تقلص أوامر الإخلاء الإسرائيلية المناطق التي يستطيع السكان اللجوء إليها في جنوب قطاع غزة بحثا عن مكان آمن، مع اكتظاظ المخيمات بالنازحين في ظل ظروف معيشية مروعة.
وأصبح معظم سكان القطاع يعانون من انعدام الصرف الصحي والحرمان من الطعام والمياه النظيفة، حيث نزح نحو مليوني شخص هربا من العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية.
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، إن 1.7 مليون شخص الآن في ملاجئ في الجنوب، منهم مئات الآلاف من الأشخاص الذين لا يستطيعون البقاء داخل جدرانها، من كثرة اكتظاظها، وينامون في الشوارع.
والجمعة الماضي، أمر الجيش الإسرائيلي سكان منطقة في وسط غزة بالتوجه جنوبا.
كان يسكن هذه المنطقة قبل الحرب 90 ألف شخص، وزاد عليهم 60 ألفا نزحوا من الشمال، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وبالرغم من اتباع العديد من الأشخاص لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، “فإن القيام بذلك لم يجلب الأمان”، حيث يستمر القصف في كل مكان تقريبا، بما في ذلك في الجنوب والمناطق التي طلب من الناس الانتقال إليها.
وتقدر الأونروا أن ما لا يقل عن 300 نازح قتلوا في ملاجئها في جميع أنحاء قطاع غزة منذ بداية الحرب، وأصيب أكثر من ألف شخص آخرين.
وتقول المنظمة إنه “يتم إجبار العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثا عن الأمان”.
ففي الأيام الأولى من الحرب، كان معظم سكان قطاع غزة النازحين لا يزالون في الشمال. وفي 13 أكتوبر، أمرت إسرائيل الجميع في شمال غزة بالإخلاء، فامتلئت الملاجئ في الجنوب.
وفي أوائل ديسمبر، أمر الجيش الإسرائيلي بمزيد من عمليات الإخلاء، مما أجبر المزيد من السكان على النزوح إلى دير البلح وسط القطاع، ورفح في الجنوب.
ملاجئ مكتظة
وباتت منطقة رفح هي الأكثر اكتظاظا وكثافة في غزة حاليا، وفقا لمسؤولين في الأمم المتحدة.
وتظهر البيانات أن ملاجئ الأمم المتحدة في رفح تستضيف في المتوسط أكثر من 15 ألف شخص مسجل في كل منها، على الرغم من أن معظم الملاجئ مصممة لاستيعاب ألفي شخص فقط.
ويقول مسؤولو منظمات الإغاثة إن المنطقة غير مجهزة لتقديم الخدمات الأساسية للنازحين، كما تعمل مستشفياتها الثلاثة بشكل جزئي فقط، ويعيش الأشخاص في الملاجئ في ظروف صعبة للغاية مع القليل من الطعام والماء. ويتشارك ما يقرب من 500 شخص في المتوسط مرحاضا واحد.
وبالرغم من هذه الظروف المروعة في رفح، فإن الأزمة في منطقة دير البلح التي شهدت أيضا نزوحا هائلا، أكثر صعوبة وتفاقمامتفاقمة للغاية.
ففي حين وصلت بعض المساعدات المحدودة من مصر إلى رفح، فإن دير البلح وخان يونس لم تتمكنا من الحصول على المساعدات إلا بشكل ضئيل أو منعدم في الأيام الأخيرة بسبب الهجمات المستمرة.
فعلى سبيل المثال، أدى القتال في 17 ديسمبر إلى إصابة ثلاثة أطفال في مدرسة بخان يونس بعد إصابة جدار بشكل مباشر.
وقالت وكالة الأونروا إن ضربات وقعت بالقرب من ملجأ آخر في خان يونس في ذلك اليوم أسفرت عن مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة عدد آخر.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية مركبات عسكرية إسرائيلية متمركزة على بعد بنايات قليلة من ثلاثة ملاجئ تم إخلاؤها في خان يونس، بحسب “نيويورك تايمز”.
وأشارت الصحيفة إلى أن تحليل الصور أظهر تعرض الملاجئ للقصف المباشر في بعض الحالات.
وفي المجمل، أصيبت 58 منشأة مختلفة تابعة للأونروا إصابة مباشرة فيما تعرضت 65 منشأة مختلفة لأضرار جانبية، بحسب أحدث تقرير نشرته الأونروا في 22 ديمسبر الجاري، على موقعها الإلكتروني.
ولم تشعر إسراء (26 سنة)، النازحة في ملجأ مدرسة بنات النصيرات الإعدادية بفرحة ولادة طفلها، “بدلا من ذلك، أشعر بالشفقة عليه وعلى الظروف التي ولد فيها”، بحسب ما نقلت عنها الأونروا.
ومن الأصعب إحصاء أولئك الذين بقوا في الشمال، حيث تم تقييد الوصول إليهم.
وتشير تقديرات أولية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن ما يصل إلى 500 ألف شخص ربما بقوا هناك حتى أوائل ديسمبر.
في المقابل، يقول الجيش الإسرائيلي إنه يتخذ احتياطات للتخفيف من الأضرار على المدنيين بينما يعمل على هدف “القضاء على حركة حماس”.
ويشير إلى أن أوامر الإخلاء تهدف إلى نقل المدنيين من المناطق التي تشهد أعنف قتال.
“نحن مرعوبون”
والثلاثاء، قصفت القوات الإسرائيلية مخيمات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، استعدادا على ما يبدو لتوسيع نطاق هجومها البري ليشمل منطقة ثالثة في القطاع المحاصر.
وتحدث سكان وسط غزة، عن قصف وغارات جوية ليلية هزت مخيمات النصيرات والمغازي والبريج، بحسب ما أفادت وكالة “أسوشيتد برس”.
تتكون هذه المخيمات من بنايات تؤوي الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم – فيما تعرف الآن بإسرائيل – خلال حرب عام 1948، وهي الآن مكتظة باللاجئين الذين فروا من الشمال.
وفي هذا الصدد، قال رضوان أبو شيطة، وهو مدرس فلسطيني، عبر الهاتف من منزله في البريج، “كان القصف عنيفا للغاية، يبدو أن القوات الإسرائيلية تقترب”.
كما قصفت الطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية مناطق شرق مخيم النصيرات.
وقال عز الدين محمد عبد الله المصري، وهو صياد فلسطيني نزح إلى المنطقة من شمال غزة مع أطفاله الخمسة، “لم نتمكن من النوم بسبب القصف. أطفالي يشعرون بالرعب. نحن مرعوبون”.
ومنذ بداية الحرب، قتل أكثر من 20600 فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وبدون وقف جديد لإطلاق النار، يتوقع مسؤولو الإغاثة أن يواجه سكان غزة المشردون في الجنوب نزوحا متكررا في الأسابيع المقبلة، بحسب “نيويورك تايمز”.
وترجح الصحيفة أن يتم تهجير أولئك الذين لم يفروا بعد من منازلهم مع استمرار الحرب والقتال العنيف بين إسرائيل ومسلحي حركة حماس.
وبحسب “أسوشيتد برس، فإن توسيع نطاق الهجوم، خلال الأيام القليلة الماضية، يشير إلى الطريق الطويل والمدمر الذي لا يزال أمام إسرائيل التي تعهدت بسحق حركة حماس بعد هجوم الأخيرة في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل.
وعلى الرغم من الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، والدعوات الأميركية إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الاثنين، إن القتال ليس على وشك الانتهاء.
“عدة أشهر أخرى”
والثلاثاء، أكد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أن الجيش يقوم بتوسيع عملياته في جنوب ووسط غزة، “مع اقترابه من تفكيك كتائب حماس في الشمال”، لكنه أشار في الوقت ذاته، إلى أن “الحرب ستستمر عدة أشهر أخرى”.
وقال: “لقد دمرنا العديد من البنى التحتية والأسلحة تحت الأرض، لكن في هذه المنطقة الحضرية المكتظة، حيث يرتدي الإرهابيون زي المدنيين، لا يمكن القول إننا قتلناهم جميعا”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وأضاف: “الآن، نحن نركز جهودنا في جنوب قطاع غزة، وخانيونس، والمخيمات المركزية، وخارجها. وسنواصل الحفاظ على الإنجاز الذي تم تحقيقه في شمال قطاع غزة وتعميقه”.
وتابع أن “هذه الحرب لها أهداف ضرورية وليس من السهل تحقيقها، ولهذا السبب ستستمر الحرب لعدة أشهر أخرى”.