قال شهود عيان اليوم الخميس إن مناطق شمال غزة تتعرض لكارثة معيشية وصحية منذ 4 أيام، وسط قصف جوي ومدفعي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعدما وضع حواجز عسكرية على مفترقات الشوارع الرئيسية وأخلى كل المستشفيات العاملة بالمنطقة.
وأضاف الشهود -للجزيرة نت من داخل شمال غزة- أن الاحتلال يحاصر مخيم جباليا بالكامل، وعزل المناطق في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا البلد عن بعضها، كما منع بشكل متعمد دخول المؤسسات الإغاثية والإعلامية لهذه المناطق، مع إخلاء المشافي الثلاثة الرئيسية هناك (الإندونيسي والعودة وكمال عدوان)، وسط انقطاع تام للكهرباء والماء في كل مناطق الشمال.
وفي ما يتعلق بالوجود السكاني في هذه المنطقة، أفاد شهود العيان بأن مناطق الشمال تؤوي حاليا نحو 400 ألف نسمة، والأغلبية منهم يصرون على البقاء وعدم المغادرة ويتحصنون بركام بيوتهم، وسط ظروف إنسانية قاهرة وحياة معدمة، مع وجود عشرات الشهداء الذين لا تزال جثثهم ملقاة في الشوارع وتحت أنقاض منازلهم، مع عدم القدرة على انتشالها نتيجة ملاحقة جيش الاحتلال لأي فرق طبية أو الدفاع المدني.
وأرجع هؤلاء سبب بقائهم إلى أن “القناعة الراسخة لديهم أن القتل في الشمال هو نفسه الموجود في الجنوب، والاحتلال لا يرحم أحدا، ولا يميز بين المدنيين والمقاومة”.
لماذا الآن؟
وعن الأسباب التي دفعت جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التصعيد الحالي في مناطق شمال غزة، يقول الخبير العسكري والأمني أسامة خالد إن مناطق شمال قطاع غزة تمثل أهمية كبيرة من الناحية السياسية والعسكرية، وسبق أن قدم جيش الاحتلال “خطة الجزيرة” (أو ما عرفت لاحقا بخطة الجنرالات) للمستوى السياسي، وتنص على تهجير كامل السكان من الشمال، وضم المنطقة شمال محور “نتساريم” إلى المناطق العازلة وتحويلها لمنطقة عسكرية مغلقة.
وأضاف خالد -في تصريحات للجزيرة نت- أن إسرائيل تسعى على نحو متكرر لتهيئة الظروف العملياتية في الشمال لتنفيذ هذه الخطة، وإقناع المستوى السياسي بتبنيها وإقرارها، وهذه الحملة الحالية تأتي في هذا السياق، وسط حديث من جيش الاحتلال عن تعافي قدرات المقاومة في الشمال.
وحسب الخبير العسكري، فإن الأداء العسكري للمقاومة واتباع تكتيكات الدفاع المتحرك والكمائن والإغارات العاجلة والهجمات المضادة على طول محاور القتال في شمال قطاع غزة- تشكل تحديا كبيرا في منع تنفيذ مخطط جيش الاحتلال، وإضافة إلى ذلك وجود حاضنة شعبية للمقاومة ما زالت موجودة وترفض النزوح نحو الجنوب رغم الإبادة الحاصلة.
أداء المقاومة
وعن إستراتيجية المقاومة الفلسطينية في مجابهة هذا التصعيد الإسرائيلي ضد المدنيين في الشمال، أشار أسامة خالد إلى أن المقاومة تتبع خطط استدراج محسوبة لقوات الاحتلال المتوغلة إلى قلب المناطق المبنية، والعمل على إنهاك القوات المدرعة من الفرقة 162.
وأضاف أن هذه الخطط تجبر جنود المشاة على الترجل نحو بقع القتال، ثم استهدافهم بالأسلحة المناسبة من دون إسناد من قبل الآليات المدرعة التي يصعب عليها المناورة في الشوارع الضيقة في مناطق الشمال، وكذلك تحييد سلاح الجو عن تقديم الإسناد الجوي في ظروف ميدانية يصعب فيها التمييز بين العدو والصديق.
ودلل الخبير العسكري على رأيه بما يبثه إعلام القسام وسرايا القدس وباقي فصائل المقاومة، وكذلك البيانات المتواصلة للمقاومة التي تعلن فيها تبنيها أعمالا عسكرية مباشرة مع قوات الاحتلال في محاور التقدم وخطوط القتال.
وختم خالد تصريحاته بأن التصعيد الحالي لتهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة ليس المحاولة الأولى، فقد سبقتها محاولات عدة، مثل ما قامت به الفرقة 98 المظلية، والفرقة 252 المدرعة خلال الشهور السابقة، فالمستوى العسكري الإسرائيلي يرى خطورة إذا استمر المشهد بهذا الوضع من غير القضاء على الأصول البشرية والإدارية للمقاومة، وطرد السكان وإجبارهم بالقوة على النزوح وإخلاء المناطق نحو جنوب محور نتساريم.