سقوط “ود مدني” يُدخل ولاية الجزيرة دائرة الحرب السودانية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

في خطوة عدّها مراقبون تحولا في الحرب لصالح  قوات الدعم السريع، تعزز من موقفه في أي مفاوضات مقبلة، وتهدد بعزل ولايات الشرق، أخذ القتال الدائر في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي منحى جديدا بدخول قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة (وسط)، ذات الثقل الاقتصادي والزراعي وموقع إستراتيجي يربط بين الشرق والشمال والجنوب.

وأمس الأربعاء، دخلت قوات الدعم السريع مدينة الحصاحيصا، ثاني أكبر مدن الجزيرة، وبذلك تكون هذه القوات قد سيطرت على الولاية.

وقالت لجان مقاومة الحصاحيصا (ناشطون)، في بيان صباح الأربعاء، إن قوات الدعم السريع دخلت مدينة الحصاحيصا، واستولت على رئاسة الشرطة المحلية، موضحة أن الأمر تم دون اشتباكات لعدم وجود قوات للجيش والشرطة.

وأوضحت اللجان أن قوات الدعم السريع توجد في السوق الكبير بالمدينة وداخل عدد من أحيائها، خاصة الأحياء الطرفية ومحالج مشروع الجزيرة، وهو أكبر مشروع زراعي مروي في قارة أفريقيا، وتبلغ مساحته 2.2 مليون فدان (850 كيلومترا مربعا).

وبانتقال المعارك إلى الجزيرة، اتسعت رقعة القتال إذ انضمت الولاية إلى 9 ولايات تشهد اشتباكات مستمرة؛ وهي: العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.

ويخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حربا خلَّفت أكثر من 12 ألف قتيل، وما يزيد عن 6 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

سقوط الجزيرة

ومنذ 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، انضمت الجزيرة إلى دائرة الحرب، في تطور لم يكن في حسابات السودانيين، وهي الولاية المتاخمة للخرطوم من الجنوب، وذات كثافة سكانية عالية، وكانت قِبلة للنازحين من القتال في الخرطوم.

وتفاقم الأمر بسيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، عاصمة الولاية، بعد معارك مع قوة من الجيش استمرت حوالي 4 أيام.

وفي اليوم التالي، أعلن الجيش أن قواته انسحبت من المدينة في اليوم السابق، وأنه يجري تحقيقا في الأسباب والملابسات التي أدت لانسحاب القوات من مواقعها.

وذكرت مواقع إلكترونية قريبة من المؤسسة العسكرية أن قيادة الجيش قرّرت إقالة قائد الفرقة الأولى في ود مدني اللواء أحمد الطيب وإحالته إلى التحقيق، وتكليف اللواء ربيع عبد الله خلفا له. في المقابل، كلّف “حميدتي” قائده في ولاية الجزيرة أبو عاقلة محمد أحمد كيكل بقيادة مهام الفرقة الأولى بولاية الجزيرة بعد سيطرة قواته عليها.

وقال الجيش في بيان، إنه “يجري التحقيق في الأسباب والملابسات التي أدّت لانسحاب القوات من مواقعها شأن بقية المناطق العسكرية، وستُرفع نتائج التحقيق فور الانتهاء منها لجهات الاختصاص، ومن ثم تمليك الحقائق للرأي العام”.

وبسيطرة الدعم السريع على ود مدني، حيث توجد أكبر حامية للجيش، تكون الولاية بالكامل تحت سيطرتها، فدخولها المدن الأخرى ذات الكثافة السكانية الأقل أمر يسير؛ لعدم وجود قوات كبيرة للجيش بها.

وبالفعل، دخلت الدعم السريع مدن: رفاعة، والجنيد، والكاملين، دون مقاومة تذكر، وأخيرا مدينة الحصاحيصا أمس الأربعاء.

ويعيش حوالي 5.9 ملايين نسمة في ولاية الجزيرة، وهي سلة غذاء السودان، بينهم حوالي 700 ألف شخص في ود مدني.

وفرارا من القتال في ولايات أخرى، نزح 500 ألف شخص إلى الجزيرة. وتقول المنظمة الدولية، إنه منذ اندلاع القتال في السودان، أصبحت ود مدني مركزا للعمليات الإنسانية في البلاد، إذ تعمل 57 منظمة إنسانية في الولاية.

ومنتصف الشهر الجاري، أعلنت الأمم المتحدة تعليق جميع البعثات الميدانية الإنسانية داخل الجزيرة؛ جراء القتال بين الجيش والدعم السريع.

النزوح من جديد

ومنذ منتصف الشهر الجاري، بدأ الآلاف من السكان والنازحين إلى ود مدني مغادرتها إلى مدن الولايات المجاورة، ومنها: كوستي في النيل الأبيض وسنار بولاية سنار والقضارف بولاية القضارف.

وقال مجدي أحمد “خرجت وأسرتي إلى مدينة سنار ومنها إلى ولاية القضارف في رحلة طويلة وشاقة استمرت 36 ساعة”، مضيفا أن الوضع الإنساني صعب، وعلى طول الطريق آلاف من الناس يتحركون بحثا عن الأمن، ولولا مساعدات السكان في الطرق والقرى التي نمر بها، بالماء والأكل، لما استطعنا أن نصل إلى مدينة القضارف، وهذا هو الشيء الوحيد الذي خفف علينا مأساتنا”.

وأول أمس الثلاثاء، قالت منظمة الهجرة الدولية، إنه منذ تصاعد الصراع في ود مدني منتصف الشهر الجاري، وخلال 3 أيام، نزح ما بين 250 ألفا و300 ألف من الولاية.

وأضافت المنظمة الدولية في بيان، أن العديد من الفارين يضطرون إلى النزوح للمرة الثانية أو الثالثة منذ بدء النزاع، واضطروا إلى الفرار سيرا على الأقدام؛ بسبب ندرة خيارات النقل المتاحة.

المنظمة شددت على أنه من غير المستبعد أن يواصل كثيرون رحلاتهم إلى مدينة الرنك في ولاية أعلى النيل بدولة جنوب السودان؛ بحثا عن الأمان، مما يؤدي إلى ارتفاع محتمل في تدفقات النازحين إلى جنوب السودان.

تمدد القتال

وتزداد المخاوف من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى، إذ تتبقى 8 ولايات فقط تشهد استقرارا؛ وهي: النيل الأبيض (جنوب)، وسنار والنيل الأزرق (جنوب شرق)، والشمالية ونهر النيل (شمال)، وكسلا والقضارف والبحر الأحمر (شرق).

ولا يستبعد مراقبون أن ينتقل القتال إلى أي من هذه الولايات، في ظل انسداد الأفق السياسي أمام حل سلمي للأزمة، على الرغم من جهود كل من منبر جدة في السعودية، والهيئة الحكومية لشرق أفريقيا (إيغاد).

في هذا السياق، حذّر الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله من أن الحرب قد تمتد وتقضي على كل السودان إذا لم يحدث وقف إطلاق نار.

وأضاف عثمان “يمكن أن تثمر جهود إيغاد بأن تجمع بين رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح برهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ويتوصلا إلى وقف إطلاق النار”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *