خلال تسعينيات القرن الماضي، كان وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر، يهدد بترك “القطة الميتة” أمام الطرف الذي يتمرد خلال المفاوضات، وذلك في جولاته لحل النزاع في منطقة الشرق الأوسط، وبمعنى آخر أنه سيلقي بمسؤولية الفشل على عاتق هذا الطرف، وفق ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وحينما أعلنت حركة حماس الفلسطينية قبل أيام أنها وافقت على مقترح الهدنة المصري القطري، كانت على ما يبدو محاولة منها لإلقاء الكرة في ملعب إسرائيل وتحميلها مسؤولية إفشال المفاوضات، لكن قررت الأخيرة بدء عملية في رفح، وإن كانت حتى الآن محدودة، شرقي المدينة المكتظة بالمدنيين.
وقالت الحكومة الإسرائيلية إن مقترح الهدنة الذي وافقت عليه حماس “بعيد عن أهدافها”، حيث يهدف إلى وقف إطلاق نار دائم، مما يمنعها من مساعيها لـ “القضاء على حماس”، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
من جانبه قال، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في إفادة صحفية، الثلاثاء: “دعوني أوضح أمرا واحدا وهو أن حماس لم تقبل بمقترح وقف إطلاق النار، حماس استجابت وحمل ردهم اقتراحات عدة، وهو ليس مساويا للقبول”.
وأضاف “هذا البيان الذي أصدر أمس (يوم الاثنين الموافق 6 مايو)، وتم تداوله على نطاق واسع، ولا ألقي باللوم على من نقله، فهو ما ذكره البيان، (لكنه) لا يعكس بدقة ما حدث. هم (حماس) استجابوا كما يفعل الأشخاص (عادة) في إجراءات المفاوضات، لكنه لم يكن قبولا به”.
من يتحمل المسؤولية؟
قال تحليل لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن ما يحث في الشرق الأوسط حاليا هو ربما ما كان عليه الوضع قبل 3 عقود، حينما كان بيكر يخوض جولاته في المنطقة.
وخاض بيكر جولات مكوكية في الشرق الأوسط مطلع التسعينيات للوصول إلى حل لإنهاء الصراع، وبالفعل نجح في عقد مؤتمر مدريد عام 1991، وسعى بلا كلل إلى جمع الإسرائيليين والعرب معاً. وعلى الرغم من أنه لم يحقق اتفاقية سلام رئيسية في الشرق الأوسط، فإنه أرسى الأسس وإثبات المفهوم لمفاوضات مستقبلية، وفق تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما يحدث من تطورات في قطاع غزة حاليا، “يهدف كل طرف منه، ولو جزئيا، إلى اكتساب ميزة إضافية على طاولة المفاوضات، والتهرب من المسؤولية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، مما يقود في النهاية إلى استمرار الحرب” المتواصلة منذ أكثر من 7 أشهر.
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.. على ماذا الخلاف الآن؟
كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ” عن وجود “العديد من النقاط الشائكة” بين إسرائيل وحماس قبل التوصل لاتفاق يفضي لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مقابل سجناء فلسطينيين.
ولفتت الصحيفة إلى مقطع فيديو للرهائن نشرته حماس، في محاولة لتذكير العالم بما هو على المحك، وزيادة الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي يواجه بالفعل ضغطا شعبيا كبيرا خلال الأيام الأخيرة، لتأمين صفقة تنهي مأساة الرهائن.
كما يواجه نتانياهو ضغطا من اليمين المتشدد في حكومته، الذي يطالبه بتنفيذ عملية برية شاملة في رفح، التي نزح إليها أكثر من مليون فلسطيني.
أما الرئيس الأميركي، جو بايدن، فقد حجب شحنة أسلحة لإسرائيل، في دليل على التوتر المتزايد بين الحليفين البارزين.
ونقلت “نيويورك تايمز” قول عضو فريق بيكر في التسعينيات، آرون ديفيد ميلر، إن معظم “سلوك حماس وإسرائيل حاليا، يرسم صفحة من دبلوماسية القطة الميتة لبيكر”.
وتابع: “جزء من الدافع (في المفاوضات) ليس الوصول إلى اتفاق، بل إلقاء اللوم على الطرف الآخر لو فشلت.. إن الطرف الوحيد المتعجل فعلا (للتوصل إلى اتفاق) هو بايدن”.
وأشار ميلر إلى أن بايدن “يشعر بالقلق حقا من أن أي توغل كبير لإسرائيل في رفح ومقتل الكثير من الفلسطينيين (هناك) سيجعل أية مفاوضات شبه مستحيلة” في هذه المرحلة.
أكسيوس: تقرير لبلينكن سينتقد إسرائيل لكنه لن يتهمها بانتهاك شروط استخدام الأسلحة
كشف مسؤولون أميركيون لموقع “أكسيوس” أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، سوف يقدم الجمعة تقريرا إلى الكونغرس ينتقد فيه بشدة ممارسات إسرائيل في قطاع غزة.
وذكر مسؤول إسرائيلي كبير، في وقت متأخر الخميس، أن أحدث جولة من المفاوضات غير المباشرة في القاهرة لوقف الأعمال القتالية انتهت، وأن إسرائيل ستمضي قدما في عمليتها في رفح وأجزاء أخرى من القطاع الفلسطيني وفقا للمخطط، بحسب ما نقلته رويترز.
وأضاف المسؤول أن إسرائيل قدمت للوسطاء تحفظاتها على مقترح حركة حماس لاتفاق إطلاق سراح الرهائن.
من جانبها، أعلنت حركة حماس، فجر الجمعة، بعد مغادرة وفدها من مصر حيث تجري المحادثات، أن “الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل” للتوصل إلى اتفاق هدنة في قطاع غزة.
دوافع خفية وخطوط حمراء
وأشار تحليل “نيويورك تايمز” أيضًا إلى أن “اكتشاف الدوافع الخفية والخطوط الحمراء الفعلية، يمكن أن يكون مراوغا حتى للمخضرمين في المنطقة”، مضيفًا أن “جميع اللاعبين الجالسين على طاولة المفاوضات لديهم سياسات داخلية يضعونها في الحسبان، ولا أحد منهم يثق في الآخرين بشكل كامل”.
وقال مايكل كوبلو، من منتدى السياسية الإسرائيلية، للصحيفة: “معظم ما نتابعه حاليا يهدف جزئيا إلى الحصول على ميزة في المفاوضات، لكن بالإجمال يتسبب ذلك في أن يكون الاتفاق بعيد المنال”.
وحسب تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، هذا الأسبوع، من بين النقاط الخلافية بين الجانبين، مطالبة إسرائيل لحماس بإطلاق سراح 33 رهينة على قيد الحياة كجزء من المرحلة الأولى من الصفقة.
بينما تشمل المرحلة الأولى، وفق اقتراح حماس، إطلاق 33 رهينة “أمواتا أو أحياء”، دون تحديد عدد الرهائن الذين سيتم إعادتهم أحياء.
بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح.. مصر “هددت بوقف الوساطة” في مفاوضات الهدنة
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن مصر هددت بالتوقف عن الوساطة في المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس، بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
كذلك، هناك نقطتان إضافيتان يمكن أن تثيرا اعتراضات في إسرائيل، تتمثل الأولى في عدم تمكنها من الاعتراض على أي من السجناء الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم بموجب الصفقة، بما في ذلك أولئك الذين أدينوا بقتل إسرائيليين.
أما النقطة الثانية، فهي أنه ينبغي على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من الطرق المركزية في غزة، مما يسمح للفلسطينيين بالتنقل بحرية بين شمال غزة وجنوبها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أنه سيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الفاصل بين غزة ومصر، بعد ليلة من القصف العنيف على المدينة الواقعة أقصى جنوب القطاع.
وحسب منظمة الصحة العالمية، يصل عدد المقيمين في مدينة رفح إلى نحو 1.2 مليون شخص، نزح غالبيتهم من مناطق أخرى في القطاع جراء الحرب المستمرة منذ 7 أشهر.
وأسفرت الحرب حتى الآن، عن مقتل نحو 35 ألف شخص، معظمهم نساء وأطفال، في قطاع غزة، نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية، وفق السلطات الصحية في القطاع، فيما يقدر عدد الموجودين تحت الأنقاض بالآلاف.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، عندما شنت حركة حماس هجوما على إسرائيل، قتلت خلاله نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، واحتجزت 253 رهينة، وفقا للإحصائيات الإسرائيلية.