يعكس موقف إدارة جو بايدن من الاحتجاجات الطلابية التي تجتاح الجامعات الأميركية وقمع الشرطة لها، تمادي الولايات المتحدة في دعم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حتى لو تطلب الأمر إهدار حق الأميركيين في التعبير عن آرائهم وقمعهم بالقوة، كما يقول خبراء.
فقد أكد عضو هيئة التدريس في جامعة كولومبيا جوزيف هاولي، أن الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة أصبح القضية الأكثر إلحاحا في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن البيت الأبيض يدعم ما تقوم به إدارات الجامعات ضد الطلاب ويطالبهم بعمل المزيد من أجل وقف الاحتجاجات.
وخلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، قال هاولي إن تجاهل ما تقوم به الشرطة الأميركية ضد الطلاب أصبح مستحيلا.
دعم مواصلة الحرب
وأكد هاولي أن الرئيس الأميركي جو بايدن يدفع باتجاه مواصلة الحرب بدلا من أن يقلق من تداعياتها على الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل الرفض الشبابي لها.
ولم يقف بايدن عند تجاهل هذا الرفض الشبابي الجارف للحرب لكنه ذهب إلى استخدام نفس السياسة الإسرائيلية التي تقوم على سجن أساتذة الجامعات الرافضين لما يحدث في غزة، كما يقول هاولي.
بيد أن الأمر من وجهة نظر الباحث في معهد الشرق الأوسط الدكتور حسن منيمنة يتجاوز تجاهل الاحتجاجات الطلابية إلى التفريط في الديمقراطية الأميركية عموما إرضاء لداعمي إسرائيل، على حد قوله.
فمن وجهة نظر منيمنة، لم تعد إدارة بايدن تبالي بغضب الشباب لأنها أدركت أنهم لن يصوتوا للرئيس في الانتخابات المقبلة مهما اتخذ من خطوات لترضيتهم، “وبالتالي فهي تحاول تثبيت تأييد الفئات الأكبر سنا والتي لا تزال تؤيد الموقف الداعم لإسرائيل”.
ولا يعتقد منيمنة أن إدارة بايدن ستتراجع أبدا عن دعم إسرائيل في هذه الحرب، وهو يعتقد أن الحديث عن الانزعاج من سلوك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتسريب بعض الأخبار عن دعم وقف القتال مؤقتا، ليس سوى محاولة لتشتيت الانتباه.
الرأي نفسه ذهب إليه الباحث السياسي سعيد زياد بقوله إن بايدن لا يكترث للناخبين الأميركيين المسلمين أو العرب، لكن مشكلته حاليا هي أن الاحتجاجات وصلت الى الطلاب وربما تمتد إلى العمال وفئات أخرى.
ويرى زياد أن ما يحدث حاليا يشبه ما حدث خلال حرب فيتنام، مؤكدا أن طوفان الأقصى وضع قضية فلسطين في صدارة الاهتمام العالمي وأصبحت ارتداداته تكسر التابوهات والروايات الإسرائيلية في أنحاء العالم.
تحول تاريخي
ومع ذلك، يقول منيمنة إن الولايات المتحدة بدأت تحولا تاريخيا فيما يتعلق بدعم مواطنيها لإسرائيل التي لطالما كان انتقادها من المحظورات في هذا البلد بينما كثيرون يرفعون أصواتهم اليوم لانتقاد سلوكها والمطالبة بتقييد تزويدها بالأسلحة لوقف مقتلة غزة، على حد وصفه.
لكن هذا التحول لن يمر بسهولة وذلك بالنظر إلى سيطرة داعمي السردية الإسرائيلية بشكل كامل تقريبا على الكونغرس الذي ساوى مؤخرا بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، كما يقول منيمنة الذي لفت إلى أن الجانب الأكثر أهمية حاليا هو أن غالبية مناهضي الحرب هم من اليهود.
ومن هذا المنطلق، يقول هاولي إن ما حدث في الجامعات الأميركية خلال الأسابيع الماضية “يؤكد أن القمع لن يغير نظرية الناس لما يحدث في غزة أو في فلسطين المحتلة عموما، لأن طاقة الاحتجاج تزداد قوة كلما زادت محاولات قمعها”.
ويرى هاولي أن السؤال المهم حاليا لا يتعلق بما إذا كان على الولايات المتحدة أن تدعم إسرائيل بغض النظر عما تقوم به، وإنما بمدى قدرة الأميركيين على الاحتجاج والتعبير عن رأيهم، بل وعن مدى كون الولايات المتحدة بلدا ديمقراطيا، على حد تعبيره.
وإذ تمثل أحاديث الساسة والحكام الأميركيين عن حقوق الإنسان حزمة من الأكاذيب التي يتم الاتجار بها من أجل المصالح، فإن المجتمع الأميركي صادق عندما يتحدث عن هذه الأمور، برأي منيمنة.
ويعتقد منيمنة أن الحاضنة المجتمعية للاحتجاجات الطلابية هي التي منعت الحكومة من استخدام العنف المفرط لوأدها على غرار ما حدث مع مظاهرات السود قبل عامين.
تلاعب بصفقة التبادل
فيما يتعلق بصفقة التبادل التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية بوصفها عرضا سخيا وتقول إن على حركة المقاومة الإسلامية حماس قبولها، يقول زياد إن المطروح ليس سخيا وإنما هو بعض التنازلات الإسرائيلية فيما يتعلق بعودة النازحين لشمال القطاع.
ويؤيد منيمنة هذا الحديث بقوله إن واشنطن تريد من حماس التفريط في أهم ما لديها من أوراق الضغط (الأسرى) حتى تعود إسرائيل وتقضي عليها تماما، مشيرا إلى أن الأميركيين يواصلون نفس طريقتهم القديمة في تصوير المقاومة وكأنها هي التي ترفض وقف القتال وليست إسرائيل.
وأضاف منيمنة “لقد تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مؤخرا عن إعلان تطبيع سعودي إسرائيلي فور توقف القتال مؤقتا، وهو أمر يعكس حقارة موقف الولايات المتحدة التي تتجاهل كل الدماء الفلسطينية التي أريقت وتدفع باتجاه مزيد من التطبيع”.
ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن رغبة واشنطن وقف القتال مؤقتا برأي منيمنة “لا يعدو كونه مداعبة أميركية لبعض الدول العربية أو الفئات الأميركية وتصوير الرئيس الأميركي وكأنه رجل ذو أخلاق بينما هو لا يفعل شيئا عمليا سوى الدفع نحو مواصلة الحرب”.
وتعليقا على مسألة التطبيع، يقول زياد إن هذه الحرب أظهرت أكثر الجوانب سوءا وهشاشة في إسرائيل، وأسقطت صورتها أمام العالم كبلد ديمقراطي وحيد في الشرق الأوسط.
وختم زياد بالقول إن الدول العربية التي كانت تراهن على بعض المكاسب من التطبيع قبل طوفان الأقصى، لم تعد واثقة من هذا حاليا ورفعت سقف مطالبها لأن كل ما قيل عن مكاسب سياسية وعسكرية من التطبيع قد سقط خلال هذه الحرب.