حذر خبراء عسكريون من أن خطة إدارة الرئيس الأميركي، لإنشاء رصيف عائم قبالة ساحل غزة كجزء من مبادرة دولية واسعة النطاق لإيصال المساعدات للفلسطينيين الجائعين بالقطاع، من شأنها أن تعرض أفراد الخدمة الأميركيين الذين سيقومون ببناء الرصيف وتشغيله والدفاع عنه من الهجوم لـ”الخطر”، حسبما نقلت صحيفة “واشنطن بوست”.
ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه الجهود يمكن أن توفر ما يصل إلى مليوني وجبة يوميا سكان القطاع المهدد بالمجاعة، فيما تدخل المساعدات الإنسانية التي تخضع لرقابة من الجانب الإسرائيلي، بكميات قليلة.
ويخشى مراقبون من أن الغضب الفلسطيني بسبب التقارب والدعم الأميركي لإسرئيل قد يجعل هذا الميناء “هدفا محتملا” للهجمات.
وبينما يؤكد البنتاغون أنه لن يتم نشر أي قوات أميركية في غزة، فإنه لم يكشف سوى القليل عن المدة التي يمكن أن تستمر فيها عملية البناء وكيف يمكن ضمان سلامة المشاركين، مما أثار قلق البعض في الكونغرس وغيرهم من منتقدي خطة الرئيس، وفقا للصحيفة الأميركية.
ورفض مسؤولون عسكريون الإجابة على أسئلة صحيفة واشنطن بوست بشأن المكان الذي سيقام فيه الرصيف، والإجراءات الأمنية التي سيتم اتخاذها، مشيرين إلى عدم رغبتهم في الحديث عن الخطط.
واستند تقرير الصحيفة إلى مقابلات مع ثمانية مسؤولين حاليين وسابقين في الأمن القومي الأميركي على دراية بالتخطيط المستمر وبالتنسيق المعقد المطلوب لإجراء مهام إنسانية بهذا الحجم بأمان.
ويرى رافضو الإجراء أن قرب الأميركيين من مناطق القتال والغضب الشديد من الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل سيجعل الرصيف هدفاً مغرياً لحماس أو غيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة التي يتلقى العديد منها الأسلحة والتوجيه العسكري من إيران.
وأضافوا أن إطلاق الصواريخ والطائرات الهجومية بدون طيار والغواصين أو الزوارق السريعة التي تنقل المتفجرات، كلها ستشكل تهديدا.
ووصف بول كينيدي، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية الذي قاد عمليات إنسانية كبرى بعد الكوارث الطبيعية في نيبال والفلبين، بأنه “هدف جدير” للولايات المتحدة أن تقوم بتخفيف معاناة المدنيين في غزة، لكنه تساءل عما إذا كان الجيش الأميركي هو الكيان المناسب للمشاركة.
وقال: “إذا انفجرت قنبلة في ذلك الموقع، فسوف يتساءل الجمهور الأميركي: ماذا كانوا يفعلون هناك في المقام الأول؟”.
وصرح جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، قائلا إن تجميع وتشغيل الرصيف سيوفر الإغاثة للكثير من سكان غزة، وهي مهمة هامة وستحدث فرقا.
وقال كيربي: “لكننا نعلم أن مثل هذه المهام لا تخلو من المخاطر على الإطلاق. وهذا هو الحال بشكل خاص في منطقة حرب مثل غزة”، وأكد أنه “لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض، ونعلم أن قادتنا العسكريين سيبذلون قصارى جهدهم لضمان سلامتهم أثناء قيامهم ببناء وتشغيل هذا الرصيف”.
ويقول مدافعون عن خطة الإدارة الأميركية، إن الخطر يبقى “حقيقيا”، ولكن يمكن التحكم فيه.
لكن في المقابل، استشهد محللون آخرون بالتفجيرات الإرهابية القاتلة في بيروت عام 1983، وأيضا العملية الإرهابية التي استهدفت مطار كابل أثناء إخلاء الولايات المتحدة لأفغانستان في عام 2021، كأمثلة على الصعوبة الهائلة في حماية أفراد الخدمة الأميركية، خلال فترات الإقامة الممتدة في ظروف خطيرة.
وخلف الحادث الأول مقتل 241 من أفراد الخدمة الأميركية. وقتل الأخير 13 جنديا أميركيا إلى جانب حوالي 170 أفغانيا، ولا يزال الحادث الأخير يمثل انتكاسة لإدارة بايدن ومحور تحقيقات مستمرة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
وأعلن الرئيس بايدن عن خطة إقامة رصيف في غزة خلال خطابه عن حالة الاتحاد في 7مارس، قائلا إن ذلك سيتيح “زيادة هائلة” في المساعدات الإنسانية.
وخلال الأسابيع الماضية قامت الولايات المتحدة ودول أخرى بإسقاط مساعدات جوية على غزة، لكن هذه الجهود لا تكفي أمام الأوضاع الإنسانية الكارثية بالقطاع.
وقد قوبلت فكرة الرصيف بردود فعل متباينة، حيث قالت لجنة الإنقاذ الدولية ومنظمات الإغاثة الأخرى إنه يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية عن طريق البر، حيث رفض مسؤولون إسرائيليون فتح المعبر الشمالي لغزة، معللين قرارهم بمخاوف أمنية، بينما أدت عمليات التفتيش الشاقة في الجنوب إلى الحد من حجم المساعدات التي تدخل القطاع.
واتهمت إسرائيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المسؤولة عن توزيع معظم المساعدات داخل القطاع بتحويل الإمدادات إلى حماس، وقالت إن التأخير نتج عن مشاكل لوجستية بين منظمات الإغاثة، بما في ذلك نقص السائقين.
وستضم عملية بناء الرصيف التي يقودها الجيش حوالي ألف جندي أمريكي وأربع سفن تابعة للجيش، انطلقت من جنوب شرق فيرجينيا في 12 مارس.
وبعد وصول السفن المرتقب في 12 أبريل، من المتوقع أن يشرع الجنود ببناء فولاذ عائم، عبارة عن هيكل وجسر بطول 1800 قدم مكون من مسارين.
وسيتم تنظيم جميع عمليات التسليم وفحصها في قبرص قبل تحميلها على السفن إلى الرصيف. وقال مسؤولون دفاعيون، إن أفرادا أميركيين سينقلون الإمدادات إلى الجسر، لكنهم لن يغادروه.
وأعرب وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن دعمه للخطة البحرية، قائلا إن القوات الإسرائيلية ستضمن وصول المساعدات إلى من ينبغي أن تصل إليها.
وقال الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة وكبير المستشارين العسكريين لبايدن، للصحفيين الأسبوع الماضي، إن سلامة القوات “على رأس الأولويات في أي وقت نضع فيه قواتنا في أي مكان في خطر”.
وأضاف أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات لحماية الجنود، ومن المتوقع أن تساعد إسرائيل ودول أخرى في توفير الأمن. ولم يخض في التفاصيل.
وبحسب براون، فقد عقد نائب الأدميرال براد كوبر، الضابط رقم 2 في القيادة المركزية الأميركية، التي تنسق جميع العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، اجتماعات في المنطقة لتحديد شروط الأمن والمتطلبات الأخرى حتى يعمل الرصيف على النحو المتصور.
وقال براون، إنه تلقى تأكيدات من نظيره الإسرائيلي، الجنرال هيرتسي هاليفي، بأن المساعدات القادمة عبر الرصيف لن تتعرض لعوائق.
كما سعى القائد الأعلى للقيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا، إلى طمأنة المشرعين بشأن العملية، في جلسات استماع بالكونغرس في وقت سابق من شهر مارس.
رسالة إلى البيت الأبيض
لكن السيناتور روجر ويكر، العضو الجمهوري البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، وغيره من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، أشاروا في رسالة إلى بايدن الأسبوع الماضي، إلى أن “التحفظات القوية لا تزال قائمة” بشأن العملية.
وكتبوا إلى البيت الأبيض: “إننا نشعر بقلق بالغ من أن وزارة الدفاع لم تعط سوى القليل من الاهتمام لاحتمال قيام حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من المنظمات التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، بمهاجمة الأفراد الأميركيين الذين سيتم نشرهم في هذه المهمة”.
لكن بالمقابل، وصف جيمس ستافريديس، الأميرال المتقاعد والقائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي، الخطر بأنه “متواضع”، قائلاً إنه يعتقد أن المهمة “معقولة وقابلة للتحقيق”.
وقال ستافريديس إنه إذا تعرضت القوات الأميركية لهجوم، فمن المرجح أن يكون الهجوم عن طريق الجو، مجادلا بأن التمركز القريب لسفينة حربية تابعة للبحرية مجهزة بنظام الدفاع الصاروخي الباليستي “إيجيس” يجب أن يكون كافيا لحماية الأفراد على الرصيف العائم أو بالقرب منه.
واستخدم البحارة الأميركيين هذا النظام قبالة اليمن مرارا وتكرارا لإسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار الهجومية التي أطلقها المسلحون الحوثيون المدعومين من إيران، والذين يشنون منذ نوفمبر، هجمات على سفن تجارية وعسكرية التي تعبر البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، والتي يقولون إنها إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل.
وقال ستافريديس، إنه للحماية من السفن السطحية المأهولة وغير المأهولة التي يمكن أن تشكل تهديدات، يمكن للقادة وضع قوات خاصة من البحرية أو أفرادا مسلحين آخرين في قوارب صغيرة عالية السرعة، مع توفير قوات الأمن الإسرائيلية الحماية على الأرض.
من جهته، تحدث أنتوني زيني، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية الذي قاد القيادة المركزية من عام 1997 إلى عام 2000، إن عددا من الخصوم يمكن أن يستهدفوا الرصيف، بما في ذلك حماس.
واستشهد زيني بالهجوم الذي وقع عام 2000 على المدمرة الأميركية يو إس إس كول في ميناء باليمن، حيث قاد عناصر القاعدة زورقا سريعا مملوءا بالمتفجرات إلى المدمرة، مما أسفر عن مقتل 17 بحارا وإصابة عشرات آخرين.
وتوقع زيني أن يكون للرصيف حراسات أمنية بمشاركة قوات إسرائيلية وأميركية، معتبرا أن المهمة تبدو معقولة، سواء لتخفيف المعاناة أو إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة تهتم بالمدنيين الفلسطينيين.