في خضم تصاعد التصريحات المتبادلة بين موسكو وواشنطن، تطفو على السطح إشارات دبلوماسية جديدة قد تُعيد رسم خريطة الصراع في البحر الأسود، تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اليوم حول استعداد روسيا لعقد اتفاق بحري، مقابل ضغوط أمريكية مُلزِمة لكييف، تفتح بابًا ضيقًا لتهدئة قد تُنهي أشهرًا من الجمود.
إحياء الاتفاقية
وكشفت مصادر دبلوماسية عن تفاصيل مباحثات مكثفة جرت بين وفود روسية وأمريكية في العاصمة السعودية الرياض، تزامنًا مع تصعيد الهجمات العسكرية على موانئ أوكرانية استراتيجية. وأكدت المصادر أن المحادثات ركزت على إحياء اتفاقية سلامة الشحن البحري، التي انهارت عام 2023، وسط اتهامات متبادلة بتعمد خرق بنودها.
وفي تصريح تلفزيوني مباشر، وضع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف شرطًا مفاجئًا لإبرام أي اتفاق جديد: “أوامر أمريكية ملزمة لفولوديمير زيلينسكي”، مُشيرًا إلى أن موسكو لن تثق مرة أخرى في تعهدات أوكرانية فردية. وأضاف: “التجربة السابقة أثبتت أن كييف لا تحترم الاتفاقات دون ضغوط ملموسة من حلفائها.. الضمانات يجب أن تأتي من واشنطن هذه المرة”، وفقاً لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
ذاكرة الانهيار
ويعود الخلاف حول الاتفاقية البحرية إلى فبراير 2022، عندما شنت روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ما دفع المجتمع الدولي للضغط لإبرام اتفاقية عام 2022 لضمان مرور السفن التجارية بأمان. لكن الاتفاق انهار بعد عام واحد، مع تبادل الاتهامات بين الجانبين: موسكو تتهم كييف باستخدام الممرات البحرية لتهريب الأسلحة، وأوكرانيا تُحمّل روسيا مسؤولية استهداف سفنها.
وتحوّلت التصريحات الروسية إلى ورقة ضغط مباشرة على الإدارة الأمريكية، التي تسعى -بحسب محللين– لاحتواء الأزمة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن الواضح أن لافروف يستغل ورقة “الضمانات الأمريكية” لفرض سيناريو يربط أي تقدم دبلوماسي بخطوات عملية من واشنطن، مثل تقييد الدعم العسكري لأوكرانيا أو دفعها لتفعيل مفاوضات مباشرة.
ردود متقاطعة
من جهته، رد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تصريحات لافروف خلال كلمة مسائية، واصفًا إياها بـ”مسرحية دعائية”، مؤكدًا أن بلاده “لن تقبل أي شروط تقيد حقها في الدفاع عن سيادتها”. وأضاف: “الكرملين يريد تحميل العالم مسؤولية فشله.. الحرب لن تنتهي إلا بانسحاب القوات الروسية من كل شبر أوكراني”.
وفيما تشتد المخاوف من انعكاسات التصعيد على الأمن الغذائي العالمي – خاصة مع تعطل صادرات الحبوب الأوكرانية – تُحاول دول أوروبية إقناع كييف بمرونة تكتيكية في ملف البحر الأسود، بينما تُحذّر واشنطن من أن أي اتفاق جديد يجب أن يراعي مصالح أوكرانيا كـطرف رئيسي، وليس مجرد متلقٍ للأوامر.
سيناريوهات مُحتملة
ورغم التشدد الظاهري في الخطابين الروسي والأوكراني، إلا أن مراقبين يرون في التوقيت الحالي فرصةً لتفعيل مسار تفاوضي خفي، وتكشف مصادر مقربة من البيت الأبيض عن نية الولايات المتحدة تقديم مقترحات عملية خلال الأسابيع القادمة، قد تشمل ضوابط لعمليات الشحن البحري، أو حتى إشراك دول ناتو في مراقبة الممرات.
وبينما تُعلن موسكو أنها “أغلقت ملف الحرب بالوسائل الدبلوماسية”، تُصر كييف على أن الكرة في ملعب الكرملين. والساحة الآن تشهد معركةً موازية: معركة الروايات. فهل تنجح الضغوط الدولية في تحويل الإشارات إلى وقف دائم لإطلاق النار، أم أن البحر الأسود سيظل ساحةً لـ”حرب الجوع” التي يدفع ثمنها المدنيون؟