أفادت تقارير صحفية بأن مصر هددت بتعليق التزاماتها بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل، مما طرح تساؤلات عما إذا كانت القاهرة قادرة على الإقدام على تلك الخطوة في ظل عملية إسرائيلية مرتقبة في مدينة رفح، في أقصى جنوب القطاع، على حدود غزة مع مصر.
ويحتشد أكثر من مليون فلسطيني في رفح بعد أن فروا من المناطق الشمالية جراء الحرب التي دخلت قبل أيام شهرها الخامس.
من جانبها، أرسلت مصر نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء، خلال الأسبوعين الماضيين، في إطار تحركاتها لتعزيز الأمن على حدودها مع القطاع الفلسطيني.
ونقلت صحيفتا نيويورك تايمز وول ستريت جورنال الأميركيتين، في تقريرين السبت، أن مسؤولين مصريين “حذروا إسرائيل من إمكانية تعليق معاهدة السلام بين البلدين”، حال شن القوات الإسرائيلية هجوما على رفح.
وقال مسؤولان مصريان، ودبلوماسي غربي لأسوشيتد برس، الأحد، إن مصر هددت بتعليق معاهدة السلام إذا تم إرسال قوات إسرائيلية إلى رفح.
وجاء التهديد بتعليق اتفاقيات كامب ديفيد، التي تمثل حجر الزاوية في الاستقرار بين البلدين منذ ما يقرب من نصف قرن، بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه أمر الجيش بالتحضير لعملية في المدينة.
وفر أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى رفح هربا من القتال في مناطق أخرى، وتكدسوا في مخيمات مترامية الأطراف وملاجئ تديرها الأمم المتحدة بالقرب من الحدود.
وتخشى مصر تدفقا جماعيا لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين قد لا يسمح لهم بالعودة أبدا، بينما حذرت جماعات إغاثية من أن الهجوم الإسرائيلي سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي بالفعل.
ونقلت فرانس برس عن مسؤول في حماس، لم يذكر اسمه، قوله إن أي هجوم في لرفح سوف “ينسف” المحادثات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر بشأن تبادل الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة وسجناؤ فلسطينيين.
وخاضت إسرائيل ومصر خمس حروب قبل التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد، وهي معاهدة سلام تاريخية توسطت فيها الولايات المتحدة، أثناء عهد الرئيس جيمي كارتر أواخر السبعينيات.
وتتضمن المعاهدة بنود عدة تحكم نشر القوات على جانبي الحدود.
وحصنت مصر حدودها مع غزة بشكل كبير، إذ أقامت منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات (3 أميال) وجدرانا خرسانية فوق وتحت الأرض.
ونفت القاهرة المزاعم الإسرائيلية بأن حماس تدير أنفاق تهريب تحت الحدود، قائلة إن القوات المصرية تتمتع بالسيطرة الكاملة على جانبها.
ويوضح خبير القانون الدولي المصري، أيمن سلامة، في مقابلة مع موقع الحرة، أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، المبرمة في مارس 1979، هي الصك الدولي الوحيد الذي ينهي حالة الحرب ويرسي حالة السلم بين الدولتين المتحاربتين السابقتين، مصر وإسرائيل .
ومعاهدات السلام بشكل عام ليست اتفاقات عادية تحقق بها الدول منافع اقتصادية أو تجارية أو غيرها من المنافع الذاتية المصلحية، ولكنها الأسمى بين سائر المعاهدات الدولية، وفق تعبير سلامة.
لكن يمكن لمصر، الدولة الطرف في المعاهدة الثنائية أن تعلق التزاماتها بموجب المعاهدة لفترة مؤقتة (التعليق وليس الإلغاء) مما يعني التحلل المؤقت من التزاماتها الواردة في المعاهدة إن قامت إسرائيل بخرق جسيم لالتزاماتها فيها.
ويمكن أن تقوم إسرائيل بأفعال محددة تشكل خرقا للمعاهدة أو الملحق الأمني لها أو خرق للملحق المعدل للمعاهدة الذي أبرم في عام 2005 الخاص بمحور فيلادلفيا، وأيضا التعديل الثاني للملحق الأمني الذي أبرم أيضا عام 2021 الخاص بزيادة وتعظيم قدرات حرس الحدود في المنطقة “ج”، وفق الخبير.
وتقول المادة السادسة من المعاهدة: “يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن أي وثيقة خارج هذه المعاهدة”
ووفقا للمادة السابعة، “تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق التفاوض”، وهذا يعني في حالة رفح، وفق خبير القانون الدولي، أن على الدولتين التفاوض المباشر لتسوية أي نزاع بينهما بشأن التفسير، وذلك بالنسبة لما إذا كانت الإجراءات العسكرية في رفح تمس معاهدة السلام.
ويقول سلامة إن أبرز الخطوات الإسرائيلية التي تعدها مصر انتهاكا “المساس بالوضع القانوني والواقعي لمحور فيلادلفيا الذي تم إرساؤه عام 2005، ومساس إسرائيل بالمنطقة “د” وهي المنطقة مخفضة التسليح في صحراء النقب في إسرائيل وفقا للملحق الأمني للمعاهدة.
ويشير كذلك إلى “إنشاء أي ممرات إنسانية بشكل قصري من جانب إسرائيل في محور فيلادلفيا لدخول ونقل سكان غزة من قطاع غزة ورفح إلى داخل سيناء”.
ويقع محور فيلادلفيا، الذي يسمى أيضا “محور صلاح الدين”، على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو يقع ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كلم.
وكان المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، قال في تصريح سابق إن “إسرائيل تنوي التقدم بريا نحو رفح، لكن سيتم ذلك بعلم السلطات المصرية”.
وهناك اتصالات بين السلطات الإسرائيلية ونظيرتها المصرية وزيارات متبادلة للنقاش بشأن الموضوع، في ظل موقف القاهرة الرسمي “المعارض لدخول الجيش الإسرائيلي لمسافة قريبة من الحدود المصرية حسب اتفاقية السلام بين البلدين”، وفق شتيرن.
وتحدث شتيرن عن “قيود على تحركات إسرائيل على المنطقة الحدودية”، مما يتطلب “التنسيق مع الجانب المصري في حال أي تحركات موسعة”.
ويشدد المحلل السياسي الإسرائيلي على أن “إسرائيل تحترم المصالح القومية المصرية، ولا تهدف لتأزيم العلاقات مع القاهرة، لكنها لن تسمح بوجود مناطق أمنة لحماس فقط لكونها قريبة من الحدود المصرية”، ولذلك “يجب حل هذه المعضلة”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنه يتعين على بلاده أن تسيطر بشكل كامل على محور فيلادلفيا لضمان “نزع السلاح” في المنطقة، مضيفا: “يجب أن تكون تحت سيطرتنا. يجب إغلاقه. من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
وأشار نتانياهو، إلى أن الجيش الإسرائيلي “سيوفر ممرات آمنة للمدنيين” قبيل الهجوم المحتمل على رفح، معتبرا أن المدنيين في رفح يمكن أن يفروا شمالا إلى “الكثير من المناطق” التي طهرها الجيش.
وتسمح معاهدة السلام لإسرائيل ومصر بنشر قوات محدودة العدد والعتاد ومحددة بالأعداد ونوعيات السلاح والآليات التي يمكن نشرها على ذلك المحور، وذلك بهدف القيام بدوريات على جانب المحور المصري، لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى.
وتتيح الاتفاقية تواجدا إسرائيليا ضمن هذا الشريط العازل الذي يعرف باسم محور فيلادلفيا، وهو يقع ضمن المنطقة “د” بموجب الملحق الأول، البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، التي تتيح تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة وتحصينات ميدانية ومراقبين من الأمم المتحدة.
المساس بـ”الحدود والسلام” مع مصر.. ماذا لو اجتاحت إسرائيل رفح بريا؟
بعد يوم واحد من تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بمواصلة الحرب ضد حركة حماس المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة ودول أخرى، حتى “النصر الكامل” في قطاع غزة، قصفت القوات الإسرائيلية مدينة رفح على الحدود المصرية، ما أثار المخاوف من هجوم بري وشيك.
ولا تتضمن القوة الإسرائيلية أي تواجد للدبابات أو المدفعيات أو الصواريخ ما عدا الصواريخ الفردية “ارض-جو”.
ويمكن أن تمتلك قوات المشاة الإسرائيلية في هذه المنطقة حتى 180 مركبة عسكرية، وبإجمالي عدد مشاة لا يتجاوز 4 آلاف فرد.
وفي المنطقة “ج” من الاتفاقية تسمح بوجود قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية، وفي المنطقة “ب” يسمح بوجود وحدات حدود مصرية من أربع كتائب مجهزة بأسلحة خفيفة، والمنطقة “أ” تتواجد فيها قوات عسكرية من فرقة مشاة ولواء مدرع وكتائب مدفعية بما لا يزيد عن 22 ألف عسكري مصري.
وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر على هذه المنطقة “د” بما يتضمن محور فيلادلفيا حتى انسحابها منها وتسليمها للسلطة الفلسطينية عام 2005، ولترتيب تواجد مصري لقوات حرس الحدود تم توقيع اتفاقية جديدة عرفت باسم “اتفاقية فيلادلفيا” تتماشي مع اتفاقية “المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية” التي تم التوقيع عليها في العام ذاته.
ووقعت مع مصر على اتفاقية فيلادلفيا باعتبارها تابعة لاتفاقية كامب ديفيد، التي حددت مسافة 14 كلم كشريط عازل على طول الحدود بين مصر وغزة.
وجاءت الاتفاقية بعدما أقر الكنيسيت الإسرائيلي، عام 2004، قرارا لسحب جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، دخل حيز التنفيذ في أغسطس عام 2005.
وسمحت الاتفاقية بتنسيق أمني إسرائيلي مصري، وتواجد أمني مصري من قوات حرس الحدود على طول شريط فيلادلفيا والقيام بدوريات من كلا الطرفين.
ونصت على أن التواجد المصري في هذه المنطقة “لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود” وليس مخصصا لأي غرض عسكري، وأن هذه الاتفاقية لن تغير أو تعدل اتفاقية السلام الرئيسية بالحفاظ على المنطقة “ج” منزوعة السلاح، واعتبار اتفاقية فيلادلفيا على أنها “بروتوكول أمني” لضمان عدم وجود عسكري مصري قريب من الحدود الإسرائيلية.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن دبلوماسي غربي كبير في القاهرة القول إن المسؤولين المصريين حثوا نظراءهم الغربيين على إبلاغ إسرائيل بأنهم سيعتبرون أي تحرك لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلق فعليا معاهدة السلام لعام 1979.
وقال مسؤول غربي كبير آخر ومسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي إن الرسالة كانت أكثر مباشرة، إذ هددت مصر بتعليق المعاهدة، إذا دفع الجيش الإسرائيلي سكان غزة إلى مصر.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن الحكومة المصرية أبلغت هذا التحذير لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، عندما كان في زيارة للقاهرة التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وخلال الأسابيع الأخيرة، حاولت إسرائيل دفع مصر لقبول شن عملية عسكرية لتأمين السيطرة على الحدود المصرية مع غزة، بعد أن اتهمت القاهرة بالفشل في منع حماس من تهريب الأسلحة إلى غزة.
مصادر: سيناريو تخشاه مصر دفعها لتهديد إسرائيل بتعليق “كامب ديفيد”
يتصاعد الضغط على مصر بالتزامن مع عزم إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية لتشمل مدينة رفح جنوبي غزة التي نزح إليها أغلب سكان القطاع بحثا عن ملاذ آمن، وهو ما زاد مخاوف القاهرة من احتمال إجبار الفلسطينيين على الخروج على نحو جماعي من القطاع باتجاه سيناء.
ودحضت مصر هذا الاتهام، وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر إنه “يجب التأكيد بشكل صارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية”.
وفي الوقت نفسه، قال الفريق القانوني الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية إن القاهرة هي المسؤولة عن الفشل في توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة من الجانب المصري من معبر رفح.
وتبين “وول ستريت جورنال” أن كبار مسؤولي المخابرات والأمن المصريين دعوا إلى عقد اجتماع في نفس اليوم لمناقشة سحب السفير المصري من تل أبيب، ردا على هذه التعليقات.
لكن وبعد ما يقرب من 5 ساعات من المناقشات، قرروا أنه من الأفضل بدلا من ذلك إصدار بيان ينفي هذه المزاعم، مما دفع بعض الذين هم على دراية بتفكير الجانبين إلى استنتاج أنه لايزال هناك مجال للتهدئة بين البلدين.