في استقبال عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، تشهد شوارع دول عربية عدة، مظاهر الفرح حيث تتزين واجهات البنايات والمحلات بألوان الميلاد المميزة، غير أن المشهد خلال هذا العام، يبدو باهتا، بعد أن سلبت الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية، فرحة الاحتفال من الأسر المنهكة في متابعة أخبار النزاعات أو تأمين قوتها اليومي.
وبينما تختلف ترتيبات وتجهيزات الاحتفال بهذه المناسبة الدينية بين المسيحيين بتعدد طوائفهم وعاداتهم، يجمع عدد منهم، في شهادات لموقع “الحرة”، على أن الأحداث المأساوية بقطاع غزة والسودان وجنوب لبنان، فضلا عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، تعكّر صفو تحضيراتهم لهذه السنة.
العراق
الناشطة والصحفية العراقية، فرقد ملكو، تقول إن، احتفالات المسيحيين العراقيين “ستقتصر هذه السنة على قداديس وصلوات بسبب الحرب في غزة”، وأيضا مع استمرار الحزن والآلام التي خلفتها فاجعة الحمدانية، التي راح ضحيتها مئات العراقيين، والأوضاع الاقتصادية الصعبة بالبلاد.
وتضيف ملكو، في تصريح لموقع “الحرة”، أن السكان يحاولون “اقتصاد نفقاتهم”، مشيرة إلى أن “الأسر التي كانت تقيم في السابق احتفالات قللت من نفقاتها لأعياد هذه السنة إلى حوالي النصف أو الربع، وباتوا ينظمونها فقط من أجل أطفالهم”.
وبالرغم من غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين في العراق بسبب عدم إجراء تعداد سكاني منذ سنوات، فإن هناك حاليا ما بين 300 إلى 400 ألف مسيحي في مقابل مليون ونصف المليون قبل العام 2003، وفقا لتقرير سابق لفرانس برس.
وتؤكد المتحدثة، أن تراجع القدرة الشرائية لدى الأسر يظهر في قلة التجهيزات والاستعدادات لأعياد الميلاد ورأس السنة، مقارنة بالسنوات السابقة، مشيرة إلى أن “الأسر تعاني من ضعف الأجور مقابل ارتفاع الأسعار”.
وعلى الرغم من ثروة العراق النفطية الهائلة، يعاني ثلث سكانه من الفقر، بحسب الأمم المتحدة.
وشهد هذا البلد حروبا وصراعا طائفيا على مدى عقود، أعقبتها حرب ضد تنظيم داعش، أدت لنزوح أعداد كبيرة من سكانه. ورغم استقرار أوضاعه الأمنية نسبيا حاليا، لكنه يعاني من تداعيات فساد يضرب غالبية مؤسساته وينهب المال العام، فيما لم تنجح السياسات الحكومية بعد في درء هذه الآفة تماما، وفقا لفرانس برس.
الأردن
ومن مدينة السلطة الأردنية، تقول رميا دبابنة: “العيد ليس بيومه وإنما بالأسابيع التي تسبقه من تحضيرات وتجهيزات، والتي كان الشغل الشاغل بها خلال هذه السنة، حرب غزة وما نتابعه من أخبار مأساوية”.
وأشارت رميا إلى أن “الاحتفال سيكون داخل المنازل والكنائس، خجولا ونابعا من إيماننا بغد أفضل”.
وتصل نسبة المسيحيين في الأردن إلى حوالي 8 بالمئة من إجمالي سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 11 مليونا.
وينتمي معظم المسيحيين لكنيسة الروم الأرثوذكس الشرقية، وهناك أيضا مَن ينتمي لطائفة الروم الكاثوليك، واللاتين، والسريان الأرثوذكس، والأقباط الأرثوذكس، وغيرهم.
وأشارت دبابنة في تصريح لموقع الحرة، إلى أن “عمان والمدن المحيطة بها عادة ما تتزين بأشجار الميلاد، وتستعد للاحتفال بعام جديد بالمفرقعات النارية والسهرات الفنية داخل المطاعم والمنازل، لكنها في هذا العام، وحتى لو لم تندلع الحرب، ما كنا لنشهد هذه الاحتفالات، إذ أن الغلاء المعيشي والتضخم ضربا فرحة الأردنيين”.
وأضافت: “أسعار كعك العيد والدجاج واللحم باتت مرتفعة على المواطن الأردني الذي لا يكفيه راتبه لأول أيام من الشهر بسبب كثرة الضرائب وارتفاع الأسعار العالمي”.
ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة فاقمتها ديون تناهز 47 مليار دولار، أي ما نسبته 106 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات المالية العامة للفترة بين يناير الماضي وحتى نهاية أغسطس 2023.
ويوضح المحلل الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تقرير سابق لموقع “الحرة”، أن القطاع الخاص يعاني من إغلاقات، وهذا يعود إلى عدة أسباب، أبرزها “تراجع القدرة الشرائية للمواطن خاصة في ظل أعباء ضريبية مرتفعة تتخطى 29 في المئة بحسب الأرقام الرسمية”، مؤكدا أن العبء الضريبي على المواطن الأردني أعلى من ذلك بكثير وقد يتجاوز 35 في المئة، منتقدا “جودة الأرقام الاقتصادية الرسمية”.
ويبين أن الأعباء الضريبية على المواطن الأردني جعلت الدخل يتآكل، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، وهو ما سينعكس مباشرة على القطاعات التجارية، ناهيك عن أعباء أخرى تدفع بأصحاب المحلات التجارية إلى الإغلاق مثل ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وارتفع معدل التضخم السنوي لأكثر من 5.2 في المئة بنهاية أكتوبر الماضي، بحسب المراجعة الخامسة لأداء الاقتصاد الأردني، التي أعلن عنها صندوق النقد في نوفمبر الماضي.
ويوضح الصندوق أن أسعار السلع محليا تعتبر “معتدلة” مقارنة بالمستوى العالمي، ولكنها تعكس ارتفاعا في انتقال زيادة أسعار المحروقات والغذاء العالمية.
لبنان
من جهتها، تقول دارين ضامن، وهي موظفة لبنانية تقيم في بيروت: “العيد فرحة والسنة الجديدة جميلة دائما في لبنان، لكن الزينة على الطرقات فقط وفي بعض المدن التي تستقطب الزائرين والمغتربين لا أكثر”.
وتوضح دارين التي تعيل والديها: “المعارك الدائرة في الجنوب بعيدة عن بيروت، لكن الناس حزينة بسببها وبسبب الحرب في غزة وغيرها من المشاكل وأبرزها الزلزال وويلاته النفسية”.
وعادة، كانت الأسر المسيحية تستعد لأعياد الميلاد بترتيبات وتحضيرات خاصة، أبرزها اقتناء الحلوى وشجرة الميلاد وتزيينها وتبادل هدايا خلال حفلات خاصة يقيمونها احتفالا وفرحا بقدوم هذه المناسبة، غير أن مظاهر الاحتفال بدأت في الخفوت خلال السنوات الأخيرة.
وتتابع: “تكلفة مائدة ليلة رأس السنة مرتفعة جدا، ولن تقل عن 6 ملايين ليرة لبنانية، وحتى أن كعكة العيد، وصلت إلى 10 ملايين ليرة في بعض المحلات”.
ويصل الدولار الواحد إلى نحو 89 ألف ليرة لبنانية بالسوق الموازي.
وتشهد الحدود الجنوبية للبنان تبادلا منتظما لإطلاق النار، بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر.
وأوضح البنك الدولي في تقرير له، الخميس، أن تداعيات الصراع الحالي أثرت على الانتعاش الطفيف الذي حققه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات، باتت معها غالبية السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات.
وبالنسبة لسعر شجرة الميلاد وتزيينها، تقول جوزلين أبي راشد، وهي أم لولدين وتقيم في ضواحي العاصمة اللبنانية: “الشجرة لدينا منذ حوالى 6 سنوات، ومنذ 3 أعوام لم نشتر أي زينة جديدة، بعدما أصبحت الأسعار كلها بالدولار، فالنجمة الواحدة لا يقل سعرها عن 8 دولارات، وأي كرة ملونة ستكلفك حوالى الـ 3 – 5 دولارات وقد تصل إلى الـ 50 دولارا”.
وأضافت: “سعر الشجرة الجديدة لا يقل عن 50 دولارا، لا أحد سيدفع هذا المبلغ الآن، والمائدة ستكون خجولة ومقتصرة على عدد محدود من الأشخاص”، مشيرة إلى أنها “قررت وأفراد عائلتها الاجتماع في منزل واحد على أن يجلب كل أحد منهم طبقا واحدا للمشاركة وتقليل التكلفة”.
سوريا
هلا، ربة منزل تقيم في محافظة حمص، وضعت شجرة الميلاد بالزينة القديمة التي تعود لـ 7 سنوات، واكتفت بوضع أقمشة حمراء على الكنبة لتشعر ابنيها بأجواء الميلاد.
تقول الشابة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل، “من حق طفلي (أكبرهما يبلغ من العمر 7 سنوات)، الاحتفال وارتداء ملابس جديدة بسبب هذه المناسبة”، غير أنها تشير إلى “حالة العجز المالي التي تعاني منها وتحول دون شراء أي قطعة جديدة حتى من الأسواق الشعبية”.
وبعد سنوات من الحرب، تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة ترافقت مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية 12 مرة خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي، وشح في المحروقات، كما باتت غالبية السكان تحت خط الفقر.
وفاقم الأزمة تفشي جائحة كورونا، ثم انتشار وباء الكوليرا خلال الأشهر الماضية، في بلد استنزف النزاع فيها المنظومات الخدمية وعلى رأسها القطاع الصحي.
وتعرف سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تسبب بمقتل نحو نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وتضيف هلا لموقع “الحرة”، أن “سعر الكنزة (سترة من الصوف) لا تقل عن 113 ألف ليرة سورية”، علما أن قيمة الدولار الواحد وصلت في السوق السوداء إلى نحو 14000 ليرة.
وعن تكلفة إعداد مائدة العيد ورأس السنة، تقول “لا علم لي عن الأسعار، كوني معزومة عند أهل زوجي، الذي يعمل أشقاؤه في دول الخليج”.
المغرب
من جهته، قال مصطفى السوسي، الناطق الرسمي باسم تنسيقية المغاربة المسيحيين، إن “الاستعدادات جارية لترتيب الاحتفالات بيننا”، غير أنه يشير إلى أن حلول الأعياد بعد أشهر قليلة من زلزال الحوز، والأحداث التي تشهدها غزة والسودان، تطغى على احتفالات هذا العام.
ويضيف السوسي، في تصريح لموقع “الحرة”، أن الصلوات والقداسات التي ستقام خلال هذه المناسبة، “ستنصب على مواضيع السلم العالمي.. وسنتضرع من أجل الأمن والحب للإنسانية جمعاء”.
وفيما يبقى من الصعب الوصول إلى تقدير دقيق لأعداد المسيحيين المغاربة لغياب بيانات إحصائية من المراكز الرسمية أو البحثية، يقدر بعض ممثلي المجتمع المسيحي عدد المغاربة المسيحيين بحوالي 12 ألفا، بجميع أنحاء المملكة، مشيرين إلى معاناتهم مما يصيفونها “تضييقات على حريتهم العقائدية”، في غياب اعتراف رسمي.
وعن شكل الاحتفالات التي ستقام في ظل هذا الوضع، يقول السوسي، إن بعض الأشخاص يفضلون أن يقيموا احتفالاتهم داخل بيوتهم بسبب خوفهم من عائلاتهم أو المجتمع، فيما يختار البعض الآخر، يختار التوجه نحو الكنائس الرسمية بالبلاد، لتنظيم مراسيم الاحتفال مع المسيحيين الأجانب.
وتعرض إقليم الحوز، بنواحي مدينة مراكش، لزلزال بقوة 7 درجات، وهو أشد زلزال يسجله البلد على الإطلاق.
وأدى الزلزال الذي وقع ليل 8 إلى 9 سبتمبر، إلى مقتل نحو 3000 شخص وخلف أكثر من 5600 جريح، ناهيك عن تشريد كثيرين.
مصر
وفي مصر، حيث تتواجد الأقلية المسيحية الأكبر في الشرق الأوسط والتي ينتمي إليها ما بين 10 إلى 15 في المئة من 105 ملايين مصري، يقول القسّ رفعت فكري، الأمين العام المشارك في مجلس كنائس الشرق الأوسط، إن الأسر المسيحية في البلاد، بدأت في الاستعداد للأعياد، موضحا أن الكنائس وضعت مغارة الميلاد وشجر الكريسماس، ونفس الشيء بالنسبة لعدد كبير من الأسر.
وبشأن ما إن كان للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد أثر على شكل وحجم الاحتفالات بالبلاد، يقول إن المسيحيين في مصر “متفاوتون اقتصاديا.. هناك الغني والفقير ومتوسطو الدخل،
وكل أسرة تتحرك في ضوء إمكانياتها الاقتصادية”.
ويضيف القس فكري، أن “كل كنيسة محلية تساعد الأسر الفقيرة من حولها ولا سيما في الأعياد”.
وتشهد مصر التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها، بعدما سجل معدل التضخم مستوى قياسيا عند أكثر من 36 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.
وتعمق “متلازمة” التضخم من معاناة المصريين، إذ يواجهون ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأغذية، جعلتهم في أعلى قائمة الدول الأكثر تضررا من “تضخم الغذاء” بحسب بيانات البنك الدولي.
وبالأراضي الفلسطينية، قررت بلدية رام الله ومجلس الكنائس فيها، قبل شهر إلغاء مظاهر استقبال والاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح حدادا على أرواح الضحايا الذين يسقطون في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقال بيان صادر عن البلدية ومجلس الكنائس إنه “في الوقت الذي يتهيأ العالم لاستقبال أعياد الميلاد المجيدة، نحن هنا في فلسطين أرض المسيح عليه السلام نستقبل الأعياد بمزيد من الألم والمعاناة”.
وأضاف البيان، أن بلدية رام الله ومجلس الكنائس قررا “إلغاء كافة احتفالات عيد الميلاد المجيد التي تقام سنويا في المدينة، واقتصارها على الخدمات الكنسية بالصلوات والدعاء لأهلنا في غزة”.
وتتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية من قصف وتوغل بري في قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل عشرين ألف شخص بينهم على الأقل ثمانية آلاف طفل و6200 امرأة، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس، وذلك منذ هجوم حماس المباغت الذي أسفر عن مقتل 1140 شخصا معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أحدث الأرقام الإسرائيلية الرسمية.
وفي السودان، حيث تستمر المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ شهر أبريل الماضي، غابت مظاهر الاحتفال برأس السنة التي تعرف بـ”ترويسة”، في ظل حملة هجرة ونزوح كبيرة للسكان الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية.
وبحسب الأمم المتحدة، كان 65 بالمئة، من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر في العام 2020. وقبل الحرب، كان ثلث السكان يعانون من الجوع. اليوم، بالإضافة الى الموسم الزراعي الكارثي، نُهبت المساعدات الغذائية من مخازن المنظمات الإنسانية، وفقا لفرانس برس.
وحذرت الأمم المتحدة من أن 2.5 مليون نازح إضافي سيعانون من الجوع يوميا إذا استمرت الحرب.