رغم احتمالات سجنه أو تصفيته.. لماذا عاد نافالني إلى روسيا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

حتى قبل إعلان وفاته، الجمعة، لطالما تردد سؤال “لماذا عاد نافالني؟” على ألسنة الروس، المتعجبين من إقدام معارض الرئيس فلاديمير بوتين، على العودة إلى بلاده، خاصة بعد نجاته من محاولة تسميم، وجهت فيها أصابع الاتهام، على نطاق واسع، إلى الكرملين.

وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن عودة نافالني أثارت استغراب الكثير من الروس، وحتى حراس السجن الذين كانوا يسألونه عن سبب عودته، إذ كان واضحا أن “السجن المؤكد”، أو حتى “الموت المحتمل”، كانا مصيره المحتوم.

وجوابا على السؤال الملح، قال نافالني في منشور على فيسبوك بتاريخ 17 يناير الماضي، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لعودته واعتقاله في عام 2021: “لا أريد أن أتخلى عن بلدي أو معتقداتي. لا أستطيع خيانة الأول ولا الثاني”.

وتابع: “إذا كانت معتقداتك ذات قيمة، فيجب أن تكون على استعداد للدفاع عنها. وإذا لزم الأمر، قم ببعض التضحيات”.

كان هذا الجواب المباشر الذي قدمه نافالني، ولكن بالنسبة للعديد من الروس، سواء أولئك الذين عرفوه أو أولئك الذين لم يعرفوه، فقد “كانت القضية أكثر تعقيد”، وفقا للصحيفة الأميركية التي أشارت إلى أن البعض ذهب لتشبيهها بالمأساة اليونانية الكلاسيكية، التي يعود فيها البطل، وهو يعلم أنه محكوم عليه بالهلاك، لأنه إذا لم يفعل، فلن يكون البطل.

وخلال سنوات حياته الأخيرة، رفع المعارض الروسي الذي أكدت محاميته، السبت، وفاته، شعار ألا سبب للخوف من الحكومة الاستبدادية للرئيس فلاديمير بوتين، وقال معلقون روس، إنه أراد أن ينفذ ويثبت ذلك.

فيما أشار آخرون إلى أن باعتباره ناشطا نال شهرة كبيرة بسبب تحريضه، كان يخشى أن يتناقض مع خطابه وهو في المنفى، وهذا ما أكسبه، وفقا الصحيفة، احتراما وأنصارا جددا، خاصة بعد أن واصل انتقاد الكرملين من زنزانته في السجن، رغم أن هذا كلفه حياته.

قال عباس غالياموف، كاتب خطابات الكرملين السابق الذي كانت لديه خلافات فيما مضى مع نافالني “كان شخصا عمليا”، وكانت السياسة بالنسبة له “عبارة عن عمل، وليست مجرد ديمقراطية ونظرية كما هو الحال بالنسبة للكثيرين في المعارضة الروسية، الراضين تماما بالبقاء في الخارج، ومجرد الحديث دون أن يفعلوا أي شيء بأيديهم. بالنسبة له كان ذلك لا يطاق”.

وأضاف غالياموف، أن عودة نافالني “كانت علامة على ارتباطه العاطفي الجامح بالقضية وإخلاصه العميق لها”.

من جهته، كتب أندريه لوشاك، صحفي روسي، في تكريم نشرته وكالة أنباء ميدوزا المستقلة، “لقد تساءل الكثيرون طوال هذه السنوات الثلاث: لماذا عاد، أي نوع من الحماقة، أي نوع من التضحية بالنفس التي لا معنى لها هاته.. لكن بالنسبة،  لأولئك الذين عرفوه، كان الأمر طبيعيا، إذا تعرفن عليه في الحياة اليومية ستعرف أنه شخص لم يكن بإمكانه سوى العودة إلى بلاده”.

وقال لوشاك، إنه بعد عودة نافالني، نشر صورة زعيم المعارضة الرئيسي، مرفقة بكلمة “بطل”، مشيرا إلى أن هذا النوع من التضحية بالنفس نشاهدها في الأفلام السينمائية فقط.

وأضاف: “لقد كان منارة وسط هذا الظلام – هناك  يجلس في مكان ما وسط زنازين العقاب الرهيبة ويضحك عليهم.. إنه يظهر أن هذا ممكن”.

من جانبه، يقول غالياموف إنه يأسف أحيانًا لعودة نافالني، كون الاحتجاجات التي أشعلها اعتقاله الفوري في مطار موسكو، لم تترجم إلى أي رد فعل سياسي مستدام .

ووفقا للصحيفة، فقد اعتقد بوتين في أوقات مختلفة أنه قد حل “مشكلة نافالني”، خاصة من خلال السماح له بالمغادرة للتعافي في ألمانيا بعد تعرضه للتسمم. وكان التصور السائد هو أن أي شخص بكامل قواه العقلية لن يعود، لكنه عاد.

وحتى في السجن، أصبح نافالني يمثل مشكلة بالنسبة للكرملين بسبب قدرته على جعل آرائه مسموعة، بحسب “نيويورك تايمز”.

وبحسب يفغينيا ألباتس، وهي صحفية روسية بارزة تعمل الآن في جامعة هارفارد: “كانت عودة نافالني، بمثابة كابوس لبوتين”، مشيرة إلى أن البعض عند رجوعه إلى موسكو تحدثوا عن إبرامه صفقة مع الكرملين، حيث تم وصفه بأنه “أحد الناجين”، أو “الرجل الذي قام من بين الأموات”، لكن الأيام أثبتت خطأ قراءاتهم.

من جانبه، اعتبر كيريل روجوف، مستشار الحكومة الروسية السابق الذي يقود الآن مؤسسة “ري: روسيا”، وهي مؤسسة بحثية مقرها في فيينا، إن ما دفع نافالني للعودة إلى روسيا في نهاية المطاف هو “الشجاعة التي اعتقد أنها يمكن أن تمنحه سلطة سياسية هائلة”. 

واضاف “لقد تحداهم نافالني بشجاعته، لكنهم لا يتسامحون مع من لا يخاف”، مشيرا إلى أن “نموذج نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، الذي خرج بطلا بعد عقود من السجن، أزعج بوتين”.

وذكرت الصحيفة، بكلمات نافالني خلال محاكمته الأولى، والتي اقتبس فيها جملة من من سلسلة الرسوم المتحركة الساخرة “ريك اند مورتي”، قائلا:”العيش يعني المخاطرة بكل شيء وإلا فإنك مجرد قطعة خاملة من جزيئات متجمعة عشوائيا تنجرف أينما يفجرك الكون”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *