من لندن وحتى جنيف يحتشد المتظاهرون في جامعات وعواصم أوروبية احتجاجات على استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، وللمطالبة وبوقف إطلاق النار، في محاكاة للاحتجاجات التي تشهدها جامعات أميركية والتي انطلقت من جامعة كولومبيا في نيويورك.
وفي عدة مدن أوروبية تشهد احتجاجات داعمة للفلسطينيين، وتدعو لوقف الحرب في غزة التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، وفي المقابل خرجت احتجاجات مؤيدة للإسرائيليين، والتي تدعو لإطلاق سراح الرهائن والقضاء على حماس.
ورغم الأهداف المشتركة للاحتجاجات التي تشهدها جامعات أميركية مع نظيرتها الأوروبية، إلا أنها تختلف في تنظيمها وشكلها عما يحدث في الولايات المتحدة بحسب تقرير نشرته صحيفة “يو أس أيه توديه”.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى منتصف أبريل، شهدت الدول الأوروبية أكثر من 3100 مظاهرة ترتبط بالحرب في غزة، وفي الولايات المتحدة خلال الفترة ذاتها كان عدد التظاهرات والأنشطة 2700 تظاهرة ووقفة، بحسب بينات منظمة “أيه سي أل أي دي” التي تتبع النشاطات السياسية من هذا النوع حول العالم.
وتتشارك الاحتجاجات الداعمة للفلسطيين بالمطالبة بوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات للفلسطينيين الذي أصبحوا في مواجهة مع المجاعة، ودعوا الحكومات الغربية إلى وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة، ووقف أي تعاون مع إسرائيل.
وفي المقابل ركزت التظاهرات المؤيدة لإسرائيل، للتركيز على الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، ويرون في الممارسات المناهضة لإسرائيل عداء ومعاداة السامية، إذ أصبح اليهود يشعرون بقدر أقل من الأمان.
وفي الوقت الذي اشتبك فيه المتظاهرون مع سلطات إنفاذ القانون في جامعات أميركية، إلا أن المواجهات في حرم الجامعات الأوروبية بقيت محدودة، وهو ما يعزوه محللون تحدثوا للصحيفة إلى “اختلاف ثقافة الاحتجاج والتركيبة السكانية، وقوانين التعبير عن الرأي واللوائح الناظمة للجامعات، وسلوكيات أجهزة الأمن”، فيما يشير البعض إلى أن بعض الحكومات الأوروبية سعت إلى فرض قيود على الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين.
باريس
ثار توتر أمام جامعة سيانس بو بالعاصمة الفرنسية باريس، الجمعة، بسبب الحرب في غزة مع وصول محتجين مؤيدين لإسرائيل لتحدي طلاب مؤيدين للفلسطينيين يتواجدون بمبنى بالجامعة.
وتحركت الشرطة للفصل بين المجموعتين.
ويتواجد بعض الطلاب مبنى في الجامعة منذ الخميس. وردد الطلاب هتافات داعمة للفلسطينيين ورفعوا الأعلام الفلسطينية على النوافذ وفوق مدخل المبنى. ووضع عدد منهم الكوفية ذات اللونين الأسود والأبيض التي أصبحت رمزا للتضامن مع غزة.
وطالب المحتجون إدارة الجامعة بإدانة تصرفات إسرائيل في ترديد لصوت احتجاجات مماثلة في جامعات أميركية.
وتصاعد التوتر في فترة بعد الظهر مع وصول نحو 50 متظاهرا مؤيدا لإسرائيل وهم يهتفون “حرروا ساينس بو” و”حرروا غزة من حماس”.
وفي وقت لاحق الجمعة، سار محتجون مؤيدون لإسرائيل، بعضهم يتدثر بالأعلام الإسرائيلية أو الفرنسية، إلى المبنى احتجاجا.
والأربعاء، نصبت نحو 10 خيام في باحة مبنى آخر، قبل أن تطرد الشرطة الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية.
وتلقى هؤلاء الطلاب الجمعة دعما من شخصيات عدة في اليسار الفرنسي المتطرف “حزب فرنسا الأبية”، بينهم الناشطة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن المرشحة للانتخابات الأوروبية.
وقالت حسن للصحافة إنهم يحملون “شرف فرنسا”، مكررة كلمات زعيم الحزب جان لوك ميلانشون الذي توجه برسالة صوتية إلى المتظاهرين المؤيدين لغزة بهدف دعمهم.
وقررت إدارة “سيانس بو” إغلاق عدة مبان في حرمها الجامعي في باريس و”دانت بشدة هذه التحركات الطالبية”.
ونظمت الإدارة اجتماعا مع ممثلين عن الطلاب الجمعة وهي تتعرض لانتقادات قسم من الجسم التعليمي لأنها سمحت للشرطة بالتدخل في الحرم الجامعي.
وتدعو “لجنة فلسطين” في الجامعة إلى “إدانة واضحة من قبل سيانس بو لممارسات إسرائيل” و”إنهاء التعاون” مع كل “المؤسسات أو الكيانات” التي تُعتبر ضالعة “في القمع النُظمي للشعب الفلسطيني”.
وكما الحال في الولايات المتحدة حيث تؤدي تحركات الطلاب المؤيدين لغزة إلى إثارة جدل سياسي، يتهم نشاط الطلاب المؤيدين لغزة في “سيانس بو” بمفاقمة معاداة السامية في الحرم الجامعي.
ورأى رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا يوناتان عرفي “ما من شيء كبير يحصل” لكنه رأى أن التحرك “ينجح، ويأخذ الحرم الجامعي بأكمله رهينة، ويمنع الحرية الأكاديمية ويتسبب بمناخ من الترهيب الفكري لدى جزء من الطلاب اليهود”.
وفرنسا التي تضم أكبر جالية لليهود وللمسلمين على السواء على صعيد أوروبا والتي تخشى ارتدادات الحرب عليها، كثفت السلطات من تدابيرها، مع حظر تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وإلغاء مؤتمرات وتوجيه الشرطة مذكرة استدعاء في حق شخصيتين سياسيتين من اليسار الراديكالي على خلفية “تحميد الإرهاب”.
برلين
وفي برلين بدأت الشرطة الجمعة بإزالة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين أقامه نشطاء خارج مبنى البرلمان لمطالبة الحكومة بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل وإنهاء ما يقولون إنه تجريم لحركة التضامن مع الفلسطينيين.
وأزالت الشرطة الخيام وأبعدت المتظاهرين بالقوة وأغلقت المنطقة المحيطة لمنع وصول محتجين آخرين.
وأقام النشطاء المخيم في الثامن من أبريل تزامنا مع بدء نظر محكمة العدل الدولية دعوى رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا بسبب تقديم برلين مساعدات عسكرية لإسرائيل.
وجلس نصار وعشرات المتظاهرين على الأرض وهم يرددون شعارات وأغنيات مؤيدة للفلسطينيين بينما كانت الشرطة تطالبهم عبر مكبرات الصوت بالمغادرة.
وحظرت ألمانيا قدوم وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في منتصف أبريل “بغية منع أي دعاية معادية للسامية ولإسرائيل”، بحسب السلطات الألمانية.
وأوقفت الشرطة فعاليات “المؤتمر الفلسطيني” الذي كان من المفترض أن يشارك فيه، بعد ساعة على انطلاقها.
والوزير اليوناني كما الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة جائزة “نوبل” هما في مرمى الرئيس المحافظ للبرلمان النمسوي فولفغانغ زوبوتكا الذي يطالب بسحب الدعوة الموجهة لهما إلى المهرجان الفني “أسابيع فيينا الاحتفالية”.
ويرفض المدير الفني للمهرجان ميلو راو الإذعان لهذا الطلب، معتبرا أن نعت الكاتبة بـ”معادية للسامية” هو “عبثي بالدرجة عينها” مثل اعتبارها “معادية لفرنسا” لأنها تنتقد حكومة بلدها.
لندن
وتجرى في بريطانيا تظاهرات بشكل منتظم كل يوم سبت، والتي تكون في لندن وفي مدن أخرى.
ويقول مدير مركز السياسة البريطانية في جامعة، هال، مات بيتش لصحيفة “يو أس أيه توديه” إن أحد أسباب انخفاض الاحتجاجات العنيفة داخل الحرم الجامعي في بريطانيا مقارنة مع ما يحصل في الولايات المتحدة بسبب أنها غالبية التظاهرات التي تحصل في بريطانيا مؤيدة للفلسطينيين وهي تحصل كل يوم سبت.
وأشار إلى أن هذه التظاهرات أصبحت حدثا أسبوعيا يحضره عشرات الآلاف من الأشخاص.
وفي جامعة أكسفورد، واجهت رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة، نانسي بيلوسي احتجاجا من طالبين أثناء حضورها لإلقاء خطاب الخميس.
وما أن بدأت بيلوسي بالحديث دخل طالبان يرتديان قمصان كتب عليها “مطالب الشباب” ويحملان الأعلام الفلسطينية، حيث استمروا بالوقوف بصمت طوال خطابها لنحو 20 دقيقة قبل أن تقوم الشرطة بإخراجهم، بحسب تقرير لموقع بوليتكو.
ويتهم سياسيون حركة حماس بإشعال الحرب بهجومهم في السابع من أكتوبر على مستوطنات إسرائيلية قتلوا فيه نحو 1200 شخص واحتجزوا نحو 250 رهينة، وفقا لإحصائيات إسرائيلية.
وأدى الرد العسكري الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 77 ألفا، وفقا لوزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس.
قمع ممنهج للاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين في أوروبا
في ظل استقطاب شديد في الآراء حول الحرب بين إسرائيل وحماس، كشفت عدة منظمات غير حكومية لوكالة فرانس برس عن مخاوف من “قمع” الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في أوروبا، إثر إلغاء فعاليات وملاحقات في حق مفكرين ونشطاء.
وقالت جوليا هال الباحثة في “منظمة العفو الدولية” إن “القوانين حول خطاب الكراهية ومكافحة الإرهاب تُستغل لمهاجمة” الأصوات المؤيدة للفلسطينيين.
وأشارت إلى أن أوروبا شهدت “سيلا من الإلغاءات وعمليات استهداف متظاهرين سلميين وأكاديميين وكل شخص هو في الأساس متضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين أو ينتقد دولة إسرائيل”.
وفي هذه الأجواء المحمومة، غالبا ما تتهم الأصوات المؤيدة للفلسطينيين بالتساهل مع حماس وبمعاداة الصهيونية بشدة أو حتى بمعاداة السامية.
وساهمت زلات لوحظت خلال تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين والالتباس الذي لطالما خيم على موقف اليسار الراديكالي الذي وصف هجمات حماس بفعل “مقاومة” في تغذية هذه الاتهامات.
والنقاش حاضر بقوة في الولايات المتحدة حيث أوقف مئات الطلاب في الساحات الجامعية التي اعتصموا فيها للاحتجاج على الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل والكارثة الإنسانية في غزة، وذلك في خضم السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض.
وفي الاتحاد الأوروبي، اتخذت 12 دولة على الأقل “تدابير غير متكافئة، بما في ذلك حظر تظاهرات على أساس خطر ظاهر على الأمن العام والأمن”، وفق ما جاء في تقرير للمنتدى المدني الأوروبي ومقره بروكسل.
ويعزى هذا “القمع للتضامن مع الفلسطينيين” إلى “الدعم الكبير” الذي توفره أوروبا لإسرائيل والمرتبط بالمحرقة اليهودية، بحسب أرتي نارسي من المنتدى المدني الأوروبي.
وتقول جوليا هال من منظمة العفو الدولية إن “التذرع بالتصدي لمعاداة السامية لكم الأصوات المنتقدة للحكومة الإسرائيلية يفقد كل معناه لا سيما أن بعض المنتقدين هم من اليهود”.
وفي أكتوبر، أوقفت إيريس هيفيتس المتخصصة في العلاج النفسي في برلين لحملها لافتة كتب عليها “بصفتي يهودية وإسرائيلية، أطلب منكم وقف الإبادة الجماعية في غزة”.
وأكدت جمعية “يوديشي شتيمي” اليهودية التي تندد بما تصفه بـ”التعاون الألماني” مع “النظام السياسي للفصل العنصري لدولة إسرائيل في الضفة الغربية” أن حساباتها قد جمدت.
وفي وقت كانت ألمانيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لتدفع عنها اتهامات نيكاراغوا لها بتسهيل “الإبادة الجماعية” في غزة، انتقدت صحيفة “تاتس” “الرقابة والعنف” إزاء المؤتمر الذي تم وقفه في برلين.
وذكرت الصحيفة بأن “ألمانيا أعلنت أن تضامنها غير المقيد مع إسرائيل هو من مقتضيات مصالح الدولة العليا”.
وبين أكتوبر 2022 وأكتوبر 2023، أحصى المركز الأوروبي للدعم القانوني في هولندا 310 “أعمال قمعية” في حق تظاهرات أو شخصيات مؤيدة للفلسطينيين، راوحت بين “إجراءات قضائية” و”مضايقات” و”إلغاء فعاليات”.
ومنذ السابع من أكتوبر وحتى مارس ارتفع المجموع بأكثر من الضعف إلى 836 عملا. وهذا ليس سوى “الجزء الظاهر من المشكلة”، على قول ليلى كاترمان من المركز.
وفي فرنسا، اعتمدت السلطات “نظاما إداريا قضائيا” يستهدف “الأشخاص الذين يعربون عن الدعم للفلسطينيين”، في حين أنه لا يطال هؤلاء “الداعمين لإسرائيل”، بحسب المحامي أرييه حليمي العضو في رابطة حقوق الإنسان.
وهو وضع “مؤسف” في نظر المحامي الذي ألف كتاب “يهودي، فرنسي، من اليسار… في الفوضى”، إذ إن “النضال ضد العنصرية ومن أجل القضايا الإنسانية ينبغي أن يبقى دوما غير قابل للتجزئة”.