دراسة: الحرائق تستخدم كـ”سلاح” في الصراع بالسودان وتدمر المزيد من البلدات

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

فجّرت تعديلات أجرتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، موجة من الجدل وسط السياسيين والناشطين والخبراء العسكريين، خاصة أن “التعديلات أعادت إلى الجهاز صلاحيات سُحبت عنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير”، بحسب قانونيين سودانيين.

ونقلت وكالة السودان للأنباء عن وزير العدل المكلف، معاوية عثمان، قوله إن “التعديلات على قانون المخابرات العامة جرى نشرها بالجريدة الرسمية”، مشيرا إلى أن “وزارة العدل تراعي في صياغة القوانين عدم تداخل أو تعارض المواد مع قوانين أخرى”.

“صلاحيات واسعة”

ويشير الخبير القانوني، معز حضرة، إلى أن “التعديلات الحالية منحت جهاز المخابرات العامة صلاحيات أكبر من التي كانت ممنوحة له في عهد البشير”.

وقال حضرة لموقع الحرة إن “أبرز التعديلات تمثلت في منح جهاز الأمن صلاحيات للقبض والتفتيش والاعتقال، كما أنها أقرت كذلك تجديد حجز المعتقلين لمدد متعددة”.

ولفت الخبير القانوني إلى أن “التعديلات أعطت المكلفين بتنفيذ تلك الصلاحيات والمهام حصانة كاملة، بحيث أصبح من المستحيل محاكمتهم، لا مدنيا ولا جنائيا، إلا بموافقة من مدير جهاز المخابرات”.

وأضاف قائلا “وحتى إذا صدر حكم بالإعدام على أحد أفراد جهاز المخابرات، فلن يتم تنفيذ الحكم إلا بموافقة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان”.

وفي عام 2019 أصدر البرهان مرسوما دستوريا بتغيير اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى جهاز المخابرات العامة.

وبناء على الوثيقة الدستورية التي جرى توقيعها عقب سقوط نظام البشير، سُحبت بعض الصلاحيات من الجهاز، ليصبح مختصا بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى السلطات المختصة.

مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية

مثل غيرهم من السودانيين، واجه المسيحون في السودان فصولا من المعاناة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنهم دفعوا ثمنا آخر يتعلق بتدمير وتخريب طال عددا من مؤسساتهم الدينية والتعبدية، وفق ما ذكره مجلس الكنائس السوداني.

وفي المقابل يرى الخبير الأمني، اللواء أمين إسماعيل، أن “التعديلات تأتي في سياق الحالة الأمنية المضطربة التي يعيشها السودان، وأنها تدبير استباقي للارتدادات الأمنية المتوقعة خلال الحرب وبعد توقفها”.

وقال إسماعيل لموقع الحرة إن “الارتدادات الأمنية تحتاج إلى جهاز أمن ومخابرات قوي، يملك صلاحيات تساعد في إدارة الحالة الأمنية والاقتصادية، خاصة في ظل الوضع السوداني الحالي”.

ولفت إلى أن “التعديلات ترتبت على متغيرات أمنية واقتصادية، إذ تزايدت عمليات الاتجار والمضاربة في النقد الأجنبي، مما أفقد العملة السودانية كثيرا من قميتها، بجانب ارتفاع معدلات الجريمة والنشاط الإجرامي”.

وأشار الخبير الأمني إلى أن “الصلاحيات التي أضيفت لجهاز المخابرات كانت موجودة في السابق، وأُزيلت بالوثيقة الدستورية، والآن هناك حاجة لمواجهة التحديات التي تحدث في البلاد”.

بدورها، ترى القيادية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، رشا عوض، أن “التعديلات تقيّد الحريات العامة وتكرس لملاحقة الناشطين في العمل الطوعي، والداعين لإيقاف الحرب”.

وقالت عوض لموقع الحرة، إن “التعديلات تأتي في اتجاه التضييق على القوى السياسية المدنية لأن الحرب اندلعت أصلا لتصفية ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير، ولذلك نلاحظ أن هجوم منسوبيه على القوى المدنية أكثر شراسة من هجومهم على قوات الدعم السريع”.

ولفتت عوض إلى أن “السلطة الحالية أعادت أولا هيئة العمليات، الذارع العسكرية لجهاز المخابرات التي جرى حلها بالوثيقة الدستورية، والآن تمت إعادة الصلاحيات كاملة لجهاز المخابرات ليكون ذراعا سياسيا لفلول النظام السابق للتضييق على القوى المدنية الديمقراطية”.

مآلات القرار

التعديلات التي أُدخلت على قانون المخابرات العامة تزامنت مع اشتداد المعارك بين الجيش والدعم السريع، ومع صعود الدعوات التي تنادي بإيقاف الحرب والبدء في عملية سياسية تحدد ملامح الفترة الانقالية، فما الهدف منها؟

يقول حضرة إن “البرهان والمجموعة المساندة له يهدفون إلى تكريس سلطة القمع ومصادرة الحريات، حتى يستمروا في حكم السودان”.

وأضاف أن “القمع والاعتقال وعمليات التعذيب التي تجري حاليا، أسوأ مما كان يحدث في عهد البشير، وأخطر ما فيها أنها تهدد التماسك المجتمعي”.

ولفت إلى أن “التعديلات أقرت مصطلح المتعاونين، وهو مصطلح لم يكن موجودا في قانون جهاز المخابرات السابق”، مشيرا إلى أن “المتعاون شخص لا ينتسب رسميا إلى الجهاز، وهو مواطن عادي يقدم المعلومات إلى الجهاز بمقابل مالي”.

وتابع قائلا “هذه التعديلات تجعل الكل يشكك في الكل، والجميع يتجسس على الجميع، وهذا من شأنه أن يهدد التماسك المجتمعي، خاصة أن بعض المتعاونين يمكن أن يقدموا معلومات ضد غيرهم من منطلق خلاف شخصي”.

في يومها العالمي.. السياسة والحروب تقلص حرية الصحافة حول العالم

يعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة، المحدد من قبل الأمم المتحدة في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه الحرية والتحديات التي تواجهها وتقوضها، وفرصة لتقديم جردة حساب سنوية للانتهاكات التي تعرض لها الجسم الإعلامي والصحفيين حول العالم، ما من شأنه أن يقدم صورة عن المخاطر والاستحقاقات التي تهدد واحدة من أبرز مقومات الديمقراطية حول العالم. 

من جانبها تشير عوض إلى أن التعديلات تنذر بأن “القادم سيكون أسوأ”، وتقول إن الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية كانت تضيّق على الذين يدعون لإيقاف الحرب، وتعتقل كثيرا منهم بحجة أنهم يساندون الدعم السريع، لدرجة أن بعضهم مات تحت التعذيب”.

وأضافت قائلة “الآن كل تلك الممارسات السيئة ستصبح تحت مظلة قانونية بسبب التعديلات الجديدة، مما يعني زيادة حالات الاعتقال والتعذيب وملاحقة الناشطين”.

وكان حزب المؤتمر السوداني اتهم، الأسبوع الماضي، الاستخبارات العسكرية باعتقال رئيس فرعيته في منطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، وقتله تحت التعذيب. في حين لم يصدر تعليق رسمي من الجيش عن الحادثة.

لكن الخبير الأمني أمين إسماعيل يرى أن “وجود وكيل النيابة المختص بأمن الدولة سيمنع عمليات استغلال التعديلات الجديدة لملاحقة واعتقال الناشطين”.

ويلفت إلى أن “المادة 50 من القانون تحظر القيام بأي عمليات احتجاز أو اعتقال دون أخذ الإذن من وكيل نيابة أمن الدولة، وتشدد على ضرورة تحويل المعتقلين إلى المحاكمة”.

وأضاف “كل تلك العوامل يمكن أن تلعب دورا في حماية المدنيين، وتمنع استخدام تلك التعديلات بحقهم، كما أن تلك التعديلات يمكن أن تلغى عند كتابة دستور جديد، بعد توقف الحرب التي أملت هذه التعديلات”.

وتتهم منظمات حقوقية سودانية، ودولية، جهاز الأمن في عهد البشير بالتورط في انتهاكات ضد الناشطين، بما في ذلك الاحتجاز والإخفاء القسري والتعذيب والقتل.

وبعد سقوط نظام البشير جرت محاكمة عدد من منسوبي جهاز الأمن بتهم قتل المتظاهرين، بينهم 11 ضابط وجندي بتهمة قتل طالب الطب محجوب التاج، على خليفة تظاهرة طلابية.

وفي ديسمبر 2020 قضت محكمة أم درمان بإعدام 29 من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات بتهمة اعتقال وتعذيب المعلم أحمد الخير، في منطقة خشم القربة بشرق السودان، مما أدى لوفاته.

وجرى اعتقال الخير لمساندته الاحتجاجات التي كان يشهدها السودان ضد نظام البشير في 2019. 

وفي فبراير 2021 أيدت المحكمة السودانية العليا قرار محكمة أم درمان. ولكن لم يُنفذ الحكم حيث فرّ آلاف المدانين والمسجونين من السجون السودانية بعد حرب 15 أبريل، بينما تبادل الجيش والدعم الاتهامات بالتورط في فتح أبواب السجون.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم إلى مناطق داخل وخارج السودان.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في أنحاء البلاد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *