت عبره لا يتجاوز 120.
ورغم ذلك، فإن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أعلنت الجمعة أنها قررت نقل الرصيف العائم مؤقتا من موقعه على شاطئ قطاع غزة إلى ميناء أسدود الإسرائيلي مجددا، بسبب توقعات بارتفاع أمواج البحر، رغم أنها كانت قد أعلنت إعادة إنشائه في 7 يونيو/حزيران الجاري إثر انهياره بأمواج هائجة أواخر الشهر الماضي.
الأثر الإغاثي للرصيف العائم لا يكاد يلاحظ أمام المأساة الإنسانية العظيمة التي يعيشها القطاع، ومع ذلك تقول أوساط فلسطينية إن الغرض من إنشائه هو خدمة مصالح سياسية خفية لإسرائيل والولايات المتحدة، على خلاف ما يتم تصويره من جانب واشنطن وتل أبيب من أنه خطوة إنسانية.
ومنذ بداية الحرب، أغلقت إسرائيل معابر قطاع غزة ومنعت دخول البضائع إليها قبل أن تسمح بدخول كميات قليلة ومحدودة جدا، مع استمرار حربها على غزة رغم قرارين من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر من محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري في القطاع.