رويترز: مقتل 7 أشخاص في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

أثار مقطع فيديو موجة من الجدل في لبنان، على خلفية ممارسات، وصفت بـ”المشينة” لممرضات يعملن في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، أثناء خدمتهن مجموعة من كبار السن.

وأظهر الفيديو ممرضة تضحك وتقوم بحركات تهريجية، أثناء وجودها على درج المستشفى، قبل توجهها إلى طابق آخر، فيما تتصل ممرضة أخرى بمريضة لإخافتها من خلال إصدار أصوات غريبة.

وندد ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بتصرف الممرضات، واعتبروا أن “ما جرى إساءة لكبار السن”، وطالبوا “بمحاسبة الممرضات ومعاقبتهن على فعلهن”.

ويبدو أن هذا السلوك لا يقتصر على الممرضات اللائي ظهرن في مقطع الفيديو، إذ أكد روي بخاري أن زوج خالته، الذي يتلقى العلاج في نفس المستشفى، أخبره عن حادثة مشابهة تعرض لها قبل حوالي الشهرين، حين فتح ممرض باب غرفته بقوة عند الساعة الثالثة صباحاً، وناداه باسمه بصوت مرتفع، مما تسبب في صدمته وذعره.

ويقول روي “قدمنا شكوى إلى الإدارة التي وعدت بمتابعة الموضوع، إذ أن قريبي، الذي يبلغ من العمر 74 عاماً، يعاني من مشكلات صحية عدة، وهذا تصرف غير مسؤول قد يؤدي إلى توقف قلبه”.

كتب لجزء مما حصل داخل أروقة مستشفى المقاصد أن يظهر إلى العلن، تماماً كما حصل مع كبيرة في السن تعرضت للضرب الوحشي من قبل ابنتها عام 2022 في منطقة رأس النبع في بيروت، إذ قام أحد سكان المبنى المجاور بتوثيق المقطع ونشره لجلب الانتباه إلى القضية وتحويلها إلى قضية رأي عام.

وكذلك الحال فيما يتعلق بنشر مقطع فيديو لكبير في السن يتعرض للضرب والتعنيف اللفظي على يد زوجة ابنه عام 2019، في حادثة هزت الرأي العام اللبناني وأثارت موجة من الغضب والاستنكار، في حين يتعرض عدد من كبار السن لانتهاكات خلف الجدران دون أن تكشف قضيتهم للعلن ويسمع أنينهم أحد، وفق ناشطين. 

بحسب منظمة العفو الدولية “غالباً ما تكون حماية حقوق كبار السن الإنسانية ضعيفة، بل وغائبة أحياناً، وغالباً ما يوضع هؤلاء في صورة نمطية كأشخاص يعتمدون على الآخرين، ويُنظر إليهم كأنهم متلقين للصدقة”.

ولطالما كان الاهتمام الرسمي بكبار السن في لبنان محدوداً، وزادت الأزمة الاقتصادية من قسوة الوضع الذي يعيشونه، إذ يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على حقوقهم الأساسية، التي حددتها الأمم المتحدة، وتشمل بشكل أساسي “الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والدخل والاندماج في المجتمع.”

وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن “معظم الناس يعتقدون أن السن هو (مجرد) رقم. ويرى كثيرون أن الشخص يصبح كبيرا في السن عندما يبلغ سن التقاعد الوطنية التي تكون عادة 60 أو 65 عاماً، بيد أن كِبَر السن مفهوم اجتماعي يتغير في سياقات وأوضاع معينة” أي في ضوء نظرة المجتمع إلى كبير السن ونظرته إلى نفسه، وليس بناءً على سنه الرقمي. 

تبرير ومحاسبة

عندما انتشر مقطع الفيديو الذي يظهر سلوك الممرضات، أدرك روي أن تصرف الممرض مع زوج خالته “كان مقصوداً ويندرج ضمن إطار ترويع المرضى والتنمر عليهم”، معتبرا أن “هؤلاء شياطين في ثوب ملائكة الرحمة. لا يلتزمون بأدنى معايير الأخلاق المهنية”.

بررت الممرضة إيمان شهاب، تصرفاتها من خلال نشر مقطع فيديو آخر عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، معلنة أنه مر على الحادثة تسعة أشهر، وأن المريضة التي ظهرت في الفيديو كانت قريبتها التي تحبها بشكل كبير، ومن المستحيل عليها أن تتصرف بهذه الطريقة مع أي مريض غريب.

كما أشارت إلى أن زميلتها زينب التي ظهرت تقوم بحركات تهريجية وهي تقف على الدرج، كانت تريد التوجه إلى الدكان دون علم المسؤول، وأن من نشر الفيديو ممرضة أرادت الانتقام بعدما شهدت إيمان وممرضات ضدها، مما تسبب بفقدانها لوظيفتها وعضويتها في نقابة الممرضات والممرضين.

ووسط الاستياء العارم، أصدرت مستشفى المقاصد بياناً توضيحياً وصفت ما ظهر في الفيديو بـ “التصرفات المشينة”، مؤكدة أن الحادث قديم وأنه تم صرفهن من عملهن قبل أكثر من شهرين بعد نيل عقابهن نتيجة مخالفتهن “أبسط معايير مهنة التمريض، مما يترك الأثر السلبي في مهنية عدد كبير من الممرضين والممرضات، الملتزمين أصول رسالتهم الإنسانية السامية وأدبياتها”.

وفي اتصال أجراه موقع “الحرة” مع نقيبة الممرضات والممرضين، الدكتورة ريما ساسين قازان، شددت على ما جاء في البيان الذي أصدرته النقابة بإحالة الممرضات أمام المجلس التأديبي “لمحاسبتهن وفقاً للأصول وحفاظاً على صورة المهنة ورفضاً لكل ما يمس المرضى والمجتمع”.

خلفيات السلوك السلبي

“ما حدث في المستشفى يمثل انحداراً أخلاقياً فادحاً”، كما يصف رئيس حملة “الصحة حق وكرامة”، النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية، الذي يشير إلى أن “المسؤولية لا تقتصر على الممرضات اللواتي قمن بالتصرف الخاطئ، بل تشمل أيضاً إدارة المستشفى وأكبر المسؤولين في جمعية المقاصد”.

ويشير سكرية بأسف إلى أن “الفلتان يمتد في لبنان إلى كافة الأصعدة، بما في ذلك العديد من المستشفيات، نتيجة الغياب التام للرقابة”.

ويؤكد سكرية في حديث مع موقع “الحرة” على “عدم توفر الحماية الصحية المناسبة لكبار السن في لبنان، وعدم متابعة متطلبات تراجع صحتهم مع تقدمهم في العمر”.

كذلك تشدد الأستاذة الجامعية والخبيرة في شؤون كبار السن، الدكتورة منال سعيد حوراني، على أن “التنمر على كبار السن والسخرية منهم سلوك غير مقبول ورغم الأمثلة السيئة على ذلك، يجب أن نذكر أن هناك ممرضات ومؤسسات تهتم بتقديم أفضل خدمات الرعاية لهم”.

كما تشدد سعيد، في حديث مع موقع “الحرة” على ضرورة “الاعتراف بكافة حقوق كبار السن، لاسيما حقهم في العناية والرعاية بأقصى جودة ممكنة، سواء كانوا مستقلين أو يعانون من العجز بشقيه، العقلي مثل مرضى الزهايمر والخرف والجسدي كالمقعدين الذين يعتمدون على الآخرين.

وأضافت قائلة أن “من يتعرض للإساءة هم في الغالب الأشخاص الذين يعانون من العجز”.

وربما ينجم السلوك السلبي بحسب سعيد “من نقص المعرفة والفهم بشأت احتياجات كبار السن”، ومن هنا يجب أن يكون لدى الفريق الصحي العامل مع هؤلاء معرفة بذلك “كأن يكون أفراده من المختصين أو ممن حصلوا على التدريب اللازم في هذا المجال”.

وتضيف “في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، تتعرض المؤسسات التي تقدم رعاية لكبار السن لضغوط مالية كبيرة، مما يؤثر بشكل سلبي على جودة الخدمات التي تقدمها لهم، ومن كبار السن من حرم من مدخراته بسبب حجزها في المصارف، ليواجه وضعاً مادياً صعباً”.

وترى رئيسة جمعية نضال لأجل إنسان، ريما صليبا، في حديث مع موقع “الحرة”، أن “غياب الرقابة والمحاسبة أحد الأسباب الرئيسية وراء ما يتعرض له كبار السن من انتهاكات، “فإذا كان هناك نظام مراقبة ومحاسبة فعّال، لما تجرأ أحد على القيام بهذه الانتهاكات”.

وتشرح صليبا “الحق في الحماية كرّسته حقوق الإنسان في العالم، لذا فإن كبار السن كسائر الفئات المهمشة في المجتمع يحتاجون إلى الحماية المادية والمعنوية في آن معاً”.

وأضافت: “يجب توفير جهات ضامنة تساعد في تأمين احتياجاتهم من رعاية صحية وعلاج ودعم نفسي، كما أنهم في حاجة إلى تأمين التغذية المناسبة، إذ كلما تقدموا في العمر انعكس ذلك سلباً على صحتهم الجسدية، والأهم من ذلك أنهم بحاجة ماسة إلى الاهتمام والإحاطة والتعاطف والاستماع من قبل عائلتهم ومحيطهم”.

فقدان الحماية والرعاية

يشهد لبنان الوتيرة الأسرع من بين الدول العربية في ارتفاع عدد كبار السن، كما سبق أن أكدت الأمم المتحدة، متوقعة أن يصبح حوالي ربع سكان البلد من هذه الفئة العمرية، أي نسبة 23%، بحلول عام 2050.

ويشكل كبار السن في لبنان، بحسب ما ورد في تقرير صادر عن “المؤسسة الدولية لكبار السن” عام 2022، 11% من سكان البلاد، مع متوسط أعمار يصل إلى 78 عاماً للرجال و82 عاما للنساء.

ولا يزال هذا البلد كما جاء في التقرير “من أضعف البلدان بالمنطقة في تأمين الحماية الاجتماعية لكبار السن، إذ يعتمد حوالي 80% منهم على أسرهم للحصول على الدعم المالي أو على مدخراتهم التي فقدت قيمتها إن وجدت، كما أن معظمهم لا يتلقون أي معاش تقاعدي أو دعم مالي من الدولة على الإطلاق”.

وتقول صليبا “مع انهيار أنظمة الدعم والرعاية التي اعتمد عليها كبار السن في الماضي، سواء من خلال البرامج الحكومية أو المنظمات غير الحكومية، وجد العديد منهم أنفسهم من دون أي مصدر للدخل، ومنهم من أجبر على العمل حتى بعد سن التقاعد”.

ففي لبنان، تجد كبار السن يعملون بائعي خضار وخياطين وسائقي سيارات أجرة وغيرها من المهن، حيث يكافحون من أجل تأمين لقمة عيشهم وتغطية تكاليف علاجهم، خاصة أن أبناءهم يواجهون نفس الصعوبات وبالتالي قد يتعذر عليهم مساعدتهم مادياً.

في ديسمبر الماضي أقرّ مجلس النواب اللبناني قانوناً ينشئ نظاماً شاملاً للمعاشات التقاعدية للعاملين في القطاع الخاص ويعيد تشكيل إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

واعتبرت الأمم المتحدة التشريع الجديد، الذي أُعدّ بدعم فني متواصل من قبل منظمة العمل الدولية على مدى عدة سنوات، من بين أهم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة في ظل الأزمات المتفاقمة، مشددة على أن “الأنظار تتجه نحو ترجمته على أرض الواقع”.

وعن إقرار هذا القانون، يعلّق سكرية بالقول “الأهم هو تطبيقه، فأي قانون من هذا النحو، يتطلب تأمين وديعة مالية لمدة 5 سنوات لبدء تنفيذه وضمان استمراريته، فهناك الكثير من القوانين في لبنان لو تم تنفيذها بشكل صحيح لما وصلنا إلى الحالة التي نحن عليها الآن”.

خطوات النجاة

ولا تفي السلطات اللبنانية وفقاً لصليبا “بواجباتها تجاه كبار السن، سواء من ناحية الطبابة أو دعم دور الرعاية”، فعلى الرغم من تشكيل الهيئة الوطنية الدائمة لرعاية شؤون المسنين في لبنان عام 1999، تقتصر برامج العناية بهم عادة “على مبادرات خاصة محدودة النطاق”.

وعلى السلطات المعنية، كما تقول سعيد “تطبيق معايير الجودة التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية لمؤسسات رعاية كبار السن، وتقديم الدعم لها لتجاوز الأزمات، بالإضافة إلى مراقبتها ومراقبة مهارات وقدرات الأشخاص الذين يعملون فيها، “كما ينبغي نشر الوعي في المجتمع لدعم قضايا كبار السن، سواء من خلال المنظمات الرسمية أو المناصرة الشخصية أي من قبل عائلتهم”.

ومن المهم جداً كذلك، بحسب سعيد “تطوير برامج دمج كبار السن في المجتمع، وتقديم الدعم لهم للبقاء في منازلهم والتفاعل بشكل صحيح مع بيئتهم، دون الحاجة إلى دخول مؤسسات رعاية خاصة وبذلك يمكن حماية صحتهم النفسية، ومن خلال المتابعة الطبية الدورية يمكن أن نحمي صحتهم الجسدية”.

وتختم سعيد بالقول “من حق كبار السن العيش بكرامة وتلبية احتياجاتهم الادراكية والجسدية واللوجستية”.

أما صليبا فتشدد على ضرورة “إرساء المدارس لمفهوم التضامن والتعاون والعمل الجماعي لا الفردي في البرامج التربوية كما كيفية حب الآخر والاهتمام به ومساعدته، فكبار السن بركة كل عائلة وكرامتهم من كرامة كل إنسان، ونحن جميعنا مشروع كبار في السن في يوم من الأيام”.

وتشير صليبا إلى الدور الإيجابي الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في كشف الانتهاكات بحق كبار السن، وتحويلها إلى قضايا رأي عام، “مما يجبر أصحاب العلاقة على إيجاد حلول”. كما تساعد أيضاً “على لفت انتباه الآخرين إلى وجود حالات مماثلة في بيئتهم وتشجعهم على الاهتمام بكبار السن وإعطائهم الأهمية التي يستحقونها”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *