في خضم التوتر المتصاعد على الحدود والتهديدات، التي باتت تلوح في أفق الأمن الإقليمي، تبرز رواية جديدة تكشف عن جدل سياسي عميق؛ حيث تشير الأدلة إلى أن قادة إسرائيل قد تجاهلوا بتمعن التحذيرات الصادرة عن مراقبات الحدود حول تدريبات حركة حماس العسكرية واستعدادها لمهاجمة إسرائيل، وما إذا كان هذا التجاهل جزءًا من استراتيجية متعمدة لتبرير هجوم واسع النطاق على غزة، بهدف تدميرها وتهجير سكانها.
تجاهل محسوب
فعلى مدار صيف وخريف عام 2023، كانت جنديات المراقبة في مستعمرة ناحال أوز تُسجل بتفصيل تحركات مقاتلي حماس، وتوثق استعداداتهم لهجوم وشيك على الحدود الإسرائيلية. وكانت التقارير اليومية التي تخرجها هؤلاء “المراقبات” تحمل إشارات مقلقة عن تدريبات عسكرية مكثفة وتنظيمات سرية، إلا أن المعلومات المهمة هذه، التي قد تكون أنقذت أرواحاً وأنبتت شعبة من المخاوف الأمنية، تم تجاهلها من قبل القادة العسكريين. ويُشتبه أن هذا التجاهل لم يكن نتيجة للغباء أو الإهمال العرضي، بل تعمد المسؤولون إلى عدم الاستجابة لهذه التحذيرات، ربما لتحقيق أهداف سياسية استراتيجية تتمثل في تبرير هجوم قادم على غزة، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
وفي قلب هذه القضية، برزت شهادة روني إشيل، المراقبة البالغة من العمر 19 عامًا، التي نقلت بدقة تفاصيل عن تدريبات حماس بالقرب من القاعدة العسكرية. كانت تقاريرها تُحذر من اقتراب مقاتلين متجهين إلى الهجوم، لكن القيادة التي كانت تثق بتكنولوجيا الدفاع المتطورة، لم تمنح هذه التحذيرات ما تستحقه من اهتمام. هذا التجاهل الذي تكرر عدة مرات، يُثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك نية خفية لاستخدام تلك التحذيرات لاحقًا كذريعة لهجوم شامل على غزة.
ولم يقتصر الأمر على روني وحدها، إذ تناولت تقارير العديد من المراقبات جوانب أخرى من الاستعدادات العسكرية لحماس، وتفاصيل دقيقة عن التدريبات التي كان من الممكن أن تكشف عن نقاط ضعف في خط الدفاع الإسرائيلي. ومع ذلك، فقد بُذلت الجهود لإسكات هذه الأصوات الناقدة وتحويل الانتباه بعيدًا عن التحذيرات التي قد تقوض صورة الهيكل الدفاعي القوي الذي يسعى القادة للترويج له. بدا أن الهدف الأساسي كان خلق مناخ يسمح بتبرير هجوم عنيف، يستهدف غزة كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة.
الهدف الآخر
وفي خضم الأزمة، بدأت تساؤلات الجمهور والناشطين في وسائل الإعلام تنتشر حول دوافع القيادة الإسرائيلية. فبينما كان النظام يُعلن عن نفسه كحامي للدفاع القومي، كانت الأصوات الداخلية تشير إلى أن هناك هدفًا آخر وراء اتخاذ قرار الهجوم. ففي ظل تجاهل متعمد للتحذيرات، أصبح من الممكن استخدام هذا التجاهل كذريعة لإثبات أن النظام كان مُجبراً على الرد على تهديدٍ حقيقي، وهو ما يُستخدم فيما بعد كحجة لتدمير غزة وتهجير سكانها. هذا التفسير السياسي يحمل في طياته رسائل قوية حول كيفية استخدام المعلومات كأداة لتحقيق أغراض سياسية استراتيجية.
ولم يأت التجاهل المستمر لتحذيرات المراقبات دون ثمن؛ فقد تكبدت القوات خسائر بشرية فادحة، وانتهت حياة عدة مراقبات كانت تعتبر أصواتاً حيوية في خط الدفاع. كما أن الأسر التي اجتاحت أركانها الجماهير من النساء والرجال، عارضت بشدة عدم الاستجابة لتحذيرات كانت قد أنقذت في ظروف أخرى. وهذه الوقائع تعزز النظرية التي تقول إن القادة استخدموا هذا التجاهل ليس فقط لتبرير الهجوم، بل ولخلق سرد إعلامي يسهم في بناء صورة النظام كضحية محتملة تهددها قوات خارجية، مما يبرر بعد ذلك الرد العنيف على غزة.
ومع مرور الوقت، انقلبت الحقائق إلى شعلة نقدية في أوساط المجتمع، حيث طالب النقاد بإجراء تحقيق شفاف في أسباب تجاهل هذه التحذيرات. وفي ظل الشكوك المتزايدة، تحول الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية إلى ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات القيادة، وتفعيل مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات التي ترتبط بالأمن القومي. كل هذه المطالب جاءت لتعكس رغبة في تجنب تكرار أخطاء ماضية أدت إلى كارثة بشرية واقتصادية على حد سواء.
دليل صارم
والشهادات التي قدمتها مراقبات الحدود في ناحال أوز تشكل سجلاً موثقًا للتجاهل المتعمد، إذ فقدت هذه الأصوات الحذرة مكانها في صفوف المسؤولين، وأصبحت ضحيةً لاستراتيجية تهدف إلى خلق مبررات لشن هجوم مدمر. إن التحذيرات التي كانت تأتي من كاميرات المراقبة وتسجيلات دقيقة للمناطق الحدودية، لم تُستمع إليها بالجدية اللازمة، مما أثار جدلاً واسعاً حول مدى مصداقية القرارات التي اتُخذت فيما بعد.
وبعض المحللين يرون أن هذه الخطوة كانت مخططة مسبقًا؛ إذ تم تهيئة الأجواء السياسية والعسكرية لاستغلال الحدث كدافع لإعادة رسم معالم السياسة الإقليمية. هذا التجاهل المتعمد للتحذيرات لم يكن مجرد خلل إداري، بل كان جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال خلق عذر مشروع للهجوم على غزة. ومع ذلك، تظل تساؤلات الجمهور معلقة حول حقيقة هذه الادعاءات، مما يدفع إلى الحاجة لمزيد من التحقيقات الشفافة والموضوعية.
النتائج المأساوية
وأظهرت النتائج المأساوية التي ترتبت على هذا التجاهل، أن المعلومات التي يتم توريطها في صنع القرار لا يجب أن تُهمل أو تُستَخدم كذريعة لأهداف سياسية لا إنسانية. فالأدلة المتراكمة تدعو إلى إعادة تقييم عميقة للأنظمة العسكرية والإدارية التي تقود إسرائيل، وضمان مشاركة الأصوات الحقيقية التي ترفع راية الإنذار في مواجهة المخاطر.
وتبرز قصة تجاهل التحذيرات العسكرية لحماس كفصل مهم في تاريخ السياسات الأمنية الإسرائيلية، حيث تُطرح تساؤلات جريئة حول ما إذا كان هذا التجاهل قد ساهم في تبرير هجوم أدى إلى دمار غزة وتهجير سكانها. وإن ما حدث ليس مجرد صدفة، بل قد يكون نتيجة متعمدة لاستغلال معلومات حساسة لتحقيق أهداف سياسية جائرة. يبقى السؤال في ذهن كل من يتابع الأحداث: هل كانت هذه الخطوة محسوبة لتبرير أفعال تهدف إلى تغيير موازين القوى في المنطقة؟