يقول خبراء وسياسيون إن إسرائيل وصلت مرحلة من النازية لا يمكن السكوت عنها، وإن الولايات المتحدة والغرب والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية متورطون في هذه الجرائم، بما في ذلك الدول العربية التي لم تتخذ أي إجراء لمعاقبة إسرائيل بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بوقف القتال فورا.
وجاء حديث المحللين في أعقاب اعتراف الجيش الإسرائيلي بقتل شابين فلسطينيين خلال عودتهما إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد وهما يحملان رايات بيضاء، لكنه برر قتلهما بأنهما اقتربا من منطقة عمليات بطريقة مريبة وتجاهلا طلقات تحذيرية، وقال إن جرافة دفنتهما تحت القمامة خشية حملهما متفجرات.
وتواترت المشاهد التي تظهر قتل إسرائيل المدنيين الفلسطينيين العزل حتى وهم ينتظرون الحصول على مساعدات، مما دفع محكمة العدل الدولية إلى مطالبة تل أبيب باحترام القوانين الدولية.
وتعليقا على اعتراف إسرائيل بقتل الشابين الفلسطينيين اللذين نشرت الجزيرة صور قتلهما، قال النائب في البرلمان الأيرلندي ريتشارد بويد باريت إن الأمر لم يكن قابلا للإنكار لأنه كان موثقا.
إسرائيل خرجت عن السيطرة
لكن النقطة الأكثر أهمية -كما قال باريت خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- هي أن هذه الممارسات وغيرها “تثبت أننا إزاء نظام لا يبالي بالقانون الإنساني ولا يهتم بما يقوله العالم عنه”.
ويرى باريت أن إسرائيل “أصبحت خارجة عن السيطرة بشكل كامل”، وأن السؤال الأهم حاليا هو “هل الرعاة الغربيون الذين يواصلون تسليحها رغم هذه الإبادة سيتصرفون لوقف هذه الأعمال؟”.
وتكشف الطريقة التي تعامل بها الاحتلال مع جثماني الشابين أن إسرائيل ليست إلا ماكينة قتل تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم أقل من البشر، وفق باريت الذي أكد أن إسرائيل “تجاوزت كل القيم الإنسانية والحضارية، وهذا يذكرنا بكثير من الانتهاكات التي ارتكبها النازيون”.
ومع ذلك، يعتقد البرلماني الأيرلندي أن الإسرائيليين “سيواصلون جرائمهم الفظيعة بحق الفلسطينيين طالما أن أميركا وغيرها يواصلون تسليحها”.
ويتفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي مع حديث باريت، مؤكدا أن إسرائيل “ما كانت لتعترف بأي جريمة ارتكبتها لولا أن الأمور أصبحت موثقة بطريقة لا تقبل التشكيك فيها”.
لكن البرغوثي لا يعتد كثيرا باعتراف إسرائيل بجريمتها “لأنها ليست أول اغتيال ميداني تنفذه بحق مدنيين فلسطينيين”، حسب قوله.
بدوره، يجزم الخبير القانون الدولي الدكتور سعد جبار أن ما تقوم به القوات الإسرائيلية المختلفة في مناطق مختلفة من قطاع غزة “يؤكد وجود نية الإبادة والتطهير العرقي الممنهج ضد الفلسطينيين”.
وقال جبار إن ما اقترفته إسرائيل يمثل جرائم وفق كافة القوانين الدولية والداخلية لأي بلد، مؤكدا أن المسؤول الأول عن هذه الإبادة هو الرئيس الأميركي جو بايدن “الذي يعيش في واقع بعيد كل البعد عن الحضارة الإنسانية”.
بايدن المسؤول الأول لكنه ليس الوحيد
وليس بايدن فقط هو المسؤول عن جرائم إسرائيل، وإنما كل ما يساعدها أو يصمت على جرائمها، بما في ذلك الدول العربية التي لم تتحرك لمعاقبتها، خصوصا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير كما يقول خبير القانون الدولي.
وحذر جبار من أن إسرائيل “تريد تكرار ما قام به الروس عندما دمروا العاصمة الشيشانية غروزني بالكامل (1999)”.
وعن انضمام أيرلندا إلى القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وصف باريت ذلك بالخطوة المتأخرة كثيرا “لأن البرلمان الأيرلندي طالب برفع قضية من جانب أيرلندا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن الحكومة رفضت آنذاك”.
ومع ذلك، يقول باريت إنه من الجيد أن خضعت الحكومة للضغط الشعبي أخيرا، مؤكدا أن هذه الخطوة “لها أهمية في ذاكرة الأيرلنديين الذين تعرضوا لإبادة مشابهة عندما قتل الكثير منهم في الماضي (على يد بريطانيا)”.
وأضاف “المهم هو أن الحكومة تقول إن إسرائيل أثبتت أنها ترتكب إبادة مقصودة من خلال القتل والتدمير والتجويع، لكن الأهم هو أن تنضم حكومات أخرى إلى القضية وتوقع عقوبات على إسرائيل وتوقف تزويدها بالأسلحة حتى تتوقف عن هذه الإبادة”.
البرغوثي أيضا يرى ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل لتفعيل قرارات محكمة العدل الدولية “كما حدث مع روسيا التي تعرضت لـ11 ألف عقوبة خلال شهرين، فيما لم يتحرك الغرب من أجل الفلسطينيين حتى اليوم”، وفق قوله.
واتهم البرغوثي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بالتواطؤ مع إسرائيل لأنه “يعيش حالة خرس إزاء ما تقوم به من جرائم”، مؤكدا أن تحركه سيكون له أثر كبير لأن مجرد فتح تحقيق يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكل قادته العسكريين والسياسيين مطلوبين للعالم كله، حسب تعبيره.
واتفق جبار مع هذا الرأي، مؤكدا أن خان “لم يحرك ساكنا رغم كل الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، مع أنه طالب بتوجيه تهم إلى نتنياهو وكل القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية”.
ضرورة الوحدة الفلسطينية
وعن تداعيات هذا الموقف الدولي والعربي على الفلسطينيين، قال البرغوثي إنه يؤكد أن العالم بقيادة أميركا “لم يعد يحترم القانون وأنه يتعامل بقانون الغاب”، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هذا التخاذل “يعمق شعور الفلسطينيين بضرورة توحدهم لأنه لا أحد غيرهم سيعيد لهم حقوقهم”.
وأضاف “كل من سلح إسرائيل أو تقاعس أو تواطأ معها فهو شريك في جريمة الإبادة، بما في ذلك الولايات المتحدة وغيرها من الدول”.
وتوقع البرغوثي أن تصدر محكمة العدل الدولية أمرا بوقف صريح للقتال، قائلا إن قرارا كهذا “سيكون له تأثير كبير إلى جانب قرار مجلس الأمن”.
وختم بالقول “نحن بحاجة لمزيد من الضغط الشعبي، لأنه الطريق القوي لردع الحكومات إلى جانب فرض العقوبات والمقاطعة”.