تسويق وسخرية.. حزب الله يستبق ظهور أمينه العام بفيديوهات قديمة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

انتشرت في الأيام القليلة الماضية مقاطع فيديو يظهر فيها زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، في لقطات متنوعة، خلفية وجانبية، بإطار تسويقي دعائي يختلف عن النمط المعتاد لظهور نصرالله في خطاباته أو فيديوهاته الترويجية. 

وتثير هذه المقاطع جدلا في الإعلام المحلي اللبناني والخارجي، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يجري تداولها على نطاق واسع، وسط حالة الترقب التي يعيشها لبنان ومنطقة الشرق الأوسط عموما، بسبب احتمالات اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وغزة، لتشمل لبنان إذا قرر حزب الله، هو الآخر، توسيع نطاق مشاركته في هذه الحرب. 

وتروَّج هذه الفيديوهات، في توقيت بالغ الدقة، بالتزامن مع انطلاق العملية البرية للجيش الإسرائيلي في غزة، والتي سبق واعتبرها حزب الله ومنظومته الإعلامية “خطا أحمر”، من شأن تخطيه أن يغير قواعد الاشتباك القائم وحجم تدخل الحزب في الحرب، التي يقتصر دوره فيها حاليا على اشتباكات حدودية محدودة. 

ظهور.. لأبرز الغائبين

الأكثر “إثارة” في هذه المواد الدعائية، أنها تسبق ظهورا إعلاميا مفترضا لنصرالله الجمعة القادم، هو الأول من نوعه منذ أن شنت حماس هجومها المفاجئ على إسرائيل في السابع من أكتوبر. وكان نصرالله الغائب الأبرز عن المشهد طيلة الفترة الماضية.

وكان حزب الله قد أعلن في بيان أن أمينه العام سيتحدث خلال “احتفال تكريمي” لقتلى الحزب الذين سقطوا “على طريق القدس”، في إشارة إلى الذين قتلوا في الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية. ومن المتوقع أن يحدد نصرالله خلال ظهوره المرتقب موقف الحزب واتجاهه في الحرب الدائرة، إن كان نحو التصعيد، أو الالتزام بقواعد الاشتباك القائمة حاليا. 

وعوّض حزب الله غياب زعيمه طيلة تلك المدة، بإعلانات متفرقة لأنشطته، بدأها بنشر رسالة مكتوبة وموقّعة من نصرالله يطلب فيها من ماكينته الإعلامية وصف الاشتباكات التي قتل فيها عناصره جنوب لبنان باسم “على طريق القدس”. 

والظهور الأول كان يوم 25 أكتوبر من خلال صور جمعته، بالأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، خلال اجتماع تنسيقي، ولم يخرج عنه للإعلام أي مقررات أو توجهات، ما زاد من حالة الترقب.

كل تلك المعطيات، وضعت ظهور هذه المقاطع المصورة في الأيام الماضية  على هامش تطورات الحرب، الحديث الشاغل للرأي العام في لبنان وخارجه. 

وقد يكون ذلك جزءا من هدف حزب الله، الذي يضع غياب زعيمه عن الإعلام في إطار استراتيجيته الإعلامية، وفق ما يراه النائب عن كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني، حسن فضل الله، الذي قال في تصريحات إعلامية إن عدم مخاطبة نصرالله للرأي العام بعد، هو “جزء من إدارته لهذه المعركة”.

مقاطع “سينمائية”

وتفتقر معظم اللقطات المبثوثة إلى العفوية، ويبدو نصرالله فيها أقرب إلى ممثل يؤدي دورا ضمن سيناريو مكتوب سلفا.

في الفيديو الأول المنشور لنصرالله في 29 أكتوبر، ومدته 11 ثانية مبطأة، يظهر فيه من الخلف يمر من أمام لوحة تحمل علم حزب الله، فينظر إليها سريعا، ويتابع سيره، لتوضح صورة أخرى انتشرت من المشهد ذاته أنه كان متوجها إلى غرفة اجتماع كتب على مدخلها “غرفة عمليات محور المقاومة”. 

أما الفيديو الثاني الذي انتشر الثلاثاء، 31 أكتوبر، فيظهر نصرالله بلقطات مقربة من يديه ووجهه، ويمر بينها مشهد مجسم لمسجد قبة الصخرة في القدس، إضافة إلى لقطات لميكروفون ونظارات وأوراق وأقلام، يفترض أنها تعود لنصرالله، الذي يبدو في لقطات أخرى يراجع أوراقا بين يديه، غير واضح مضمونها، بشكل مبطأ أيضاً، على طريقة الإعلانات المسبقة “البرومو” للبرامج التلفزيونية.

كما أرفق الفيديو بصوت قراءة لآية قرآنية من سورة الإسراء، تقول: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مفْعُولًا”، الأمر الذي حمّل الفيديو أبعاداً ومقاصد من سياق الآية القرآنية، أبرزها الإشارة إلى احتمالية التصعيد أو الانخراط بالحرب.

وأثارت هذه المشاهد في المقابل موجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن انتقدوا “الأداء التمثيلي” الذي يظهر به نصرالله، والطابع السينمائي الذي يطغى على اللقطات، والذي رأوا فيه بروباغندا واستعراضاً دعائياً لا قيمة له. 

تبنٍ ضمني.. دون تأكيد

اللافت أن تلك الفيديوهات لم تصدر عن القنوات الرسمية لحزب الله، رغم أن بعضها ينشر للمرة الأولى، وإنما عبر قنوات محيطة به، وقريبة منه، كقنوات معروفة على تطبيق “تيليغرام”، أو عبر شخصيات إعلامية ومؤثرين يدورون في فلك التنظيم ووسائل إعلامه. 

إلا أن ذلك، لم يمنع دوائره الإعلامية المقربة من اعتماد هذه الفيديوهات، والترويج لها في سياقٍ تشويقي كنوع من الدعاية السياسية والحربية في توقيتها، بمن فيهم نجله، جواد نصرالله، الذي شارك هذه الفيديوهات عبر صفحته على موقع “إكس”، فضلاً عن نواب لحزب الله وإعلاميين في قنوات رسمية للتنظيم، مثل قناة المنار.

وشاركت إعلامية في قناة المنار مقطع فيديو منها:

وكان الفيديو الأول قد أثار جدلاً واسعاً بين أنصار حزب الله والإعلاميين المقربين منه أنفسهم، كونه غير صادر بصورة رسمية، ما أثار تشكيكا وتساؤلات وفرضيات، كان أبرزها انتشار مقطع صوتي مسجل، يدعي فيه أحد الأشخاص العاملين في القسم الإعلامي لحزب الله، أنه هو المسؤول عن تسريب هذا الفيديو المصور قبل عام، بمبادرة فردية. 

إلا أنه سرعان ما جرى التخلي عن هذه الرواية بعد تبني المنظومة الإعلامية لحزب الله هذا الفيديو وتناقله وترويجه من جانب شخصيات رسمية في التنظيم وإعادة استخدامه في إصدار رسمي جديد لـ”الإعلام الحربي” التابع لحزب الله، مع الترويج لرواية مقابلة، مفادها ألا شيء يصدر من هذا النوع، كفيديو حصري وحديث وغير منشور لزعيم حزب الله في هذا التوقيت، دون أن يكون ذلك “مقصوداً”.

وفي هذا السياق يؤكد مؤسس شركة “influeanswers” للأبحاث، رالف بيضون، أن حزب الله ورغم كونه لم ينشر الفيديو عبر قنواته الرسمية، إلا أنه تبناه بإعادة نشره والترويج له عبر المجموعات المحسوبة عليه، وكان هناك إقرار من ناحية حزب الله بأنه مصدر بث هذا الفيديو. 

ويضيف الخبير باستراتيجيات التواصل والحملات الإعلامية في حديثه لموقع “الحرة” أن انتشار المقطع الصوتي الذي حاول سحب الصفة الرسمية عن الفيديو والقول بأنه قديم، يأتي أيضاً في سياق استراتيجية “الغموض البناء”، أي أن يبث حزب الله هذا الفيديو عبر القنوات المحيطة به، ويبقى قادراً على رفع المسؤولية عنه بكونه لم يصدر عبر قنواته الرسمية، ليبقى التبني عبر القنوات غير الرسمية، على طريقة “نعترف ولا نعترف”. 

وأظهر تدقيق أجراه موقع “الحرة” أن المصدر الأول للفيديو يعود لقناة على تطبيق “تيليغرام”، تحمل اسم نصرالله، يعود تاريخ افتتاحها إلى عام 2018 وتحظى بمتابعة أكثر من 16 ألف شخص، وتعنى وفق ما تعلن “بحفظ ونشر آثار الأمين العام لحزب الله”، من خلال توثيق ونشر المقاطع والصور النادرة والحصرية الخاصة به. 

أحدث الفيديوهات.. قديم

موقع “الحرة” دقق أيضا في الفيديو الثاني وهو أحدث الفيديوهات المنشور الثلاثاء، حيث أظهر تحليل اللقطات أنها لا تعود لجلسة تصوير واحدة، وإنما ملتقطة في أكثر من مكان، وهو ما يتبين من خلال اختلاف لون الزي الذي يلبسه نصرالله بين اللقطات.

وفي مراجعة لمصدر اللقطات المستخدمة في الفيديو وتاريخ نشرها، تبين أنها مصورة في مناسبات مختلفة ومنشورة على مراحل متفاوتة منذ 3 سنوات إلى ما قبل شهر من اليوم، عبر قناة على موقع يوتيوب، تحمل الاسم ذاته لقناة تيليغرام التي نشرت الفيديو الأول، والتي تنشر مشاهد من كواليس خطابات نصرالله التي يجري بثها. 

وهو ما من شأنه أن يُفقد هذا الفيديو أي ارتباط فعلي، جرى الحديث عنه بين المشاهد الواردة في الفيديو وحركة نصرالله فيه، وبين التطورات الجديدة المرتبطة بالحرب ومخططات حزب الله، إلا في مخيّلة من قام بإعداد هذا الفيديو وتجميع لقطاته، لنشره في هذا التوقيت. 

ويثير استخدام مقاطع قديمة لنصرالله السؤال عما إذا كان ظهوره القادم سيحمل أي جديد.

إثارة وتشويق

الأكيد، بالنسبة لبيضون، أن هذه الفيديوهات معدة للاستهلاك في الداخل اللبناني “أكثر من الخارج”، معتبرا أنها ليست سوى جزء من البروباغندا الإعلامية لحزب الله، والتي “بدأت منذ الثامن من أكتوبر، عبر بث فيديوهات الضربات العسكرية التي وجهها للمواقع الإسرائيلية، ثم تابع بنشر مشاهد من كل عملياته ومعلومات عامة حول أهدافه”. 

ويرى الخبير باستراتيجيات التواصل والحملات الإعلامية أن إعلان حزب الله عن قتلاه بأسمائهم ومناطقهم ونشر صورهم هو أيضاً جزء من البروباغندا، “لاسيما إذا ما قورن بالحرب السورية مثلا، حيث انتهج حزب الله التعتيم الإعلامي الكامل على خسائره في الأشهر السبعة الأولى”. 

ويلفت بيضون إلى أن حزب الله قام في سبيل ذلك بإنشاء قناة تيليغرام خاصة بوسائل الإعلام الأجنبية، للإعلان فقط عن قتلاه، أسماها “شهداء حزب الله”، ينشر عليها كل يوم الحصيلة الجديدة، “وذلك لكي يقول إعلامياً للعالم وللفلسطينيين ولحماس ولإسرائيل أنه منخرط في هذه الحرب، ولكن في الوقت ذاته غير منخرط، ويحقق ذلك باستراتيجية الغموض التي يعتمدها ويوجهها لأهداف داخلية”. 

وفي نفس السياق، تأتي هذه الفيديوهات السابقة لخطاب نصرالله المقرر الجمعة، بحسب بيضون، الذي يرى أنها “تحمل المنطق الإعلامي ذاته، حيث تمهد لكلام نصرالله وتحضر الجمهور عبر الإثارة والتشويق، المرتكز على الغموض، بحيث لا يتبنونه، ولكن يستخدمونه في إيصال رسائل متوقعة من كلام نصرالله”. 

الهدف “تحقق”

من جهته، يرى الإعلامي والمحلل السياسي المقرب من حزب الله، فيصل عبد الساتر، أن “بيت القصيد لا يكمن في تاريخ تصوير الفيديو أو إذا ما صدر عن جهة رسمية في حزب الله أم انتشر بصورة عفوية، وإنما في حجم وسرعة انتشاره والاهتمام الإعلامي الكبير الذي حصّله”. 

ويضيف عبد الساتر أن ما يهمه، كمقرب من دوائر حزب الله، “هو الكلام الكبير الذي خرج على الإعلام العبري وعلى لسان المسؤولين الإسرائيليين عموماً والاهتمام الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، بهذه الثواني المعدودة، التي تمكن خلالها نصرالله من اقتحام كل الساحات الإعلامية والسياسية”.  

وإذ يضع المحلل السياسي فيديو نصرالله في إطار الحرب النفسية، يتابع “سواء كان نشر الفيديو متعمداً، وهذا وارد، أو عفوياً، إلا أن تسريبه جرى بطريقة محترفة وحقق الغاية (المرجوّة) منه، وكان مادة إعلامية حقيقية ضمن إطار الحرب النفسية لإشغال إسرائيل”. 

وعن موقف حزب الله من الفيديوهات، وما إذا ما كانت موضع قبول أو انتقاد، يؤكد عبد الساتر أن “الكل يرى الوجهين في هذه المقاطع، وهذا انقسام طبيعي، قد يكون في ذلك استراتيجية إعلامية معتمدة، أو اجتهادات من مجموعات وأفراد يرون فيه سلاحاً استراتيجياً جائزاً في هذا الوقت، فيما يرى آخرون فيه استعراضاً، لجس النبض، فيما المرحلة تحتاج لحرفية ومهنية أكبر”.

ويخلص إلى أن “حزب الله ليس منهمكاً الآن بهذا الأمر، هذه الفيديوهات انتشرت ولا معنى لبحث من يقف وراءها، وإنما مفاعيلها الإعلامية، في سياق الحرب النفسية”. 

واقع يؤكده بيضون من جهته، إذ يرى أن الناس “لن يطلعوا على حقيقة الفيديوهات هذه، حتى لو خرج حزب الله لاحقاً وكذب هذه الفيديوهات”، لافتاً إلى مقولة مفادها أن “الكذبة تأتي ركضاً، فيما الحقيقة تصل وهي تعرج خلفها”. 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *