في ظل حرب مستمرة وقتال دامٍ يفتك بمن فيها، تفاقمت معاناة سكان مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور السودانية، بعد أن خرج “آخر مستشفى عن العمل”، تاركا الجرحى والمرضى في رحلة بحث عن علاج قد ينقذ أرواحهم.
وأوضح مسؤول صحي لموقع “الحرة”، أن المدينة تعاني شحا في بعض الأدوية، وذلك على خلفية استهداف مستشفى الفاشر الجنوبي، الذي كانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد ذكرت أنه “آخر مستشفى يعمل في المدينة”.
وقالت “أطباء بلا حدود” لوكالة رويترز، الأحد، إن “قوات الدعم السريع هاجمت المستشفى الرئيسي في مدينة الفاشر، الذي تدعمه المنظمة، مما أدى لخروجه عن الخدمة”.
وتؤوي المدينة الواقعة في إقليم دارفور بشمال غرب السودان، أكثر من 1.8 مليون ساكن ونازح، وهي أحدث جبهة في القتال الدائر منذ أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأوضحت “أطباء بلا حدود” أن المستشفى الجنوبي كان الوحيد في مدينة الفاشر القادر على التعامل مع ما تصفها بأنها أحداث يومية “تشهد سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين”.
“من الموت إلى الموت”.. الصحراء “تتربص” بالفارين من حرب السودان
مع تصاعد حدة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ترتفع معدلات النزوح إلى الولايات السودانية الآمنة، بينما يختار سودانيون آخرون الفرار إلى دول الجوار، مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، هربا من القتال.
وقالت المنظمة إن “نحو 1315 جريحا دخلوا المستشفى فيما توفي 208 داخله، خلال الفترة من 10 مايو إلى 6 يونيو”، لكن عددا كبيرا من الأشخاص لا يقدر على الوصول إلى المستشفى بسبب القتال.
وشنّت قوات الدعم السريع، السبت، هجوما على مدينة الفاشر من 3 اتجاهات، ووصلت حتى المستشفى الجنوبي، بينما تحدث شهود عيان عن “نهب مخزونات من الأدوية”، وفق ما أفاد مراسل الحرة.
,قال الإعلامي والناشط في مدينة الفاشر، خالد أبو ورقة، لموقع “الحرة”، إنه “بصفة رسمية، أعلنت حكومة ولاية شمال دارفور خروج مستشفى فاشر الجنوبي عن الخدمة”.
وزاد: “حكومة الولاية عزت توقف خدمات المستشفى إلى الهجوم الذي قامت به قوات الدعم السريع، والذي أسفر عن مقتل عدد من المرضى والمواطنين، واقتياد عدد من مرافقي المرضى إلى جهة غير معلومة”.
من جانبه، نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، الدخول إلى المستشفى الجنوبي بالفاشر، قائلا إن “قوات الدعم السريع تصدت للهجوم الذي طالها من الجيش والحركات المتحالفة معه، وحققت تقدما ميدانيا”.
وقال طبيق في حديث سابق إلى موقع “الحرة”، إن “الجيش يسعى لتغطية الهزائم التي يتلقاها في جبهات القتال، من خلال نسج الأكاذيب، ومن خلال اتهام الدعم السريع بأشياء ليست حقيقية”.
وتابع: “هذه الاتهامات ليست جديدة، وظللنا نسمعها منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وهي تهدف لصرف الأنظار عن تورط الجيش في قصف المدنيين العزل بالطيران”.
وأضاف: “عمليات القصف التي ينفذها الجيش تهدف لإبادة بعض المكونات، خاصة في منطقة الزرق وكبكابية وغيرها”.
في نيويورك.. احتجاجات تندد بالسياسة الإماراتية في السودان
قالت وكالة الأنباء السودانية، الثلاثاء، إن طلاب الجامعات والمعاهد العليا من أصول سودانية والمتعاطفيين مع السودان وأهله من مختلف الشعوب والكيانات الطلابية، نفذوا وقفة احتجاجية أمام مبنى بعثة الإمارات الدائمة بالأمم المتحدة في نيويورك.
مخاوف من خروج “السعودي”
وعن أوضاع المرضى وإمكانيات توفير خدمات العلاج في الفاشر، أجاب أبو ورقة: “وزارة الصحة أعلنت استئناف تقديم خدمات العلاجات الطبية، مثل العمليات الجراحية وغيرها، داخل مستشفى النساء والتوليد، أو ما يعرف بـ(المستشفى السعودي)”.
وتابع: “كما جرى تجهيز مستشفى (سيد الشهداء) لتقديم علاجات الطوارئ والعمليات الجراحية الخاصة بالأطفال”.
ونوه الناشط الإعلامي بأن “وزارة الصحة في الولاية صرحت بأنها تمكنت من نقل عدد كبير من الأجهزة والمعدات إلى (المستشفى السعودي)، الذي أضحى المستشفى الرئيسي في المدينة”.
ولفت أبو ورقة إلى أنه شاهد “اكتظاظا كبيرا للمرضى في ذلك المستشفى”، مضيفا: “هناك مخاوف من أن تخرج هذه المنشأة الصحية المهمة من الخدمة، مع تواصل قصف قوات الدعم السريع لمواقع عديدة داخل مدينة الفاشر”.
وشهد إقليم دارفور الذي يقع غربي السودان، حربا طاحنة في عام 2003، إذ استعان نظام الرئيس السابق، عمر البشير، بميليشيات “الجنجويد” التي أُدمج أعضاؤها لاحقا، في قوات الدعم السريع.
وبعد اندلاع الصراع بينها والجيش في 15 أبريل 2023، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، إذ سيطرت أولا على ولاية جنوب دارفور، وتبع ذلك سيطرتها على ولاية غرب دارفور، ثم ولاية وسط دارفور، وولاية شرق دارفور.
ونفى مدير عام وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور، إبراهيم خاطر، في حديث إلى موقع “الحرة”، “ما يقال عن إن مستشفى الفاشر الجنوبي هو المركز الصحي الوحيد الذي يعمل في مدينة الفاشر”، معتبرا أنه “أمر عار من الصحة”.
وأضاف: ” لدينا مستشفى جديد كنا قد أسسناه مؤخرا، بالإضافة إلى أن هناك مستشفى آخر لا يزال يعمل، وخدمات الجراحة والعظام وعلاج الأطفال لاتزال تقدم للمواطنين”.
وتابع: “حاليا يوجد نوع من الاستقرار في المدينة، إذ قل عدد السكان عن السابق بعد أن ذهب الكثير من الأهالي إلى الأرياف، وبالتالي قل تكدس المرضى عن السابق”.
ولدى سؤال مدير عام وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور، عن المصاعب التي تواجهها الأطقم الطبية في المدينة، أجاب: “يوجد حاليا شح في أدويه التخدير.. لكن بقية الأدوية متوفرة، والآن هناك برنامج للإمداد الدوائي عبر الطيران الحربي”.
وأكد خاطر أنهم “مستعدون للعودة وافتتاح المستشفى الجنوبي للعمل بأسرع وقت ممكن، متى ما سمحت الظروف الأمنية بذلك”.
ويعاني القطاع الصحي في السودان من أوضاع صعبة في كل أنحاء البلاد، إذ كانت نقابة الأطباء قد أعلنت في يوليو من العام الماضي، أن 70 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، من أصل 89 مستشفى أساسيا في العاصمة والولايات.
وقال بيان النقابة وقتها إنه “يوجد 62 مستشفى متوقفة عن الخدمة و27 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط)، وهي مهددة بالإغلاق أيضا نتيجة لنقص الكوادر الطبية، والإمدادات الطبية، والتيار المائي، والكهربائي”.
واندلعت المعارك في السودان في 15 أبريل من العام الماضي بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك ما يصل إلى 15 ألفا في مدينة الجنينة بإقليم دارفور بغرب البلاد، وفق الأمم المتحدة.
وأجبر القتال نحو 9 ملايين شخص على النزوح. وبحلول نهاية أبريل، نزح إلى ولاية شمال دارفور وحدها أكثر من نصف مليون شخص جديد، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وحسب بعض التقديرات فإن نحو 1.7 مليون سوداني في دارفور يواجهون خطر المجاعة.