يجلس أفراد عائلة أبو جراد في زاوية بجنوبي غزة متشبثين بروتين صارم ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة.
تركت العائلة وراءها منزلا بثلاث غرف للنوم شمالي غزة بعد اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل قبل حوالي ثلاثة أشهر.
العائلة المكونة من عشرة أفراد تعيش اليوم في خيمة تبلغ مساحتها 16 متر مربع تقبع على أرض رملية محاطة بالنفايات، وهي مثال فقط على عائلات فلسطينية عدة نزحت بسبب النزاع الأخير.
كل عائلة تأخذ على عاتقها مهام يومية محددة، من بين جمع أغصان الأشجار وصولا إلى إشعال النيران للطبخ والبحث في أسواق المدينة على الخضار، إلا أن جهودهم لا تخلو من اليأس، وفق ما ذكرته أسوشيتد برس التي تحدثت لأسرة أبو جراد.
تقول عواطف أبو جراد، وهي من كبار السن في العائلة: “في الليل، تحوم الكلاب فوق الخيام”. “نحن نعيش مثل الكلاب!”
ويقول الفلسطينيون الذين لجؤوا إلى جنوب غزة إنهم يكافحون كل يوم للعثور على الغذاء والماء والدواء والحمامات الصالحة للاستخدام< وطوال الوقت، يعيشون في خوف من الغارات الجوية الإسرائيلية والتهديد المتزايد للأمراض.
كان القصف الإسرائيلي والغزو البري لغزة، الذي دخل الآن أسبوعه الثالث عشر، سببا في دفع جميع الفلسطينيين تقريبا في قطاع غزة نحو مدينة رفح الجنوبية على طول الحدود المصرية. وكان عدد سكان المنطقة قبل الحرب يبلغ نحو 280 ألف نسمة، وهو رقم ارتفع إلى أكثر من مليون في الأيام الأخيرة، وفقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا”.
تكتظ المباني السكنية في رفح بالناس، وهم في الغالب عائلات ممتدة فتحت أبوابها لأقاربها النازحين. وفي غرب المدينة، نُصِبت آلاف الخيام المصنوعة من النايلون. وينام آلاف الأشخاص في العراء، على الرغم من طقس الشتاء البارد والممطر في كثير من الأحيان.
وتقع معظم مناطق شمال غزة الآن تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي الذي حث الفلسطينيين في بداية الحرب على الرحيل إلى الجنوب. ومع تقدم الحرب، صدرت المزيد من أوامر الإخلاء للمناطق في الجنوب، مما أجبر المدنيين الفلسطينيين على التجمع في مساحات أصغر من أي وقت مضى، بما في ذلك رفح وقطعة أرض مجاورة تسمى المواصي. وحتى هذه المساحات التي يُزعم أنها آمنة تتعرض في كثير من الأحيان للغارات الجوية والقصف.
اندلعت الحرب يوم 7 أكتوبر بعد أن اقتحم مسلحو حماس جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف 240 آخرين بحسب السلطات الإسرائيلية. وأدى القتال إلى مقتل أكثر من 22400 فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة في الأراضي التي تديرها حماس.
ووفقا لنعمان، شقيق عواطف، فإن الصراع قاد الأسرة إلى جميع أنحاء قطاع غزة، إذ فروا من منزلهم في بلدة بيت حانون الحدودية الشمالية في اليوم الأول من الحرب ثم أقاموا مع أحد أقاربهم في بلدة بيت لاهيا القريبة.
وبعد ستة أيام، أدت شدة الضربات الإسرائيلية على المنطقة الحدودية إلى إرسالهم جنوبا إلى مستشفى القدس في مدينة غزة، وعندما بدأ الناس بإخلاء المستشفى بعد يومين، سافروا إلى مخيم النصيرات للاجئين في وسط غزة، في رحلة طولها 10 كلم سيرا على الأقدام.
ومكثوا في مبنى مدرسة مكتظ تابع للأمم المتحدة في النصيرات لأكثر من شهرين، لكنهم غادروا في 23 ديسمبر عندما حول الجيش الإسرائيلي تركيزه نحو أهداف حماس في مخيمات اللاجئين بوسط غزة.
وفروا إلى المواصي، في 23 ديسمبر، معتقدين أنه الخيار الأكثر أمانا. وفي الليلة الأولى، ناموا في العراء، ثم اشتروا النايلون والخشب من سوق رفح لبناء خيمة.
نعمان، محاسب، ينام على الأرض المغطاة بالنايلون مع زوجته وشقيقته وبناته الست وحفيده، ينامون على جنبهم لتوفير المساحة.
وقال إن تكلفة الخيمة تبلغ 1000 شيكل، أي حوالي 276 دولارا، مضيفا “إنه أمر جنوني تماما”. وفي ظل اقتصاد الحرب القائم على الطلب في رفح، تتراوح أسعار الخيام العائلية الأكبر حجما المبنية مسبقا بين 800 دولار و1400 دولار.
وتبدأ معاناة الأسرة في الخامسة صباحا، ويقول نعمان إن وظيفته الأولى هي إشعال نار صغيرة لطهي وجبة الإفطار، بينما تقوم زوجته وبناته بإعداد العجين لصنع الخبز ثم غسل أوانيهم وصينية الطبخ المعدنية.
وبعد تناول الطعام، يتحول اهتمامهم إلى جلب الماء والطعام، وهي المهام التي تستغرق معظم ساعات النهار.
يقول نعمان للوكالة إنه والعديد من أقاربه الصغار يجمعون أباريق الماء من أحد الأنابيب العامة القريبة، وهي مياه تستخدم للغسيل فقط وغير صالحة للشرب. بعد ذلك، يتوجهون إلى واحدة من عشرات صهاريج مياه الشرب المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، حيث ينتظرون في الطابور لساعات.
وبعد جلب المياه، يتنقل أفراد الأسرة بين عدة أسواق مفتوحة للبحث عن الخضروات والدقيق والأغذية المعلبة لوجبة ذلك المساء. في هذه الأثناء، ينشغل نعمان بالبحث عن الأغصان وقطع الخشب لإشعال النار.
أما أسعار المواد الغذائية فقد ارتفعت بشكل ملحوظ في ظل نقص حاد للغذاء والدواء في قطاع غزة نقصا حادا في الغذاء والدواء، حيث يُعتمَد إلى حد كبير على المساعدات والإمدادات التي تتدفق عبر معبرين، أحدهما مصري والآخر إسرائيلي، وعلى ما تمت زراعته في الحصاد الأخير.
وقالت الأمم المتحدة، في أواخر ديسمبر الماضي، إن أكثر من نصف مليون شخص في غزة، أي ما يقرب من ربع السكان، يعانون من الجوع.
وتقول داليا أبو سمهدانة، وهي أم شابة تعيش مع عائلة عمها في منزل مزدحم يضم 20 شخصا في رفح، إن المواد الغذائية الأساسية الوحيدة في سوقها المحلي هي الطماطم والبصل والباذنجان والبرتقال والدقيق. كلها لا يمكن تحمل كلفتها تقريبا.
ويبلغ ثمن كيس الدقيق الذي يبلغ وزنه 25 كلغ قبل 7 أكتوبر حوالي 10 دولارات. ومنذ ذلك الحين تقلبت بين 40 و 100 دولار.
وقالت أبو سمهدانة، وهي غير متأكدة من كيفية إطعام ابنتها: “لقد نفدت أموالي تقريبا”.
يحق للفلسطينيين النازحين في رفح الحصول على مساعدات مجانية إذا قاموا بالتسجيل لدى وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي توزع الدقيق والبطانيات والإمدادات الطبية في 14 موقعا في جنوب غزة. وغالبا ما يقضون ساعات في الطابور في انتظار توزيع المساعدات.
وقالت أبو سمهدانة، وهي في الأصل من مدينة خان يونس الجنوبية القريبة، إنها حاولت التسجيل للحصول على مساعدات مجانية عدة مرات ولكن تم رفضها بسبب نقص الإمدادات المتاحة.
جولييت توما، مديرة الاتصالات في الوكالة التابعة للأمم المتحدة، تقول لأسوشيتد برس إن الوكالة تعاني ببساطة من ضغوط شديدة، وهي تقدم بالفعل الدعم لـ 1.8 مليون شخص في غزة، مشيرة إلى أنها لا تعرف ما إذا كانت الوكالة قد توقفت عن تسجيل طالبي المساعدة الجدد.
ومع قلة الخيارات المتبقية، لجأ بعض الفلسطينيين الجياع في رفح إلى انتزاع الطرود من شاحنات المساعدات أثناء مرورها. وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن بعض إمدادات المساعدات سُلِبت من الشاحنات المتحركة لكنها لم تقدم أي تفاصيل.
وشوهدت شرطة حماس التي ترافق شاحنات المساعدات من المعابر الحدودية إلى مستودعات الأمم المتحدة وهي تضرب الناس، ومعظمهم من المراهقين، أثناء محاولتهم انتزاع ما في وسعهم. وفي بعض الحالات، أطلقوا أعيرة نارية في الهواء. وفي إحدى الحوادث، قُتل صبي، يبلغ من العمر 13 عاما، عندما فتحت شرطة حماس النار.
في غضون ذلك، يحذر مسؤولو الصحة من تزايد انتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال.
وقد أبلغت منظمة الصحة العالمية عن عشرات الآلاف من حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي والإسهال والقمل والجرب وجدري الماء والطفح الجلدي والتهاب السحايا في ملاجئ الأمم المتحدة.
ويعود الانتشار السريع للمرض أساسا إلى الاكتظاظ وسوء النظافة بسبب نقص المراحيض والمياه اللازمة للاغتسال.
وقامت عائلة أبو جراد بحفر مرحاض مؤقت ملحق بالخيمة لتجنب الحمامات المشتركة. ومع ذلك، فإن الأسرة معرضة للإصابة بالأمراض.
وقالت ماجدة، زوجة نعمان: “حفيدتي تبلغ من العمر 10 أشهر، ومنذ يوم مجيئنا إلى هذا المكان وهي تعاني من فقدان الوزن والإسهال”.
الذهاب إلى الصيدلية لا يقدم سوى القليل من المساعدة، مضيفة “لا يمكننا العثور على أي أدوية (مناسبة) متاحة”.