رغم “الألم الشديد” والضغوط.. نتانياهو يتعهد باستمرار الحرب في غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

يكشف الكمين الذي أسفر عن مقتل تسعة جنود إسرائيليين في شمال قطاع غزة، الثلاثاء، حجم التحديات التي باتت تعترض عمليات الجيش الإسرائيلي على الأرض، ويسلط الضوء على مرحلة من القتال مختلفة عن سابقاتها، من زاوية المخاطر والمواجهة والمسافة التي تفصل بين جبهات العدوين، حسب ما يشير إليه محللون عسكريون.

وتتركز عمليات الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي في ثلاث مناطق رئيسية هي: خان يونس جنوب القطاع وجباليا في شماله وعلى أطراف الشجاعية، الحي الذي قتل فيه الجنود التسعة وبينهم ضباطان كبيران، في حادثة اعتبرت الأكبر من ناحية عدد القتلى العسكريين، الذين سقطوا منذ بداية الغزو البري.

القتال في قطاع غزة

يقع “الشجاعية” بالتحديد في شمال شرقي غزة، ووفق الرواية الرسمية الإسرائيلية تتواجد فيه كتيبة عسكرية تستمد اسمها منه، وتمثل أقوى الوحدات في “كتائب القسام” الذراع العسكري لحركة حماس.

ويمثّل الحي أعلى تجمّع سكاني بغزة، وعلى الرغم من إعلان إسرائيل قبل عشرة أيام قتل قائد الكتية المذكورة فيه، وسام فرحات، لم تتوقف عمليات الحركة المصنفة إرهابية بدول عدة، واستمرت بشكل متوازي مع التوغلات التي وقعت على أكثر من محور من جانب الجيش الإسرائيلي.

ولطالما قالت إسرائيل إن الشجاعية تستخدم كـ”قاعدة لحماس”، وبالعودة إلى تسع سنوات للخلف، فقد كانت مسرحا لهجوم إسرائيلي كبير في صراع سابق في غزة عام 2014. 

وأدى القتال في يوليو من ذلك العام إلى “ما كان أحد أكثر الأيام دموية بالنسبة للفلسطينيين وللجيش الإسرائيلي في تلك الحرب”، وفق تقرير لـ”نيويورك تايمز”، إذ قتل ما لا يقل عن 60 فلسطينيا و13 جنديا وضابطا إسرائيليا، في هجوم وصفه الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون بأنه “عمل فظيع”.

ما هي التحديات؟

ولا تتوقف التحديات التي باتت تواجه الجيش الإسرائيلي حسب مقال للمحلل العسكري البارز، رون بن يشاي، عند عمليات “التفخيخ” التي تقوم بها حماس بالأبنية وعلى البوابات، بل تنسحب إلى طبيعة القتال بصورته العامة.

يشير المحلل في صحيفة “يديعوت أحرنوت” إلى حادثة مقتل الجنود التسعة من لواء “غولاني” أحد ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، ويوضح أن حي الشجاعية كثيف البناء ومترامي الأطراف ويضم مجموعة ضيقة من المباني والأزقة.

ومن المستحيل تقريبا في مثل الحالة المذكورة إدخال جرافة إليه، “الأمر الذي كان من شأنه أن يخدم جيش الدفاع الإسرائيلي جيدا في تطهير خطوط الرؤية، ويسمح له بالمزيد من التقدم وزيادة التخطيط لمنع مثل الخسارة التي حصلت”، وفق المحلل.

بن يشاي حذّر من التحديات المذكورة وسلط الضوء من جانب آخر على شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس، معتبرا أن “إمطارهم بالجحيم لم يخدم أي غرض يذكر”، في إشارة منه إلى القصف الجوي المكثف.

وأضاف أن “حماس على دراية جيدة بهذا النوع من التهديد، إذ يندفع (مسلحوها) تحت الأرض قبل أن تسقط القنابل ويطفون على السطح مرة أخرى عندما ينتهي التهديد”.

وفي ذات السياق، اعتبر محلل الدفاع الشهير في إسرائيل، عاموس هاريل، الأربعاء، أن “التفوق العسكري الإسرائيلي على حماس يتضاءل في المناطق الحضرية المزدحمة في شمال غزة”.

هاريل أشار، بصحيفة هآرتس، إلى أن “حي الشجاعية يعتبر آخر معقل متبقي لحركة حماس، وموقع القتال العنيف المستمر”، ويوضح أن القتال الدائر في الوقت الحالي يتم بواسطة المشاة، وإلى حد كبير أيضا بالدبابات.

“القتال يتم من مسافة قريبة جدا وفي مناطق كثيفة البناء تم تدمير بعضها فقط”، كما يضيف المحلل، ويقول إن مقاطع الفيديو القتالية التي نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تعكس “صورة معقدة”.

وفي غضون ذلك يتحدث الجنود العائدون من غزة عن التقدم البطيء والمدروس، مما يعني أنهم يقضون الكثير من وقتهم في انتظار الأوامر بالاستيلاء على الجزء التالي من الأراضي، حسب المحلل.

دبابات إسرائيلية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة

دبابات إسرائيلية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة

“حرب مدن”

ورغم الخسائر و”الأثمان الباهظة” التي يدفعها الجيش الإسرائيلي في شمال غزة وجنوب القطاع، حسب ما يقول الباحث الإسرائيلي، غولان برهوم، فإنه يحرز تقدما في جبهات عدة، ويندفع بـ”رؤية استراتيجية”.

ويضيف برهوم لموقع “الحرة”: “صحيح أننا نسمع على أساس أسبوعي ويومي مقتل ضباط وجنود إسرائيليين لكن دائما ما يكون للتقدم ثمن، وهناك أماكن معينة وأنفاق لم نصل إليها بسيطرة كاملة”.

ويسعى الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي للسيطرة على كامل شمال غزة وتحقيق الأهداف المعلنة في جنوب القطاع وتحديدا في خان يونس، وفق الباحث، مشيرا إلى أنه “لا يوجد خيار ثاني إلا الاستمرار بالمعركة رغم التحديات”.

ويوضح اللواء الفلسطيني المتقاعد، واصف عريقات، أن “حرب المدن والمناطق المبنية والمأهولة بالسكان والشوارع الضيقة دائما ما تكون من أصعب المعارك”.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي حاول أن يتجنب هذا النوع من المعارك في السابق يقول عريقات لموقع “الحرة” إنه “وصل إلى نقطة اضطرته للانخراط، وخاصة في المناطق التي يقول إن قيادات حماس تتمركز بها”.

وقبل عقود، خاض الجيش الإسرائيلي عدة حروب في “حي الشجاعية وخسر”، كما يضيف اللواء الفلسطيني المتقاعد.

ويشير إلى عام 2014 حين “كان هذا الحي سببا مباشرا في اضطرار الجيش الإسرائيلي للانسحاب من غزة، بعد سقوط عدد كبير من قواته بين قتيل وجريح”، على حد قوله.

ويتابع عريقات: “الجندي الإسرائيلي الآن بات بعيدا عن إسناد الطائرة والدبابة والمدفع، ويضطر أن يواجه المقاومة وجها بوجه في الحارات الضيقة وفي المناطق المبنية والمأهولة بالسكان”.

“عند النقطة صفر”

ولا يزال الجيش الإسرائيلي بعيدا عن السيطرة على المنطقة المحاصرة كاملة في شمال غزة، والثلاثاء أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن جنوده يواصلون القتال في حي الشجاعية.

لكن غالانت اعتبر أن الجيش الإسرائيلي غالانت يحقق إنجازات كبيرة و”مقاتلونا في طريقهم لتحقيق النصر”، دون أن يغفل ما وصفها بـ”أنها أثمان لهذا النصر”.

في مخيم جباليا للاجئين “تضاءلت مقاومته إلى حد ما في الأيام الأخيرة”، كما يوضح محلل الدفاع في “هآرتس” عاموس هاريل، ويقول إنه قواته تقوم في مناطق أخرى بعمليات بحث مستمرة عن الأنفاق والأسلحة والمخابئ.

أما في جنوب غزة، فلا تزال عمليات الجيش الإسرائيلي تركز على منطقة خان يونس، والتقسيم الإقليمي لحركة حماس العاملة في المدينة.

ويشير هاريل إلى أن “المناطق المبنية مع العديد من الأنفاق التي لا تزال قيد الاستخدام تمكن مجموعات من مقاتلي حماس من الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في بعض الحالات على مسافة بضعة أمتار فقط”، وهو ما اصطلح على تسميته بـ”المسافة صفر”.

وتقلل هذه الظروف “من بعض الأفضلية النسبية التي يتمتع بها جيش الدفاع الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا والاستخبارات، وتزيد من عدد الضحايا الإسرائيليين”.

ويتابع أن كل هذا واضح في اللقطات التي تم نشرها مساء الثلاثاء، التي يظهر فيها جندي من وحدة كوماندوز ياهالوم التابعة لفيلق الهندسة القتالية “يقتل إرهابيين اثنين” من مسافة قريبة داخل شقة أثناء إصابته بشظايا قنبلة يدوية”.

وكما يعتبر هاريل “لا بد أن المتفرجين قد أعجبوا بشجاعة الجندي ورباطة جأشه، لكنهم ربما تساءلوا أيضا عما إذا لم تكن هناك طريقة أخرى أكثر أمانا إلى حد ما للتعامل مع الخطر”.

من جانبه يشير المحلل الإسرائيلي في “يديعوت أحرنوت” بن يشاي إلى أن التحديات التي تعترض عمليات الجيش الإسرائيلي لا تقتصر على شمال القطاع، بل تشمل جنوبه أيضا.

ويورد المحلل حادثة مقتل 5 من ضباط وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بسبب عبوة ناسفة في إحدى المدارس الواقعة في خان يونس.

ويقول إن مسلحي حماس “ينصبون الفخاخ بالآلاف في جميع أنحاء الجيب”، وفي المقابل “لم تتوصل القيادة العليا في جيش الدفاع الإسرائيلي بعد إلى مسار أكثر فائدة لتأمين الدخول إلى هذه المباني”.

ويضيف خاتما مقاله التحليلي بتحذير: “إذا كنت تعتقد أن القتال فوق الأرض قد يبدو ضيقا، فهذا مجرد مقدمة لأشياء قادمة. يتعين على أفضل العقول العسكرية أن تفكر في طريقة أفضل لتحييد التهديد المتفجر، أو الوقوف بلا حول ولا قوة بينما يستمر عدد القتلى من جنود الجيش الإسرائيلي في الارتفاع المؤسف”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *