دفعت إسرائيل، الجمعة، بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية بموجب أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في النظر بدعوى انتهاكها لهذه الاتفاقية، والمقدمة ضدها من جنوب أفريقيا، التي تقدمت كذلك بالتماس إلى هذه المحكمة لإصدار “تدابير مؤقتة” لأمر إسرائيل بتعليق حملتها العسكرية في غزة على الفور.
وكانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، قد بدأت الخميس، جلسات استماع تتعلق بهذه القضية، واستمعت على مدى يومين لمبررات جنوب أفريقيا لرفع القضية، ورد إسرائيل على ذلك.
وقال فريق الدفاع الإسرائيلي في مرافعته أمام المحكمة، أن “جنوب أفريقيا ليست طرفاً بالنزاع القائم بينها وبين الفلسطينيين، وعلى هذا الأساس بنى حجته بأنها ليست الطرف صاحب الحق برفع هكذا قضية، وأن الاختصاص بعدم وجود دليل كاف على ارتكاب جريمة الإبادة، أساساً يجرد هذه المحكمة من الاختصاص والأهلية”.
ومحكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، كما يقول رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، المحامي الدكتور بول مرقص، وهي “تتولى الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها الدول أو أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة”.
بينهم عرب ورئيسة المحكمة أميركية.. من هم قضاة “العدل الدولية”؟
يتكون فريق محكمة العدل الدولية الذي ينظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، من 15 شخصا، بينهم رئيسة المحكمة ونائبها و13 قاضيا وقاضية.
وأوضح مرقص في حديثه لموقع “الحرة”، أن اختصاص هذه المحكمة يشمل “التعامل مع القضايا التي تطرأ في إطار القانون الدولي، سواء كانت ذات طابع فردي أو طابع دولي، حيث يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقديم دعاوى أمامها، والطلب منها حسم النزاعات بينها، كما يمكن أيضاً أن تعقد جلسات للاستماع إلى قضايا غير دعوى تقدمها الدول للحصول على استشارة قانونية”.
كذلك تؤكد المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، على أنه “من ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية النظر في القضايا الخلافية التي ترفع من دولة ضد أخرى بحسب شروط اختصاصها، وذلك باعتبارها المرجع القضائي للنظر في تفسير وتطبيق وتنفيذ المعاهدات وإصدار قرار فيما يختص بمخالفة دولة أخرى للاتفاقية، إما بما يلحق ضرراً مباشراً بالدولة المشتكية، أو ضرراً عاماً بالمصلحة العامة الدولية للمجتمعات، مثلما يتعلق باتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهو ما أقدمت عليه جنوب أفريقيا، الطرف وإسرائيل في هذه الاتفاقية”.
و”تنص المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على 3 شروط يجب توفر إحداها لكي يكون للمحكمة صلاحية النظر في الدعوى المقامة أمامها”، بحسب ما يؤكده أستاذ القانون الدولي الدكتور حسن جوني، لموقع “الحرة”.
وهذه الشروط هي “موافقة الدولتين على إحالة القضية إليها، أو أن تكون الدولة المدعى عليها قد تقدمت بموافقة مسبقة بصلاحية المحكمة، أو وجود اتفاقية دولية تلحظ اختصاصها في حال وجود نزاع متعلق في تفسير وتطبيق وتنفيذ المعاهدات والاتفاقيات”.
مرحلة ما قبل الاختصاص
في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، لا يتوفر، وفقا لجوني “الشرط الأول الذي تنص عليه المادة 36 من نظام المحكمة، لعدم موافقة إسرائيل على إحالة القضية أمامها، كما أن الشرط الثاني غير متوفر كون إسرائيل سحبت موافقتها المسبقة بصلاحية المحكمة عام 1985، أما الشرط الثالث فمتوفر من خلال معاهدة منع ارتكاب جريمة إبادة الجنس البشري المعروفة بالإبادة الجماعية، وذلك استناداً إلى المادة التاسعة منها”.
وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه “تعرض على محكمة العدل الدولية، بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة”.
وقال جوني: “طالما أن إسرائيل طرفاً في هذه المعاهدة دون التحفظ على هذه المادة، يعني أنه يحق لجنوب أفريقيا رفع دعوى ضد إسرائيل”.
وأردف: “ما زالت القضية في المرحلة الأولى المتعلقة بالطلب من المحكمة اتخاذ قرار لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وذلك استناداً إلى المادة 41 من نظام المحكمة، التي تنص على أنه للمحكمة أن تقرر التدابير المؤقتة التي يجب اتخاذها لحفظ حق كل من الأطراف وذلك متى رأت الظروف تقتضي بذلك”.
أمام محكمة العدل.. إسرائيل ترد على اتهامات الإبادة الجماعية
قال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية في افتتاح اليوم الثاني من جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية، الجمعة، إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة هي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضد حماس و”المنظمات الإرهابية الأخرى”.
كما نوه إلى أن النظر في اختصاص محكمة العدل الدولية، يعد المرحلة الثانية في هذه القضية، شارحاً: “خلال هذه المرحلة ستطلب المحكمة من جنوب أفريقيا وإسرائيل أن يتقدما أمامها بموقفهما القانوني، وفي النهاية هي من تقرر إن كانت صالحة للنظر في القضية من عدمه”.
واستندت إسرائيل في دفعها بعدم اختصاص المحكمة على “عدم وجود ما يثبت وقوع خلاف رسمي بينها وبين جنوب أفريقيا قبل توجه الأخيرة إلى تحريك دعوى ضدها”، بحسب شحادة.
وأضاف: “بمعنى أن إسرائيل لم تتخذ موقفاً رسمياً تجاه جنوب أفريقيا فيما يتعلق بالمذكرة الدبلوماسية التي وجهتها الأخيرة في ديسمبر الماضي إلى سفارة إسرائيل قبل أن يتم إغلاقها، والتي طلبت فيها وقف الأعمال العسكرية، معربة عن انزعاجها التام من الانتهاكات العسكرية والتصريحات التي ترقى إلى إبادة جماعية بحق الفلسطينيين”.
وأثارت إسرائيل هذه النقطة، وفق شحادة، كون “المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية التي تعطي الولاية لمحكمة العدل الدولية، حيث تنص على أنه حين تنشأ خلافات بين دول الأطراف حول تفسير أو تنفيذ أو تطبيق الاتفاقية، وبالتالي يمكن للدولة المعنية أن تلجأ لهذه المحكمة”.
وأوضح: “لكن دفع إسرائيل ضعيف جداً، فجنوب أفريقيا أظهرت في شكواها أن الخلاف تمثل بامتناع إسرائيل عن الجواب على هذه المذكرة من جهة، وباستمرارها في انتهاكاتها بحق الفلسطينيين من جهة أخرى، والتي عبّرت صراحة عن اعتراضها عليها في المذكرة الدبلوماسية، بما خلص إلى وقوع الخلاف الثابت بينهما، بالتالي لا حاجة إلى أن يقرّ الطرف الآخر به والذي وجد سنداً لهذه العناصر”.
إجماع على “الاختصاص”
وأكد مرقص أن عمل محكمة العدل الدولية يستند “إلى ميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً الفصل 14 منه الذي ينص على إنشاء المحكمة ويحدد صلاحياتها. يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة اللجوء إليها لحل النزاعات الدولية والحصول على قرار قانوني غير ملزم يعبر عن الحقوق والالتزامات القانونية للدول المعنية”.
وللبحث في الدعاوى المقدمة إلى هذه المحكمة، يمكن الرجوع، كما يشير رئيس مؤسسة JUSTICIA، مرقص، “إلى مصادر قانونية رئيسية تشمل ميثاق الأمم المتحدة والنصوص القانونية الدولية الأخرى ذات الصلة”.
وتابع: “الأمم المتحدة هي المؤسسة الرئيسية التي تنظم محكمة العدل الدولية، وبالتالي، يكون ميثاق الأمم المتحدة هو النص الأساسي الذي يحدد صلاحياتها وإطار عملها”.
وزاد: “يحتوي ميثاق الأمم المتحدة على فصل يتعلق بمحكمة العدل الدولية، وتحديداً المواد 92 إلى 96 منه. في هذا السياق. يمكن أيضًا الرجوع إلى الفقرة الثالثة من المادة 36 في الميثاق، التي تنص على حق الدول الأعضاء في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن البحث في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالنزاع المحدد الّتي تعطي صلاحية النظر بهكذا نزاع إلى محكمة العدل الدولية”.
وفيما يتعلق بالاختصاص المرتبط بهذه الاتفاقية، وإن كان خاصاً وينطبق على حرب غزة، أجاب مرقص بالإشارة إلى المادة السادسة من هذه الاتفاقية، “التي تنص على أنه يتحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها”.
كما أشار مرقص إلى المادة التاسعة من هذه الاتفاقية، قائلا: “الأفراد الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية يخضعون للاختصاص الشخصي العالمي، ويمكن تقديمهم إلى أي سلطة تكون قادرة على القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة”.
وتعرّف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، الإبادة الجماعية بأنها “أفعال مرتكبة على قصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية ،أو عرقية أو عنصرية أو دينية”.
ومحكمة العدل الدولية هي الجهة المختصة، بحسب مرقص “في التحقيق في حرب غزة، نظراً للأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن تصرفات إسرائيل (عضو في هذه الاتفاقية) في القطاع قد تشكل حجة مقنعة للمحكمة بخرق المادتين الثانية والثالثة من (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) لعام 1948”.
واستطرد: “تعنى هذه المخالفات بانتهاك مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وبالتالي يتطلب ذلك تحقيقاً دقيقاً لتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات اللازمة بموجب القوانين الدولية المعمول بها”.
يذكر أن إسرائيل تنفي تماما ارتكابها إبادة جماعية في قطاع غزة، وتؤكد أن حملتها العسكرية تهدف إلى “القضاء على حماس”، التي تحكم القطاع الفلسطيني منذ عام 2007.
وكانت حماس قد شنت هجوما على إسرائيل في 7 أكتوبر، أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، أغلبهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال.
فيما أسفر القصف الإسرائيلي المتواصل منذ ذلك التاريخ، المصحوب بتوغل بري انطلق في 27 أكتوبر، عن مقتل نحو 24 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفق سلطات الصطاع الصحية.
كذلك أكدت شحادة أن “الاختصاص المرتبط باتفاقية الإبادة الجماعية هو اختصاص خاص، بمعنى أنه يشمل فقط الدول الموقعة على هذه الاتفاقية دون غيرها، وعددها 153 دولة بينها جنوب أفريقيا وإسرائيل و16 دولة عربية من بينها فلسطين”، منبهة إلى أن “اختصاص المحكمة على انتهاكات إسرائيل ثابت، بصفتها دولة طرف موافقة على اتفاقية الإبادة الجماعية ولم تتحفظ على المادة التاسعة منها”.
كما أن القاضي في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وليد عاكوم، يرى أن دعوى جنوب أفريقيا تدخل ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية، وذلك “بناء على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي صادقت عليها إسرائيل عام 1949، والتي تنص على أن واجب الدول الأطراف فيها، لا يقتصر على عدم ارتكاب جرم الإبادة الجماعية وإنما كذلك العمل على منع الآخرين من ارتكابه، وعملاً بذلك تسعى جنوب أفريقيا من خلال الدعوى التي رفعتها منع إسرائيل من اقتراف ذلك”.
توقيت الدفع بعدم الاختصاص
وبشأن إمكانية الدفع بعدم الاختصاص عند بدء المرافعات، أو أنه كان يجب الإقدام على هذه الخطوة قبل ذلك، يشرح مرقص: “في محكمة العدل الدولية، يمكن لطرف أن يدلي بعدم اختصاص المحكمة من خلال تقديم اعتراض أولي، ويتم ذلك عادة في بداية الإجراءات من خلال الـ (دفع بعدم الاختصاص)، حيث يقوم الطرف الذي يثير الدفع بالقول إن المحكمة تفتقر إلى الاختصاص، من خلال (ratione personae) فيما يتعلق بالأطراف المعنية أو (ratione materiae ) فيما يتعلق بموضوع النزاع، أو (ratione temporis) فيما يتعلق بالفترة الزمنية، أو (ratione loci) فيما يتعلق بالنطاق الجغرافي”.
“الإبادة الجماعية”.. ماذا تعني وفق القانون الدولي؟
في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، تردد كثيرا مصطلح “الإبادة الجماعية” على لسان حقوقيين وأمميين، من بينهم المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، رانشيسكا ألبانيز، التي حذّرت قبل أيام من تحوّل الصراع في غزة إلى “إبادة جماعية”، فما هي هذه الجريمة وفقا للقانون الدولي؟
وأضاف: “إذا كان أحد الأطراف يرغب في تقديم طلب بشأن عدم الاختصاص، يجب عليه القيام بذلك في أقرب وقت ممكن في الإجراءات، فقد تقضي المحكمة بشأن الدفع بعدم الاختصاص قبل البت بالقضية، وعليه يكون القرار الصادر بنتيجة الدفع بعدم الاختصاص ملزماً ويحسم مسألة الاختصاص”.
وتابع: “القدرة على الدفع بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية (ICJ) وتقديم اعتراض أولي، عادةً ما يُشير إليه في المادة 79 من قواعد المحكمة التي تم اعتمادها في 14 أبريل 1978 وتم وضعها حيز النفاذ في 1 يوليو 1978، وهذه القواعد ترعى الأصول والإجراءات”.
أما شحادة فأشارت إلى أنه “من الضرورة أن يطرح عنصر الاختصاص كدفع شكلي قبل بدء المحاكمة، وهذا ما فعلته إسرائيل في المرافعة الافتتاحية”.
وإذا أقرت المحكمة بعدم اختصاصها، عندها لن تنظر بالقضية، أما في حال أقرت بذلك، فستبدأ المرحلة الثالثة، وهنا شرح جوني: “حينها ستطلب المحكمة من الدول الأطراف في اتفاقية منع إبادة الجنس البشري غير المتحفظة على المادة التاسعة فيها، وبناء على المادتين 62 و63 من نظام المحكمة الأساسي، التدخل بإبداء رأيها، أي مساندة أحد الطرفين، ومن خلال دراسة قانونية خطية أولاً ومن ثم شفهية، وكلما ارتفع عدد الدول التي تريد التدخل ستستغرق المحكمة وقتاً أطول لإصدار حكمها والذي قد يصل إلى ثلاث سنوات”.
وتنص المادة 62 من نظام المحكمة الأساسي على أنه “إذا رأت إحدى الدول أن لها مصلحة ذات صفة قانونية يؤثر فيها الحكم في القضية، جاز لها أن تقدم إلى المحكمة طلباً بالتدخل، لكن البت في هذا الطلب يرجع الأمر فيه إلى المحكمة”.
أما المادة 63 فتنص على أنه “إذا كانت المسألة المعروضة تتعلق بتأويل اتفاقية بعض أطرافها دول ليست من أطراف القضية، فعلى المسجل أن يخطر تلك الدول دون تأخير، ويحق لكل دولة تخطر على الوجه المتقدم أن تتدخل في الدعوى، فإذا هي استعملت هذا الحق كان التأويل الذي يقضي به الحكم ملزما لها أيضا”.
ماذا عن انتفاء الصفة؟
وفيما إن كان يمكن الدفع بانتفاء الصفة في مثل هذا النوع من المحاكمات، يجيب مرقص أن المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تنص على أن” تصادق الأطراف المتعاقدة على الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها”.
وأشار إلى المادة الثامنة من هذه الاتفاقية، التي تنص على أنه “لأي من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة”.
كذلك نوه بالمادة التاسعة من الاتفاقية، والتي تنص على أنه “تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة”.
وتتناول الفقرات المذكورة من هذه اتفاقية، كما يقول مرقص، “القضايا المتعلقة بالإبادة الجماعية، حيث تنص المادة الأولى على أن الإبادة الجماعية تُعتبر جريمة بموجب القانون الدولي، وتلزم الأطراف المتعاقدة بمنعها ومعاقبتها، والمادة الثامنة تتيح للدول طلب تدابير منع وقمع الإبادة الجماعية من جهاز الأمم المتحدة. أما المادة التاسعة، فتفتح أبواب المحكمة الدولية لفحص النزاعات بين الدول المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقية، بما في ذلك المسائل المتعلقة بمسؤولية دولية عن جرائم الإبادة الجماعية أو أفعال أخرى مشابهة”.
وفي هذا السياق، يظهر وفقا لمرقص أن “جنوب أفريقيا لها الحق في إثارة النزاعات بناءً على هذه المواد، مع التركيز على منع ومعاقبة جرائم الإبادة الجماعية”.
إضافة إلى ذلك، فإن جنوب أفريقيا، تكتسب “حقوقاً والتزامات في مجال منع ومعاقبة الإبادة الجماعية كونها منضمة إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي تشير إلى أن الدول الأطراف، بما في ذلك جنوب أفريقيا، يمكنها طلب اتخاذ التدابير اللازمة من الأمم المتحدة لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية. كما يمكن للدول المتنازعة، بما في ذلك جنوب أفريقيا، تقديم النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية، وهو أمر يسلط الضوء على الالتزام بتحقيق العدالة والمحاسبة في حالة حدوث جرائم الإبادة الجماعية”، وذلك على ذمة مرقص.
البعد الإلزامي للأحكام
لا يتقاضى أمام محكمة العدل الدولية “إلا دول ولا تنظر إلا في قضايا التعويضات ولا تحاكم جنائياً الأشخاص، لذلك تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى تعويض ضد إسرائيل وليس أشخاص”، وفقا لجوني.
أما محكمة الجنايات الدولية فهي منظمة دولية غير تابعة للأمم المتحدة، تنظر في القضايا المتعلقة بالأشخاص وليس الدول، وتختص بأربع جرائم كبرى، وهي العدوان والحرب وإبادة الجنس البشري والجرائم ضد الإنسانية.
وقد قامت جنوب أفريقيا كعضو في هذه المحكمة الجنائية مع 5 دول أخرى، من بينها جيبوتي وجزر القمر، برفع قضية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتناياهو، وعدد من المسؤولين الإسرائيليين أمامها.
من جانبه، رأى المحامي المختص بالقانون الدولي، الدكتور أمجد سلفيتي، في حديثه إلى موقع “الحرة”، أن على فريق جنوب أفريقيا، أن “يقنع هيئة المحكمة باحتمال ارتكاب جريمة الإبادة من قبل إسرائيل، وفقط في تلك الحالة تنتقل الهيئة للنظر في طلب التدابير المستعجلة ومدى جدواها وتناسبها مع واقع وأحوال المدنيين في قطاع غزة”.
وتوقعت شحادة أن تصدر محكمة العدل الدولية “خلال أيام إلى أسابيع قليلة، تدابير مؤقتة مستعجلة من نوع الأوامر الاحترازية والاحتياطية التي من شأنها حماية الفلسطينيين من المزيد من القتل والموت والأضرار التي هي حاصلة بسبب استمرار الأعمال العسكرية المشكو منها، وذلك أسوة بالدعوى التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار عام 2019”.
ويبقى السؤال، ما العمل في حال صدر الحكم ورفضت إسرائيل تطبيقه؟
وللإجابة على هذا السؤال، قالت شحادة: “من حيث المبدأ، على جميع الدول الأطراف في الجمعية العامة للأمم المتحدة الالتزام بقرارات هذه المحكمة، غير أن نصوصها تمنح البعد الإلزامي خصوصاً للدول التي توقع إعلاناً للقبول باختصاصها أو للدول التي تقبل ضمناً باختصاصها حين توقع على اتفاقيات، تعطي هذه المحكمة الاختصاص عليها”.
أما جوني فأشار إلى أن “الفقرة الأولى من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة، تنص على أنه يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها، وإذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر حسب الفقرة الثانية من ذات المادة، أن يلجأ إلى مجلس الأمن”.
وتابع: “ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم، لكن يمكن تعطيل هذا القرار عبر حق النقض (الفيتو)”.