تتبع تحقيق للجزيرة، حادثة تعرض شقيقين فلسطينيين طفل وفتى، لاستهداف مباشر من قناصة الجيش الإسرائيلي بمنطقة حي الأمل غرب خان يونس جنوبي قطاع غزة، رغم حمل أحدهما للراية البيضاء، فإنها لم تشفع لهما، واستشهدا في مشهد مروع وقاس، خلال محاولتهما النزوح مع عائلتهما باتجاه مسار حددته إسرائيل للنازحين على أنه “آمن”.
ويستند التحقيق -الذي أجرته وكالة سند التابعة لشبكة الجزيرة- إلى شهادات حصرية، حصلت عليها الجزيرة من عائلة الشهيدين، إضافة إلى تحديد توقيت ومكان الجريمة ورسم صورة الحدث وتحديد أقرب موقع لنشاط آليات للجيش الإسرائيلي من مكان استهداف الطفل والفتى اللذين لقيت صورتهما وهما ملقيان على الأرض فوق بعضهما تفاعلا وتعاطفا واسعين.
وصباح الأربعاء الماضي، قررت عائلة بربخ إخلاء منزلها الواقع في منطقة حي الأمل غرب خان يونس، استجابة لمنشورات ألقتها الطائرات الإسرائيلية وتغريدات نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي طالب فيها الأهالي في أحياء بخان يونس بينها الأمل بالإخلاء إلى منطقة المواصي عن طريق شارع البحر.
#عاجل 🔴🔴 الى سكان منطقة خان يونس في أحياء النصر، الأمل، مركز المدينة والمخيم (المعسكر) في بلوكات 107-112: من أجل سلامتكم عليكم الانتقال فورًا إلى المنطقة الإنسانية في المواصي عن طريق شارع البحر pic.twitter.com/K4MtDeKMSR
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) January 24, 2024
لم تشفع لهما الراية البيضاء
ويقول محمد عادل بربخ، والد الشهيدين ناهض الذي يبلغ من العمر (13 عامًا) ورامز صاحب الـ20 عامًا “حينما قررنا المغادرة، خرج ابني ناهض يحمل الراية البيضاء ولم يبتعد سوى أمتار قليلة عن البيت حتى تعرض لإطلاق نار في قدمه، ثم باغتته رصاصات في بطنه ورقبته”.
وأضاف أن شقيقه الآخر رامز حاول إنقاذه، وما إن وصل إليه حتى تعرض لإطلاق نار في قلبه وسقط فوق شقيقه، ولم تشفع لهم الراية البيضاء.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي نشر على منصة إكس تغريدتين يومي 23 و24 من الشهر الجاري، قبل يوم وفي يوم حادثة قنص ناهض ورامز، طالب سكان حي الأمل بالإخلاء، بما في ذلك سكان “بلوك 109” على الخريطة الإسرائيلية، ووفق تحديد الموقع الجغرافي لمنزل عائلة بربخ فإن المنزل ومكان الحادثة يقعان في “البلوك” نفسه المشار إليه.
توقيت وموقع الاستهداف
تمكن التحقيق من تحديد الموقع الجغرافي لموقع تعرض رامز وناهض لنيران القناصة الإسرائيلية، ويقع المكان بجوار مدرسة هارون الرشيد في حي الأمل، وهي المنطقة التي تقع في “بلوك 109 في الخريطة الإسرائيلية” وفق تحديد جغرافي وشهادات العائلة.
ووفق شهادات العائلة فقد حددت توقيت استهداف الشقيقين بحوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا من يوم 24 يناير/كانون الثاني الحالي، في حين التقطت الصورة بعد استشهادهما بين الساعة الواحدة، والواحدة والنصف ظهرًا وفق تحديد اتجاه الشمس والظل وما ورد في الشهادات الحصرية.
وروى أحمد بربخ شقيق الشهيدين، تفاصيل التقاطه للصورة الوحيدة التي توثق الجريمة، وقال “صورت أخوي الشهيدين حتى لا أنساهما، ولكي أوثق هذه الجريمة، جريمة قتل طفل يحمل راية بيضاء وشقيقه الذي حاول إنقاذه وقتل أيضًا”.
وتظهر صورة الشقيقين بعد استشهادهما آثار الدماء والراية البيضاء التي كانا يحملانها لدى تحركهما باتجاه منطقة النزوح في المواصي غرب خان يونس، لكنهما لم يرافقا عائلتهما بسبب استشهادهما، وواصلت العائلة المهمة القاسية التي روتها لمحاولة حماية نفسها من نيران القناصة وعبور طريق آخر أجبرتها على تكسير حائط للعبور من شوارع فرعية ومنازل أخرى، وتابعت سيرها حتى وصلت إلى منطقة الطريق الساحلي بخان يونس واستقرت في خيمة هناك.
نشاط الجيش الإسرائيلي
ووفق صور أقمار اصطناعية حصلت عليها الجزيرة، فقد رصدت آثار العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي بمنطقة الكتيبة بمسافة تبعد 400 متر عن موقع استهداف الشقيقين، حيث التقطت الصور يوم 19 يناير/كانون الأول الجاري.
وتبعد الآليات الإسرائيلية عن موقع الحدث مسافة 900 متر تقريبا.
مصير مجهول للجثتين
وحصلت الجزيرة أيضا على شهادات حصرية للعائلة، حيث تحدث والد ووالدة وأشقاء الشهيدين عن تفاصيل الجريمة بشكل مفصل، كما تحدثوا عن وقع وصعوبة الجريمة عليهم خاصة أنه لا معلومات لديهم بشأن مصير جثتي الشهيدين ناهض ورامز، لعدم تمكنهم من انتشالهما ومغادرتهم المنطقة تحت القصف وإطلاق النار.
ويروي محمد عادل بربخ والد الشهيدين اللحظات الصعبة التي عاشها مع عائلته بعد قنص ابنيه وكيف أنه لجأ إلى الصليب الأحمر الدولي بعد الحادثة عدة مرات لمعرفة مصير جثتيهما لكن لم يتوصل إلى نتيجة ليتركهما وراءه والحسرة لا تفارق قلبه.
بينما قالت والدة الشهيدين إنها شاهدت ابنيها وهما يستشهدان أمام عينيها وحاولت الخروج من المنزل واستدعاء الإسعاف أملا أن يكونا لا يزالان على قيد الحياة، إلا أن كثافة النيران منعتها وأصيبت في معصمها بطلق ناري أيضا.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت حتى اليوم 26 ألفا و422 شهيدا، و65 ألفا و87 مصابا، إضافة إلى دمار هائل بالبنية التحتية والأحياء السكنية والمستشفيات وكارثة إنسانية غير مسبوقة.