“صوتنا يجب أن يُسْمَع”.. قمة طارئة لقادة أوروبا لمواجهة انفراد “ترامب” بإنهاء حرب أوكرانيا دونهم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

في ظل تقلبات السياسة الدولية، وتحديات الأمن المتزايدة، يتخذ المشهد السياسي خطوة حاسمة يجتمع فيها زعماء أوروبا في قمة طارئة في باريس؛ في خطوة تهدف إلى حماية سيادة أوكرانيا، وضمان وحدة التحالف الأطلنطي في مواجهة توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تسعى لإنهاء الحرب مع موسكو دون إشراكٍ كاملٍ للدول الأوروبية أو حتى أوكرانيا. ويشكّل هذا التجمُّع نقطة تحول إستراتيجية في معركة الدفاع عن الاستقرار والأمن القاري، إذ يسعى القادة الأوروبيون إلى وضع معايير واضحة تضمن ألا تُهمل مصالح المنطقة في أيّ مفاوضات مستقبلية.

وتتركز الدواعي التي أدّت إلى تنظيم هذه القمة الاستثنائية؛ في مبادرات إدارة ترامب بعد سلسلة من الاتصالات الهاتفية بين الرئيس الأمريكي وبوتين وزيلينسكي، حيث دعا مبعوث الإدارة، كيث كيلوغ؛ موسكو، إلى تقديم تنازلات لإنهاء الصراع، في خطوةٍ فاجأت الأوروبيين وأثارت مخاوفهم من تهميش دورهم في عملية صُنع القرار. فبرزت الحاجة الملحة لتأكيد دور أوروبا في أي عملية سلامٍ تُبرم على حساب مصالحها، مما دفع القادة الأوروبيين إلى التحرُّك سريعاً للوقوف صفاً واحداً ضدّ أيّ تدخلٍ قد يقوّض من وحدة حلف الناتو ومصداقية دعم أوكرانيا، وفقاً لشبكة “سي إن إن” الأمريكية.

وحدة الأطلسي

وتوجه رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر؛ في بيان رسمي، إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الأطلسي، محذراً من أن أيّ انقسامٍ داخل التحالف قد يضعف الرد الأوروبي أمام التهديد الروسي المتصاعد. كما أكّد ستارمر؛ أن على بريطانيا العمل من كثب مع الولايات المتحدة؛ لضمان عدم انزلاق المفاوضات إلى مسارٍ تُهمَش فيه مصالح القارة الأوروبية، ولا سيما في ظل التحديات الأمنية التي تفرضها التطورات في الشرق الأوسط وأمريكا.

تأتي تصريحات ستارمر؛ في وقتٍ حساسٍ تتداخل فيه أولويات السياسة الخارجية مع رغبة واضحة في بناء جبهة دفاعية متماسكة تدافع عن الأمن المشترك للمنطقة.

وشدَّدَ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ على أن أيّ تسوية سلامٍ يجب أن تُبرم بمشاركة أوكرانيا، معتبراً أن إقصاءها من مائدة التفاوض سيُفضي إلى نتائج غير عادلة وربما يؤدي إلى تضاؤل قدراتها الدفاعية في مواجهة الاعتداء الروسي المستمر.

أضاف زيلينسكي؛ أن تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية وتشكيل “جيش أوروبي” يشكلان خطوة إستراتيجية لتوفير ضمانات أمنية مستقلة، تضمن للقارة اتخاذ قراراتها بصورة حرة دون الاعتماد المفرط على الدعم الأمريكي التقليدي.

رد سريع

وتُعد القمة الطارئة في باريس رد فعل سريعاً ومركّزاً من قِبل القادة الأوروبيين على محاولة إدارة ترامب فرض جدول أعماله في مفاوضات السلام دون استشارة شركائها الأوروبيين. وفي هذا السياق، يهدف التجمُّع إلى التأكيد على أن مستقبل أوروبا وأمنها القومي لا يُمكن أن يُحددا من خارج الدائرة الأوروبية، وأن أيّ مفاوضاتٍ مستقبلية يجب أن تتضمّن صوتاً مسموعاً لجميع الأطراف المعنية، خاصةً أوكرانيا التي تقف في قلب الصراع. ويبدو أن هذا الرد الأوروبي يسعى إلى إعادة ترتيب الأولويات، وإبراز أهمية الوحدة، والتنسيق بين الدول الأعضاء في حلف الناتو لمواجهة التهديدات الخارجية.

كما تبنى زعماء أوروبا نهجاً دبلوماسياً قوياً يرفض قبول أي مسودة سلام قد تفرض تنازلات جائرة على أوكرانيا أو تُقصي الدول الأوروبية من عملية اتخاذ القرار. وفي هذا السياق، يتوقع الخبراء أن تتركز المناقشات خلال القمة على صياغة رؤية إستراتيجية تضمن ألا تُحرم أوروبا من حقوقها في تحديد مصيرها الأمني والسياسي، مع العمل على تعزيز القدرات الدفاعية للمنطقة في ظل تزايد التحديات، التي يفرضها الاقتصاد السياسي العالمي والتحولات الجيوسياسية الراهنة.

تعزيز التعاون

وفي ظل هذه التطورات، تُبرز القمة أهمية تعزيز دور أوروبا داخل حلف الناتو، حيث يُعد الحلف الركيزة الأساسية التي يستند إليها الأمن القاري. ويشير المسؤولون الأوروبيون إلى ضرورة تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي، بما يُتيح للقارة التفاعل بفعّالية مع التداعيات الأمنية المحتملة لأيّ تغييراتٍ في السياسة الأمريكية الخارجية. ويُعَد هذا التعاون خطوة محورية لضمان استمرار الدعم الدولي لأوكرانيا، مع تأكيد الحاجة إلى تطوير إستراتيجيات دفاعية مشتركة تُعيد صياغة مفهوم الأمن الأوروبي في العصر الحديث.

كما تسعى القمة إلى تحويل المحادثات الدبلوماسية إلى منصة تُمكّن القادة الأوروبيين من طرح مقترحات ملموسة تضمن بقاء أوروبا شريكاً أساسياً في أيّ اتفاق سلام. ويُستدل على ذلك من خلال التأكيدات المتبادلة التي صدرت خلال الاجتماعات الجانبية، حيث أعلن عددٌ من المسؤولين الأوروبيين أن الوقت قد حان لوضع رؤية واضحة تُبقي على وحدة الأطلسي وتضمن مشاركة فعّالة في المفاوضات مع موسكو.

الأمن المشترك

وتعَد هذه المبادرة الأوروبية بمنزلة رسالة قوية تُوجه لإدارة ترامب، تفيد بأن السيادة الأوروبية والأمن الجماعي لا يمكن التنازل عنهما في سبيل تحقيق مفاوضات سلام سريعة. فقد أثار استبعاد أوروبا من مائدة المفاوضات ردود فعل عنيفة بين القادة السياسيين، مما دفعهم إلى التحرُّك بتنظيم قمة طارئة تُركز على استعادة زمام المبادرة.

ويُؤكّد الخبراء أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء رمزي، بل هي إستراتيجية مصمّمة لإعادة ضبط موازين القوة في المنطقة، وضمان ألا يُحرم الأعضاء من حقوقهم في تقرير مصيرهم الأمني.

ويشكّل رد الفعل الأوروبي على توجّه إدارة ترامب نحو مفاوضات قد تُهمل مصالح القارة، رسالة واضحة بأن القادة الأوروبيين سيظلون حرصاء على حماية سيادة أوكرانيا، وتعزيز أمن المنطقة بشكلٍ مشترك. وتبقى الرؤية الأمنية الأوروبية على المسار الصحيح؛ فهل ستتمكّن هذه التحركات من إعادة رسم خريطة القوة في المنطقة؟

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *