حقيقة فيديو أوباما عن “حق الفلسطينيين في تقرير المصير”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

منذ بدء النزاع بين إسرائيل وحماس قبل حوالي ثلاثة أشهر، تواجه مادي ميلر، 17 عاما، معضلة في تحديد المحتوى الحقيقي من الزائف من بين آلاف المنشورات التي تظهر على شاشة هاتفها يوميا.  

تقول المراهقة التي ترتاد المدرسة في دالاس بولاية تكساس الأميركية لشبكة “سي بي إس”: “عندما أفتح تيك توك أو إنستغرام أجد منشورا يقول: ‘مقطع يظهر ما يحصل في إسرائيل أو فلسطين’، في بعض الأحيان يتوجب علي أن أجلس لعشر دقائق حتى أستوعب ما يحصل، من الصعب تحديد ما هو حقيقي”.   

واجتاحت مئات الصور والقصص والأخبار والمعلومات المزيفة على مدى شهرين من الحرب مواقع التواصل الاجتماعي، واكتسبت انتشارا عالميا مرتبطا بالمتابعة الواسعة لمجريات النزاع الذي اندلع في السابع من أكتوبر، عقب هجوم حماس على إسرائيل.  

كان أمرا متوقعا، بالنسبة لمدققي المعلومات، الذين اعتادوا على ازدياد منسوب الأخبار الزائفة وحملات التضليل في أوقات الأزمات والحروب، حيث يتسنى لها عبور أسهل في زحمة الأخبار وكثافة المعلومات، بحسب ما يؤكد الصحفي ومدقق المعلومات في منصة “صواب” العاملة على مكافحة الأخبار الزائفة، ميغال حدشيتي.

وقال في تقرير سابق لموقع “الحرة” إنه في وقت الأزمات والحروب “تصبح هذه الأخبار تفاصيل في المشهد العام، لا قدرة على التوقف عندها وتدقيقها بصورة كاملة”.

وفي فبراير 2022، بدأت الحرب في أوكرانيا على تيك توك وإنستغرام، ليصبح الصراع في الشرق الأوسط الآن هو “الحرب الثانية” التي يمكن مشاهدتها “في مقالات قصيرة مفعمة بالحيوية، وغالبًا ما تكون حميمة، على وسائل التواصل الاجتماعي”، وفق تعبير “سي بي إس”.

ويحصل 51 في المئة من المراهقين الأصغر سنا من “الجيل Z” على أخبارهم من السوشال ميديا، وفق استطلاع أجرته شركة “Deloitte”. كما أثارت الحرب بين إسرائيل وحماس موجة عارمة من المعلومات الخاطئة والمضللة، والتي تصل إلى المراهقين الأميركيين مثل ميلر.

الثقافة الإعلامية في الولايات المتحدة 

وفي قاعة صفية مكتظة في مدرسة هايلاند بارك الثانوية، تأخذ ميلر و30 من زملائها دروسا في الثقافة الإعلامية، وهي مادة غير مفروضة على كثير من الطلاب الأميركيين، وفق ما تنوه إليه “سي بي إس”. 

وتشير الشبكة إلى أن تكساس تعد واحدة من أربع ولايات فقط توفر الثقافة الإعلامية كمادة أساسية ضمن مناهج كافة مدارسها العامة، بدءا من الروضة، في حين توفر 14 ولاية أخرى دروسا شبيهة بالثقافة الإعلامية أو روابط تثقيفية لطلاب المدارس العامة يمكن الأخذ بها بشكل اختياري. 

حرب إسرائيل وغزة نموذجا.. حجم تضليل وتزييف الذكاء الاصطناعي “لم يتوقعه أحد” 

تشكل الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس في غزة، وما يتخللها من معارك تأثير واستقطاب وتلاعب بالرأي العام، أحدث ميادين الاختبار للدور الذي تلعبه الأخبار الزائفة وحملات التضليل في تشكيل الروايات والسرديات حول أحداث الحرب والمأساة الناجمة عنها، فضلاً عن التلاعب بانطباعات المتابعين وعواطفهم، لاسيما وان ذلك المحتوى يأتي مدعّما هذه المرة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومعتمد عليها بصورة كاملة في بعض الحلات.  

وفي حصصه بالمدرسة ذاتها في تكساس، يعلم براندون جاكسون طلابه كيفية استخدام الأدوات اللازمة لتحديد المحتوى الخاطئ (misinformation)، والذي قد يكون كاذبا أو مُضلِّلا، والمحتوى المزيف (disinformation)، الذي يكون خادعا بشكل مقصود. 

كما يقدم جاكسون أمثلة حقيقية على مقاطع فيديو مزيفة حظيت بانتشار واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويختبر طريقة تحليل تلك الفيديوهات مع طلابه. 

ويقول لطلابه: “يتعلق الأمر كله بكيفية تحليل الأحداث الإخبارية الكبرى.. كيف تتغير المعلومات لدى الاطلاع عليها عبر السوشال ميديا؟ هل تحمل عنصرا فيه تلاعُب؟”. 

ورغم الإمكانيات التكنولوجية الهائلة التي تحظى بها الأجيال الجديدة مقارنة بالسابقة، يرى الباحثان في جامعة ستانفورد، سام واينبرغ وجويل بريك ستون، أن المراهقين يجدون صعوبة في تحديد المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

ويقول واينبرغ لشبكة “سي بي إس”: “مقاطع الفيديو تحمل شعورا بالإلحاح، لكن يجب علينا أن نساعد الأشخاص بفهم كيفية تحليل الفيديو”. 

وينصح الباحث بطرح الأسئلة التالية: “هل الشخص الذي زود بالفيديو يعد مصدرا موضوعيا؟ هل هناك أي تبعات مترتبة على سمعة الشخص الذي يروج للفيديو إن كان ذلك المقطع خاطئا؟ أم أنه شخص ‘عشوائي’ يحاول الاتجار بالغضب من المستخدمين مستعينا بفيديوهات مثيرة للمشاعر؟”. 

تجربة تعكس “الواقع”

وأظهرت تجربة أجرتها شبكة “سي بي إس” سرعة انتقال المعلومات الخاطئة والمزيفة لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمراهقين، إذ قام فريق من الصحفيين بإنشاء ثلاثة حسابات مختلفة عبر إنستغرام وتيك توك. 

وتم إجراء بحث عبر أحد الحسابات باستخدام مصطلحات بسيطة مرتبطة بإسرائيل، فيما استخدمت مصطلحات فلسطينية عبر حساب آخر، أما الثالث استخدم كليهما. 

وفي كل حساب قام الصحفيون بمتابعة حسابات فاق عدد متابعيها ألف مستخدم، وضغطوا زر الإعجاب على عدد من المنشورات. 

وفي البداية، ظهر محتوى مرتبط بالمراهقين عبر الحسابات الوهمية، كمنشورات توفر نصائح لكيفية ارتداء ملابس أنيقة للمدرسة أو تعليما لوضع الماكياج، لكن وفي كلا المنصتين، إنستغرام وتيك توك، استعانت الخوارزميات بالبحث، وعقب إدخال المصطلحات في عملية البحث غمرت كل الحسابات منشورات مرتبطة بالحرب، تضمنت معلومات مضللة. 

دان إيفون من “News Literacy Project”، وهي مجموعة غير حزبية تدافع عن محو الأمية الإعلامية في المدارس، أمضى حياته المهنية في فك رموز الحقيقة من الخيال على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ويقوم إيفون بتعليم الشباب كيفية اكتشاف المعلومات الخاطئة والمضللة، والمفتاح لذلك هو ما يسميه “تحديد الخطأ المسبق”، أي “تزويدهم بالأدوات اللازمة للمساعدة في تحديد المعلومات الخاطئة قبل أن يقعوا في فخها”، وفق ما يؤكده لشبكة “سي بي إس”. 

ويضيف “نفس النصيحة التي أقدمها في كل مرة هي أخذ الأمور بروية.. ابحث عن الموثوقية، ابحث عن المصدر، ابحث عن الأدلة، ابحث عن المنطق، وابحث عن السياق”. 

ماذا قالت ميتا وتيك توك؟ 

ناقشت “سي بي إس” نتائج تجربتها مع متحدثين باسم تيك توك، وبعد أن أرسل الفريق روابط الشركة لأمثلة من المعلومات الخاطئة، تمت إزالة تلك المنشورات.

وقال متحدث باسم تيك توك إن المنصة: “تعمل .. بلا هوادة لإزالة المعلومات الخاطئة الضارة، وتتعاون مع مدققي حقائق مستقلين يقومون بتقييم دقة المحتوى بأكثر من 50 لغة”. 

وأضاف “لقد أزلنا أكثر من 131 ألف مقطع فيديو بسبب معلومات مضللة منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس وقمنا بتوجيه الأشخاص الذين يبحثون عن محتوى متعلق بالصراع إلى رويترز”. 

تجربة غير مسبوقة لمدققي المعلومات بحرب غزة

في وقت باتت فيه الأخبار الزائفة وحملات التضليل معضلة ملازمة لأي أزمة أو حرب حول العالم، وبينما يزداد التأثير الكارثي للتزييف والتضليل، إلى حد بات يهدد حياة الناس بالموت ويضاعف معاناتهم، أصبح تدقيق المعلومات ضرورة من ضرورات الأزمات، حيث يرى مدققو المعلومات أن دورهم ما عاد يختلف عن أي دور حيوي في منظومات الطوارئ التي تعمل خلال الأزمات. 

من جهتها، قال متحدث باسم “ميتا”، المالكة لإنستغرام لـ “سي بي إس”: “لقد اتخذنا خطوات مهمة لمكافحة انتشار المعلومات الخاطئة باستخدام استراتيجية من ثلاثة أجزاء، إزالة المحتوى الذي ينتهك معايير مجتمعنا، ووضع علامة على القصص التي تم تمييزها على أنها كاذبة من قبل مدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية والحد من توزيعها .. نحن أيضا نصنف المحتوى ونبلغ الأشخاص حتى يتمكنوا من تحديد ما يقرؤونه ويثقون به ويشاركوه”.

ومنذ السابع من أكتوبر، لم تتوقف عملية تدقيق المعلومات طوال 24/24 ساعة، حتى فترات الراحة كانت تعني تراكماً للأخبار لليوم التالي، بحسب ما أكد بحر جاسم، مدقق المعلومات العراقي المتحدث باسم منظمة “التقنية من أجل السلام”، المعنية بمحاربة التضليل في العراق والشرق الأوسط، والذي لم يشهد طيلة فترة عمله كمدقق منذ العام 2016، تزييفاً بهذا الزخم.

وأضاف في تقرير سابق لموقع “الحرة” أنه “نستسلم للتعب والنوم فجراً على سبيل المثال، بعد ساعتين أو ثلاث، أنهض فأجد الأخبار الواجب تدقيقها قد تراكمت بشكل كبير يفوق أحيانا قدرات الفريق وإمكاناته.” 

“يجب أن تكون سريعاً لتتمكن من مواكبة سرعة التضليل”، تقول الإعلامية ومدققة المعلومات في قناة الجديد اللبنانية، حليمة طبيعة، وإلى جانب السرعة يجب أن تكون دقيقاً إلى أقصى الحدود، “لأن الخطأ في هذا المجال ممنوع”. 

لم يكن هناك مجال في هذه الحرب للحاق بسرعة وحجم التضليل المنتشر، بحسب العاملين في المجال، خاصة في ظل التنوع الكبير جداً في مصادر هذا التزييف، من حول العالم، وبلغات مختلفة، وتقنيات متقدمة، وحملات منظمة. 

الذكاء الاصطناعي يعقّد المشهد 

وفرض الذكاء الاصطناعي بقدرته على تغيير الواقع أو خلق واقع مغاير تماما تحديات جديدة ضمن معارك التأثير والاستقطاب والتلاعب بالرأي العام.

وعلى الرغم من الدور الذي سبق ورُصد لتلك التقنيات في تزييف الواقع وبث المعلومات المضللة خلال أزمات سابقة شهدها العالم، كزلازل تركيا والمغرب وكارثة ليبيا فضلاً عن الحرب الروسية على أوكرانيا، تشهد الحرب بين إسرائيل وحماس اليوم، التجلي الأبرز والأحدث، والاستثمار الأوسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة التأثير على الرأي العام.

وكانت هذه الإساءة في استخدام تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي متوقعة منذ إنشائها، بحسب ما تؤكد سجى مرتضى، مديرة الشبكة العربية لمدققي المعلومات من فريق  أريج، “لكن أحداً لم يكن يتخيل أن تصل الأمور إلى هذا الحد”.  

وتضيف في حديثها لموقع “الحرة”، أن “الحرب في غزة جاءت لتبين هذا الأمر بشكل أوضح، وتثبت أن الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي بما يخص انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، يمكن أن تكون أكبر مما يمكن توقعه”.

أدوات تصديق في تراجع

وكانت هناك بعض الأدوات التي كان بإمكانها المساهمة في التحقق من صحة المعلومات، مثل علامة التصديق الزرقاء لتويتر (إكس حاليا)، إلا أن سياسات الشركة التي طُبِّقت بعد أن استحوذ عليها الملياردير إيلون ماسك بفرض قيمة مادية مقابل الحصول عليها، ساهم أيضا في تعقيد القدرة على التحقق من صحة المعلومات. 

التأثير الأكبر لسياسات “أكس” الجديدة، ظهر بصورة أوضح خلال الأزمات المتلاحقة التي شهدها العالم على مدى الأشهر الماضية، وأحدثها خلال الحرب الجارية في غزة، عقب هجوم حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر الماضي، وأبرزها شهدته الحرب في السودان، وبينهما شكلت الكوارث العالمية، مثل فيضان ليبيا وزلزال تركيا والمغرب، أرضاً خصبة لبث المعلومات والأخبار الزائفة، وكان للعلامة الزرقاء دوراً بارزاً في عملية التضليل. 

ويؤكد ذلك مسؤول خدمة تقصّي صحة الأخبار باللغة العربية في وكالة فرانس برس، خالد صبيح، في حديث سابق لموقع “الحرة”، إذ أن السياسات الجديدة المتعلقة بمنح العلامة الزرقاء، “زادت نظرياً من انتشار التضليل والأخبار المزيفة”، خاصة بعدما زاد الوعي بالأخبار الزائفة ومفهوم تدقيق المعلومات خلال السنوات الماضية. 

العلامة الزرقاء على “أكس”.. من أداة للتوثيق إلى فخ للتضليل والأخبار الزائفة

في وقت كانت فيه واحدة من أبرز مؤشرات الثقة والمصداقية على مواقع التواصل الاجتماعي، يلجأ إليها المستخدمون من أجل التثبت من صحة تصريح أو معلومة أو بيان صادر عن شخصية أو جهة رسمية، تحولت العلامة الزرقاء ولاسيما على منصة “أكس” (تويتر سابقاً)، إلى ركن أساسي تعتمد عليها حملات التضليل وبث الأخبار الزائفة، وذلك بعد التغيير الذي طرأ على سياسات المنصة في منحها لعلامة التوثيق الزرقاء للحسابات في نوفمبر 2022. 

كان الناس يبحثون عن العلامة الزرقاء، بحسب صبيح، كردة فعل أولية في تدقيقهم بالمعلومة التي يتلقونها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتمدون عليها كسبيل للتأكد من أن الحساب رسمي. 

لكن بعدما أتيحت هذه العلامة مقابل بدل مادي، أحدث الأمر “ارتباكا كبيراً”، وفق صبيح، “ضاع الناس بسبب ذلك، ورأينا صحفيين ضاعوا أيضا”، إذ اعتمدوا على العلامة الزرقاء في نقلهم لتصريحات وبيانات، تبين لاحقاً أنها مزيفة ومضللة. 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *