لم يستفق أهالي مدينة حمص السورية وسط البلاد من صدمة ما حصل في حي الحمرا قبل أيام، وفي وقت يعيشون حالة من الحداد على أرواح المدنيين الستة الذين قضوا في “القصف الإسرائيلي” حسب رواية النظام يتهامسون فيما بينهم عن حقيقة ما جرى، كما يتحدث البعض لموقع “الحرة”.
وأسفر القصف عن انهيار بناء كامل قبالة الملعب البلدي، ومقتل 4 شبان بداخل شقة وامرأة مسنة تدعى نبيلة رسلان مع ابنها الشاب محمد الحسن الموصلي، وجاء بالتزامن مع ضربات أخرى استهدفت مواقع في محيط حمص وداخل المدينة.
ولم تعلق إسرائيل على الهجوم الذي نسب إليها في سياسة تعتمدها منذ سنوات، وذكر رامي عبد الرحمن مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” لموقع “الحرة” أن الشبان الضحايا هم طلاب جامعيون كانوا يقيمون في قبو البناء.
أما السيدة نبيلة وهي مالكة البناء فقد قضت مع ابنها في الشقة التي يعيشون فيها بالطابق الأول، ويضيف مدير المرصد أن “الطابق الثاني كان مستأجرا من مجموعات تتبع لحزب الله والحرس الثوري، وهم غير سوريين ويقيمون في البناء منذ فترة ليست ببعيدة”.
“بين الحمرا والمزة”
ولم يعرف ما إذا كان البناء المستهدف كان يضم عناصر إيرانيين أو من “حزب الله” بالفعل، ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر من الأخير قوله إن اثنين من العناصر قضوا بضربات إسرائيلية على مدينة حمص، دون أن يحدد الموقع الذي كانوا فيه بشكل دقيق.
بدوره يقول الشاب عبد الكريم مصطفى وهو أحد سكان مدينة حمص لموقع “الحرة” إن الروايات المتقاطعة والأكثر تداولا بين السكان هو أن “القصف الذي استهدف المبنى كان إسرائيلياً”، وأنه “حصل بشكل مركز وكأن البناء كان يضم أهدافاً يراد قتلها”.
مصطفى يشير إلى حالة من التوجس والقلق باتت تخيّم على معظم السكان الذين يقيمون في الأحياء الحيوية، ويوضح أن “الحمرا أو كما يسمى أيضا بشارع الملعب يعتبر من الأحياء الراقية، وكان من رابع المستحيلات أن يتوقع أحد استهداف إحدى أبنيته”.
ولم يسبق وأن وصلت الصواريخ وشظايا الاشتباكات إلى “الحمرا” في حمص، ولاسيما عندما كانت العمليات العسكرية في أوجها في الأحياء القديمة قبل 2014، أو خلال المعارك التي كان يشهدها حي الوعر، حتى تهجير السكان منه في 2017.
وكذلك الأمر بالنسبة لحي المزة فيلات غربية غربي العاصمة دمشق، حيث استهدف “هجوم إسرائيلي” أحد الأبنية فيه قبل أسبوعين، وأسفر عن مقتل 5 ضباط من “الحرس الثوري” الإيراني، حسبما أكد الأخير ومسؤولين إيرانيين.
كما قتل أحد المدنيين جراء الهجوم وأصيب آخرون، كما ذكرت الوكالة الرسمية “سانا”، دون أن تتطرق إلى القتلى من ضباط “الحرس الثوري”.
“التواجد ليس جديدا”
يوضح الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أن “التواجد الإيراني في الأحياء الراقية سواء في حمص أو داخل العاصمة السورية دمشق ليس جديدا”.
ويقول لموقع “الحرة” إن “الجديد هو التحرك الإسرائيلي في ضرب أهداف بعينها بعيدا عن السياسة المتبعة في السابق بضرب مستودعات الأسلحة والصواريخ وطرق الإمداد البرية والجوية”.
شعبان يعتبر أن “قصف بناء كامل داخل حي الحمرا يعتبر لافتا وحدثا كبيرا، لكنه لم يأخذ صدى قياسا كما شهده حي المزة فيلات غربية قبل أسبوعين”.
ويضيف أن “الأحياء الراقية والآمنة في المدن السورية تضم بالفعل حالات فردية ولأشخاص محددين من إيران وحزب الله”، وأن عملية تحديدهم “باتت بدون شك من خلال اختراق”.
ومن المقرر أن يشيّع أهالي حمص السيدة نبيلة مع ابنها الذي كان مقيما في الولايات المتحدة وجاء إلى أمه بغرض الزيارة يوم غد السبت، كما يقول الشاب السوري عبد الكريم.
ويضيف أن الشبان الخمسة الآخرين تم تشييعهم في ثاني أيام الاستهداف، وتحدث عن “حالة حداد وغضب يشوبه التوجس من تكرار هذه الحادثة، ولاسيما مع وجود مستأجرين غرباء داخل المدينة”، دون أن يسميهم.
“الإدانة على الطرفين”
ومنذ سنوات ينسب لإسرائيل الكثير من الضربات الجوية، والتي تستهدف في الغالب ثكنات عسكرية ومستودعات أسلحة، سواء في محيط العاصمة دمشق أو في حمص وسط البلاد وحلب شمالها.
وطالت الضربات أيضا لأكثر من مرة المطارين المدنيين (دمشق وحلب)، حتى جعلتهما خارج الخدمة بالكامل بعد الحرب التي بدأت في غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي.
لكن ضربة البناء في المزة فيلات غربية وما تبعها في حمص وقبلها في حي السيدة زينب عندما قتل القيادي البارز في “الحرس الثوري”، رضي موسوي فتح بابا جديدا للتصعيد داخل المناطق المأهولة بالسكان.
ويقول الصحفي السوري، مختار الإبراهيم لموقع “الحرة” إن “أي تواجد أو تمثيل للإيرانيين بين المدنيين بات مصدر قلق للأهالي في المحافظات السورية”، ويضيف أنهم “باتوا يعتبرون أنفسهم ضحية قصف قد يحصل في أي لحظة”.
الإبراهيم يؤكد أن “الإدانة يجب أن تكون على الطرفين الأول الذي تخفى بين المدنيين والآخر هي إسرائيل التي لا تأبه للضحايا المدنيين”.
ويوضح: “الإيرانيون أصبحوا يستملكون في الأحياء السورية وليس فقط القيام بعمليات الإيجار. هم أشخاص عاديون وليسوا عسكريين لكن سرعان ما يتبين لاحقا أنهم كانوا واجهات للحرس الثوري”.
ويشير مدير “المرصد السوري” إلى “حالة استياء في مدينة حمص”، وأن “الناس أصبحوا يدعون لعدم تأجير الغرباء خوفا من أي استهدافات لاحقة”.
ويقول عبد الرحمن إن “الإيرانيين دائما ما يبحثون عن منطقة آمنة في سوريا لكي لا يتم استهدافهم من جانب إسرائيل”.
“لا يتمتعون برفاهية الاختيار”
ويختلف الباحث السوري والمتابع للتحركات الإيرانية في سوريا ضياء قدور مع الروايات الرسمية وغير الرسمية التي أكدت حصول “قصف إسرائيلي” على حي الحمرا في حمص.
ويرجح في حديث لموقع “الحرة” أن “تكون الضربة ناجمة عن سقوط صاروخ دفاع جوي يتبع للنظام السوري، وسقط في أثناء عملية التصدي للصواريخ على ريف حمص”.
فيما يتعلق بالقصف الأخير على بناء المزة فيلات غربية ورغم أنه الأول وسط دمشق ومنذ عام 2019 يوضح قدور أن “استهدافات سابقة حصلت في كفرسوسة والمزة تدعم أن ما يجري ليس سابقة”.
ومع ذلك يقول قدور إن “الإيرانيين لا يتمتعون برفاهية اختيار المناطق التي ينظر إليها على أنها آمنة في سوريا”.
ويتابع: “ويشعرون في الوقت الحالي بأنهم مكشوفون استخباراتيا، ولذلك يسعون للتواجد على صعيد الخبراء والقيادات الحساسة والمستشارين في أكثر المناطق التي تشكّل لهم حاضنة شعبية”.
ورغم أنهم يسيرون في الاتجاه المذكور سابقا، يعتقد الباحث أن “مشكلة الاختراق الحاصل لم يجد أحد علاجا لها”.
ويشير إلى أن “التقرير الأخير الذي كشف سحب الحرس الثوري لكبار ضباطه من سوريا صحيح”، ويضيف أن “هناك تعديل بالاستراتيجية الإيرانية المتبعة في سوريا، من خلال تقليل بصمة الظهور إلى أدنى حد، مع الاعتماد على الأذرع الأخرى مثل حزب الله والميليشيات الأخرى”.
وكانت 3 مصادر قالت لوكالة “رويترز”، الأسبوع الماضي، إن “الحرس الثوري” أعرب عن مخاوفه للنظام السوري، من أن “تسرب المعلومات من داخل قوات الأمن السورية لعب دورا في الضربات القاتلة الأخيرة”.
لكن على المستوى الرسمي سواء في إيران أو سوريا لم يصدر تعليقات من هذا القبيل، رغم أن وسائل إعلام إيرانية أثارت ذلك بعد مقتل قادة “الحرس الثوري” في منطقة المزة فيلات غربية، قبل أسبوعين.
ويعتقد العقيد المنشق عن جيش النظام السوري، إسماعيل أيوب أن “الأحياء الحيوية والراقية التي يتم استهدافها تشهد بالفعل وجود عناصر إيرانيين أو تابعين لحزب الله”.
ويقول لموقع “الحرة” إن “من يكشفهم العملاء الموجودون بينهم. هؤلاء يقدموا على إيصال المعلومات دون الأخذ بالاعتبار وجود المدنيين”.
ويعتبر الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط أن “حزب الله وإيران لطالما كانوا يستهدفون الجمال في المدن والأحياء، وأكبر مثال على ذلك ما حصل للعاصمة اللبنانية بيروت”.
ويقول لموقع “الحرة”: “الأحياء الراقية داخل سوريا يتوجهون إليها نظرا للخدمات الموجودة فيها قياسا بباقي الأحياء”، إضافة إلى “كونها أماكن مريحة وبعيدة عن الشبهات”.
ماذا يقول القانون الدولي؟
ويهدف القانون الدولي الإنساني إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة، ومن هم خارج دائرة المعارك في أثناء هذه النزاعات، كما يقيّد حق أطراف النزاع في استخدام القوة العسكرية لحماية الممتلكات المدنية، التي ليست لها صلة مباشرة بالعمليات العسكرية.
كما يمنح القانون الحد الأعلى من الحماية للأفراد في النزاعات المسلحة، وتعد قواعده ملزمة للدول ولأفراد القوات المسلحة على حد سواء، إلا أن هناك كثيرا من الانتهاكات بحق تلك القواعد، بحجة “الضرورة العسكرية”.
وحسب قواعد القانون الدولي الإنساني، هناك ستة مبادئ لتحديد قانونية الضربة العسكرية، هي: التمييز: يميّز أطراف النزاع ما بين المدنيين والمقاتلين وعليهم احترام الأعيان المدنية.
النسبية: يتوجب احترام المدنيين والأعيان المدنية إلى حد أبعد ممكن عند الهجوم على أهداف عسكرية.
الضرورة العسكرية: للأطراف أن تعمل على إضعاف قوة العدو، ولكن أفعالها يجب أن تعكس القوة اللازمة ولكن المعقولة.
عدم التسبب بالمعاناة غير الضرورية: يحظر استخدام الأسلحة والتكتيكات إن كانت تسبب معاناة أو إصابات لا داعي لها.
حسن النوايا: على الأطراف إبداء حسن النوايا في تفسيرها للقانون الدولي الإنساني.
المعاملة الإنسانية وعدم التمييز: يجب أن يعامل جميع الناس بإنسانية ودون تمييز بناء على الجنس أو الجنسية أو العرق أو الدين أو المعتقدات الدينية.