في أواخر مارس الماضي، بدأت طائرات ضخمة اعتادت على حمل الجنود والمعدات العسكرية في التحليق فوق غزة، ولكنها هذه المرة كانت تحمل حزما من المساعدات الضرورية لتخفيف معاناة الفلسطينيين.
نُشرت العديد من الصور من داخل الطائرات حيث تظهر وكأنها عملاق حديدي يفتح فكيه، ليكشف عن سماء زرقاء فيما يتصاعد الدخان من العديد من الأبنية المدمرة في قطاع غزة.
ومنذ بدء الحرب بالقطاع في أكتوبر من عام 2023، ومع فرض إسرائيل لحصار مطبق على غزة، تواجه المنظمات غير الحكومية والأممية تحديات كبيرة في إدخال المساعدات عبر المعابر البرية لغزة.
الأزمات الإنسانية التي تسببت بها الحرب في القطاع دفعت دولا عدة إلى “الابتكار” لإيصال المساعدات بطرق غير تقليدية، استخدمت فيها أساليب عسكرية أكان عبر الجو أو البحر.
إسرائيل تكرر في تصريحاتها التزامها بتحسين الوضع الإنساني في غزة، وتتهم مسلحي حركة “حماس” بتعريض المدنيين الفلسطينيين للخطر باستخدامهم دروعا بشرية، فيما تتهم منظمات أممية إسرائيل بوضع عراقيل أمام إدخال المساعدات.
عبر الجو
استخدام الطائرات في إلقاء المساعدات الإنسانية لم يكن شائعا سوى لإيصال المؤن للمناطق التي لا يمكن الوصول إليها عبر البر، حيث كانت تستخدمها القوات العسكرية لإلقاء المؤن في مناطق النزاعات.
ورغم وجود معابر برية توصل إلى غزة، إلا أن المساعدات تدخل بمعدلات بطيئة جدا، ناهيك عن إغلاق المعابر لأشهر عدة.
أول مساعدات وصلت لغزة عبر الجو، كانت في نوفمبر من عام 2023 حيث أسقطت طائرات أردنية مؤنا من أدوية ومستلزمات طبية للمستشفى الميداني في غزة، كانت في حزم حملتها مظلات أُسقطت في مناطق محددة.
وفي فبراير ومارس الماضيين تكثفت عمليات إنزال المساعدات عبر الجو، والتي كانت تنفذها طائرات عسكرية أميركية وأردنية وألمانية وبريطانية ومصرية.
وتضمنت المساعدات مواد غذائية ومستلزمات إغاثية مثل الخيم و”البطانيات” وحتى مستلزمات النظافة الشخصية للنساء والأطفال.
إنزال المساعدات جوا لم يكن كافيا، بل وتسبب في وفيات في بعض الأحيان، وفي أواخر مارس الماضي لقي 18 فلسطينيا حتفهم من بينهم 12 غرقا، فيما كانوا يحاولون الحصول على غذاء أنزل بمظلات إلى القطاع، سقط بعضها في البحر.
وفي 8 مارس، قتل خمسة أشخاص وأصيب عشرة آخرون جراء سقوط طرود مساعدات عليهم بعد أن ألقتها طائرات على مدينة غزة.
خطر المجاعة في غزة.. هل تكفي مساعدات الجو والبحر؟
عبر البر والجو والبحر، تتسارع العديد من الدول لإيصال المساعدات لغزة المحاصرة والتي يعيش فيه أكثر من 2.3 مليون نسمة من السكان، أصبح غالبيتهم على شفا الجوع.
وأكد تقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال أن إرسال المساعدات عبر الطائرات “مكلف وخطير ولا يكفي” لدرء المجاعة.
وشرح التقرير أن طائرة الـ “سي 30” التي تحمل المساعدات كانت تنطلق من الأردن في رحلة تستغرق ساعتين، وتكلف رحلتها التشغيلية حوالي 30 ألف دولار، حيث يتطلب وجود طاقم مكون من تسعة أفراد من ذوي الخبرة، لتحمل 3.2 طن من المواد الغذائية، والتي بالكاد تكفي لإطعام 4000 شخص.
عبر البحر
بسبب الكميات الضئيلة للمساعدات الجوية وطابعها العشوائي وخطورة إلقائها على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية اتجهت الولايات المتحدة إلى فتح ممر بحري بين قبرص وغزة، باستخدام رصيف عائم يمكن للجيش الإسرائيلي تجميعه في البحر.
ومرت المساعدات عبر الرصيف، قادمة من قبرص عن طريق البحر، حيث تم فحصها ووضعها على منصات وتجهيزها للتسليم.
والرصيف العائم هو أحد مكونات نظام “جلوتس” (JLOTS) وهو اختصار لـ ( joint logistics over-the-shore)، الذي وفر مساحة مستقرة لنقل المساعدات إلى سفن أصغر حجما يمكنها الوصول إلى الشاطئ.
وتكون “جلوتس” من ثلاثة أجزاء أساسية: رصيف عائم، جسر بمسارين يمكن ربطه بالشاطئ، وطوله حوالي 550 مترا، مجموعة من سفن الدعم اللوجستي، وبما يتيح استقبال سفن المساعدات ونقلها إلى البر.
واستخدمت الولايات المتحدة نظام “جلوتس” العائم في عدة دول في أوقات الإغاثة والحاجة لتزويدهم بمساعدات إنسانية على مر السنوات الماضية.
انتهت عمليات إنشاء الرصيف مطلع مايو إلا أن الأحوال الجوية لم تسمح بوضعه في الخدمة إلا في 17 مايو.
وبعد تركيبه لم يستطع إيصال المساعدات على الوجه المأمول، إذ كان الطقس أسوأ من المتوقع، فيما كانت المساعدات تتراكم في بعض الأحيان على الشاطئ ولم تكن هناك آلية لإيصالها للمنظمات الإنسانية التي تعمل داخل القطاع.
وأنهى الجيش الأميركي مهمة الرصيف المؤقت، في يوليو الماضي، ليتم تفكيكه وإعادته للولايات المتحدة.
عبر البر
الطريقة التقليدية لإيصال المساعدات لغزة، لطالما كانت تتم عبر البر، حيث يعد معبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع إلى العالم الخارجي غير الخاضع لسيطرة إسرائيل. لكن هذه الأخيرة فرضت رقابة شديدة على عبور الأشخاص والبضائع.
وكررت وكالات الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة تصريحاتهم أن غزة تحتاج حاليا لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها إلى ما بين 500 و600 شاحنة يوميا بما يشمل المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية التي كانت تصل القطاع قبل الحرب. ولكن أعداد الشاحنات التي تدخل تغطي جزءا بسيطا من الاحتياجات.
وبعد إغلاق معبر رفح بعد سيطرة إسرائيل عليه في مايو الماضي، أعادت فتح معبر كرم أبو سالم الحدودي.
مسؤولة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات لغزة
قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الثلاثاء، إن إسرائيل تواصل فرض قيود “غير قانونية” على دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها في قطاع غزة.
ويعبر حاليا نقطة التفتيش ما معدله 250 شاحنة يوميا وفقا لمكتب “كوغات”، وهو رقم أقل بكثير مما يحتاجه السكان.
وتصر إسرائيل على أنها تسمح بدخول ما يكفي من الغذاء لإطعام جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون. وتتهم الأمم المتحدة بعدم توزيع المساعدات المكدسة في الجانب الآخر من نقطة التفتيش بشكل فعال.
وقالت “كوغات” في تغريدة بأواخر سبتمبر من العام الحالي: “ليس هنالك مجاعة في غزة. دخل أكثر من مليون طن من المساعدات إلى غزة منذ بداية الحرب، 70 في المئة منها كانت من المواد الغذائية”.
There is no famine in Gaza.
Over 1 MILLION TONS of aid entered Gaza since the start of the war, 70% was food. pic.twitter.com/hvVLWPfzmR
— COGAT (@cogatonline) September 30, 2024
في المقابل، تتحدث الأمم المتحدة عن “طرق متضررة وانعدام الأمن، وانهيار شبكة القانون والنظام، إضافة إلى القيود المفروضة على دخول غزة والتي تعيق حركة المساعدات من معبر كرم سالم إلى وسط غزة.
وحتى مع عمليات التسليم عن طريق الإنزال الجوي الدولي وعبر البحر والبر، فهي لا تكفي لسد احتياجات النازحين في القطاع.
وفي مؤشر إلى التدهور الكبير للوضع الإنساني، أفاد مسؤول في الهلال الأحمر الفلسطيني، في مارس الماضي، بمقتل عدة أشخاص وإصابة العشرات جراء إطلاق نار وتدافع أثناء توزيع مساعدات في قطاع غزة.
وكان نقل الإمدادات إلى غزة صعبا حتى قبل الحرب، ليصبح مهمة مستحيلة، فيما يواجه أكثر من 1.1 مليون فلسطيني من سكان غزة “انعداما كارثيا للأمن الغذائي” يقترب من المجاعة وفق تقرير “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” الذي صدر في الربع الأول من عام 2024.
وفي يوليو الماضي، اتهم خبراء حقوقيون مستقلون في الأمم المتحدة إسرائيل بتنفيذ “حملة تجويع” في قطاع غزة، مشيرين إلى وفاة عشرات الفلسطينيين بسبب سوء التغذية منذ أكتوبر عام 2023.