تكشف التحركات الأميركية نهجا تصعيديا حازما لحماية حركة التجارة في البحر الأحمر، حيث أكد البيت الأبيض في بيان، الأربعاء، أن واشنطن “لن تحيد عن الدفاع عن مصالحها وحرية تدفق التجارة العالمية”.
وحضت الولايات المتحدة و11 دولة حليفة، الأربعاء، المتمردين الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، على أن “يوقفوا فورا هجماتهم غير القانونية” على السفن في البحر الأحمر، تحت طائلة “تحمل العواقب”.
وقال التحالف في بيان: “على الحوثيين أن يتحملوا مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي وحرية انتقال البضائع في الممرات المائية الأساسية في المنطقة”.
وبعد هذا التحذير، قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، إنه “لا ينبغي توقع تحذير آخر” من الولايات المتحدة وحلفائها للحوثيين، الذين يشنون هجمات على سفن في البحر الأحمر، حسب وكالة رويترز.
ومنذ أسابيع، يشن الحوثيون هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ تستهدف سفنا بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، في إطار دعمهم لحركة حماس الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة، وتخوض حربا ضد إسرائيل.
ودفعت هذه الهجمات الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف دولي يضم أكثر من 20 بلدا، لحماية الملاحة في البحر الأحمر.
ويأتي البيان بعد تقارير تفيد بأن إدارة بايدن “تنظر في احتمال توجيه ضربات مباشرة” للمتمردين، إذا تواصلت الهجمات، وفق وكالة فرانس برس.
“إعادة تأسيس نظام الردع ضد إيران ووكلائها”
الكاتب والمحلل السياسي الأميركي، إيلان بيرمان، قال إن “الولايات المتحدة تدرك بوضوح أن التهديد الحوثي لخطوط التجارة الدولية بشكل متزايد، غير مقبول”.
وزاد في حديث مع موقع “الحرة”، أن “البيت الأبيض توصل أكثر فأكثر إلى استنتاج، مفاده أنه بحاجة إلى إعادة تأسيس الردع ضد النظام الإيراني ووكلائه”.
واستطرد بيرمان: “هذا سيتطلب من الولايات المتحدة شن هجوم ضد الحوثيين، حتى يتمكنوا من تغيير سلوكهم.. ومن غير المرجح أن يؤدي أي شيء أقل من ذلك إلى حماية التجارة في البحر الأحمر”.
والإثنين، أصدرت بريطانيا، وهي واحدة من الموقعين على البيان المشترك، تحذيرا للحوثيين باتخاذ “إجراءات مباشرة”، وكذلك أستراليا وكندا وألمانيا واليابان.
وكانت البحرين الدولة الوحيدة في المنطقة التي وقعت على البيان، والتي تربطها علاقات متوترة مع إيران التي تدعم الحوثيين.
من جانبه، رأى المحلل السياسي العسكري في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، أن التصريحات الأميركية والبيان المشترك الصادر عن التحالف لحماية البحر الأحمر، “لا يعني أن الولايات المتحدة المتحدة ستهاجم الحوثيين”، مضيفا أن ما حدث “قد يكون بمثابة تحذير للحوثيين، وإرسال رسالة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” من أجل اتخاذ موقف للرد على هجمات المتمردين.
“حارس الازدهار”.. كيف تؤمن الولايات المتحدة البحر الأحمر؟
مع ازدياد التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، تتحرك السفن الحربية الأميركية لمواجهة الهجمات المتتالية التي أربكت خطوطا حيوية للشحن البحري.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة”، أن “الجهود الدفاعية الأميركية تقلل من التهديدات التجارية في البحر الأحمر، لكنها لا تقضي عليها”.
وأفاد تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن “الجيش الأميركي أعد خيارات ضرب الحوثيين المدعومين من إيران”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، أنه “من بين التحديات التي تواجه ضرب أهداف الحوثيين، أن العديد من أنظمة أسلحتهم متحركة”، حيث تشمل الأهداف المحتملة منصات إطلاق الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيرة، واستهداف منشآت الرادار الساحلية، ومرافق تخزين الذخائر.
هل تنذر بحرب واسعة النطاق؟
وحول المخاوف من توسع نطاق الهجمات في البحر الأحمر، قال المحلل وايتز إن الولايات المتحدة “لا تخشى من حرب واسعة النطاق، لكنها تقدّر أن الهجوم المحدود لن يوقف الحوثيين، وأن الغزو الكبير سيكون مكلفا للغاية”.
وتابع: “ليس من الواضح ما إذا كانت القوات الأميركية يمكنها أن تفعل ما هو أفضل مما فعلته القوات السعودية والإماراتية، التي قاتلت الحوثيين لسنوات من دون نجاح”.
أما الكاتب بيرمان، فقد رأى أنه “احتمال نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق لا يزال أمرا واردا، لكن ليس في المياه الإقليمية، بل ستبدأ من شمال إسرائيل”.
وأشار إلى أن “التوترات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان تتصاعد، حتى قبل مقتل القيادي في حركة حماس صالح العاروري، ومن المرجح أنها ستتعمق، خاصة مع مغادرة 100 ألف نسمة من سكان شمالي إسرائيل، مما يخلق ضغطا هائلا على الاقتصاد الإسرائيلي”.
وقال بيرمان: “يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تجد وسيلة لحمل الأشخاص الذين غادروا شمالي البلاد على العودة إلى ديارهم، وهذا يعني على الأرجح إنشاء منطقة عازلة مع حزب الله وباستخدام القوة إذا لزم الأمر”.
يذكر أن الولايات المتحدة أرسلت حاملة الطائرات “دوايت دي أيزنهاور” إلى المنطقة، وحذت حذوها بريطانيا بإرسالها المدمرة “إتش إم إس” لتعزيز قوة الحماية البحرية البريطانية الموجودة في المنطقة.
وكتب رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، على منصة إكس: “يجب على الحوثيين وقف هجماتهم القاتلة على السفن والمزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر”.
وأضاف أن “بريطانيا ستتخذ إجراءات للدفاع عن حرية الملاحة”.
ودفعت الهجمات العديد من شركات الشحن إلى تحويل مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب إفريقيا، مما يؤدي إلى إطالة الرحلة بين آسيا وأوروبا لمدة أسبوع تقريبًا، وهو طريق طويل ومكلف.
وأعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة “ميرسك”، الثلاثاء، أن أسطولها لن يستأنف العبور في مضيق باب المندب “حتى إشعار آخر”، بعد تعليق مؤقت إثر هجوم الحوثيين على إحدى سفنها.
وبحسب الشركة، أُصيبت سفينة الحاويات “ميرسك هانغتشو” بصاروخ، الأحد، ثم تعرضت لهجوم من 4 زوارق تابعة للمتمردين الحوثيين كانوا يحاولون الصعود على متنها.
تتصدى للمسيرات الهجومية في البحر الأحمر.. حقائق عن “يو أس أس لابون”
تصدر اسم المدمرة “يو أس أس لابون” التابعة للبحرية الأميركية خلال الأيام الماضية، بعد إعلان القيادة المركزية “سنتكوم” تمكنها من إسقاط أربع طائرات مسيّرة هجومية كانت تستهدفها في البحر الأحمر، وذلك في أحدث هجوم ضمن سلسلة هجمات شنها الحوثيون على خلفية الحرب في غزة.
وأعلن الحوثيون مقتل أو فقدان 10 من عناصرهم جراء قصف أميركي استهدف زوارقهم. وقال الجيش الأميركي إنه أغرق 3 زوارق حوثية وقتل طواقمها.
ومع مرور 12 في المئة من التجارة العالمية عبره، بحسب غرفة الشحن البحري الدولية، يعتبر البحر الأحمر بمثابة “طريق سريع” يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عبر قناة السويس، وبالتالي أوروبا بآسيا.
ويكرر الحوثيون الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، أنهم سيواصلون استهداف السفن التي يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل أو تلك التي يعتقدون أنها متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، طالما لم تدخل كميات كافية من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل، وتشن عليه حملة قصف متواصلة وعمليات برية منذ هجوم حماس على بلدات غلاف غزة في السابع من أكتوبر.