“بينهم عائلة نازحة”.. قتلى وجرحى في غارة على منزل جنوب لبنان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

تجتاح شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار “UNDO The Damage Before It’s Too Late”، “تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان”، تستهدف اللاجئين السوريين، وتطالب اللبنانيين بالاتحاد والتحرك بمسؤولية لتصحيح الوضع بشكل عاجل، بعدما تخطت نسبتهم كما أوردت الـ 40 في المئة من السكان.

الحملة التي أعدتها شركة “Phenomena” للإعلانات، ودعمتها قناة MTV اللبنانية وغرفة التجارة والصناعة والتجارة اللبنانية والمنظمات الاقتصادية اللبنانية ومؤسسة “بيت لبنان العالم” غير الحكومية، لا تقتصر على اللوحات الإعلانية، بل اتخذت من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للترويج لها.

تستند الحملة على أربع مقاطع فيديو، أحدها يسلط الضوء على ولادات اللاجئين من خلال قصة لاجئ قيل إن اسمه إبراهيم لديه سبعة أطفال وزوجته حامل، سيسمي مولوده بشار إن كان ذكرا وأسماء إن كانت فتاة، للإيحاء بأنه مؤيد للنظام، الفيديو يستند على صور مركبة وأصوات مسجلة، “فهي رسائل رمزية مستوحاة من قصص حقيقية نراها يوميا”، كما يقول مدير شركة “Phenomena”، سامي صعب.

شعار الحملة التي تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان

ويشرح صعب في حديث مع موقع “الحرة” أن “الحملة مبادرة شخصية منه، تلقت دعما إعلاميا من دون أي مقابل مادي، كونها حملة وطنية بامتياز تسلط الضوء على موضوع خطير، وهو وجود النازحين السوريين الذين بات عددهم يفوق عدد اللبنانيين، وهي موجهة إلى الأمم المتحدة، لأنها الجهة التي تستطيع حلّ هذه الأزمة. لهذا اخترنا كلمة UNDO ولوّنا UN باللون الأزرق، أما كلمة Damage التي تلفظ باللغة العربية دمج، فللإشارة إلى الخشية من دمج النازحين في لبنان مع اللبنانيين، وما سيترتب عن ذلك ديموغرافيا وإنسانيا واقتصاديا”.

ويشدد أن “الحملة إنسانية إلى أبعد الحدود، لم نتعرّض إلى السوريين بالسوء، بل نعتبرهم ضحايا كما اللبنانيين. وفي أحد الفيديوهات، نشير إلى أن سوريا بلدهم وتحتاج إليهم لإعادة إعمارها كما أن لبنان للبنانيين.”

لكن وفقا لمدير المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، فإن هذه الحملة تعتبر “حملة تحريض واضحة على العنف والكراهية”، ويشير في حديث مع موقع “الحرة” إلى أنها “تستهدف اليوم اللاجئين السوريين، ويمكن في المستقبل أن نشهد حملة مماثلة تستهدف الموظفين، وحتى الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي في حال رُفعت رواتبهم. وعلى الرغم من خطورة الوضع، إلا أن القضاء اللبناني لا يتدخل في مثل هذه القضايا”.

غطاء رسمي؟

استكمالا للحملة، أطلقت وزارة الداخلية، بالتعاون مع مؤسسة “بيت لبنان العالم”، خارطة طريق “لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم،” خلال مؤتمر في المقر العام للمديرية العامة للأمن العام، بحضور وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، وممولو حملة” تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان”.

خلال كلمتها في المؤتمر، اعتبرت رئيسة مؤسسة “بيت لبنان العالم” بتي هندي أن “وجود عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان يشكل تحديا كبيرا للأمن والهوية الوطنية”، وقالت “مقابل كل لبنانيين موجودين في لبنان هناك نازح سوري، ومقابل كل ولادة لطفل لبناني هناك 4 ولادات لأطفال سوريين من دون أوراق ثبوتية، اللبنانيون يزيدون واحد في المئة سنويا، بينما النازحون السوريون يزيدون 4 في المئة سنويا. ووفق هذه النسب، ستتساوى اعداد النازحين السوريين بأعداد اللبنانيين في المستقبل المنظور”.

وأشارت إلى أن “كلفة النزوح المباشرة على لبنان بحدود مليار ونصف مليار سنويا وفق البنك الدولي، فيما الكلفة غير المباشرة 3 مليار دولار أي ما مجموعه 4 مليارات ونصف مليار في السنة، أي خلال 13 سنة تقدر بـ 58 مليار دولار”، وسألت “هل علينا ان نسكت كي لا نُتّهم بالعنصرية”؟ 

لوحات إعلانية للحملة انتشرت في العديد من مناطق لبنان

لوحات إعلانية للحملة انتشرت في العديد من مناطق لبنان

لكن بحسب الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، دلال حرب، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية 795,322 لاجئا، في حين أن عدد سكان لبنان بلغ بحسب موقع Worldometer الإحصائي 5,261,329  نسمة، وذلك بالاستناد إلى بيانات الأمم المتحدة، ما يعني أن عدد اللاجئين السوريين حوالي 15 في المئة من سكان لبنان. 

أما الإعلامي وليد عبود الذي مثّل رئيس مجلس إدارة الـ mtv ميشال المر في المؤتمر، فأكد دعم القناة اللامتناهي لهذه القضية، مشددا أن لبنان ينتمي للبنانيين فقط، وأن الحفاظ على الهوية اللبنانية ليس عنصرية، بل واجب وطني.

أما رئيس الهيئات الاقتصادية، محمد شقير فتطرق إلى الزحف المستمر للمؤسسات التي يقيمها النازحون في مناطق مختلفة من البلاد، مما أدى إلى “توسع الاقتصاد غير الشرعي الذي بات يمثل بين 55 و60 في المئة من حجم الاقتصاد الوطني”، وأن الأمر لا يقتصر فقط على المؤسسات، بل يمتد أيضا إلى سوق العمل، حيث بات “النازحون ينافسون اللبنانيين على فرص العمل”، أما بالنسبة للاقتصاد الوطني “فالخسائر كبيرة وبمليارات الدولارات”.

من جانبه، اعتبر اللواء البيسري أن أزمة النزوح السوري أصبحت مسألة سياسية تتجاذبها الأطراف، مما يعزز الحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية لإدارة هذه الأزمة وحلول مستدامة، وجدد “التزام الأمن العام بمبدأ عدم الإعادة القسرية، وباستئناف إطلاق قوافل العودة الطوعيّة قريبا، مع التأكيد بأن لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء”.

وفي كلمته شدد مولوي على رفضه أن يتهجّر اللبنانيون لعدم إيجادهم فرص عمل في بلدهم وأن يحل مكانهم سوريون وأشخاص من جنسيات أخرى، كما عبّر عن رفضه اتهامات العنصرية، مؤكدا ضرورة وضع خطة عودة واضحة وعلى الاستعداد للتفاوض مع المجتمعين الدولي والعربي لحل هذه المعضلة.

“تشويه وتضليل”

تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام كما تؤكد الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة، مشددة على أن “المسؤولية الحقيقية تكمن في الفساد المتراكم منذ عقود الذي اعتمد كأجندة أساسية من قبل من يصلون إلى الحكم، خاصة من قبل الأحزاب التي حكمت البلاد منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم”.

وتشرح شحادة في حديث مع موقع “الحرة” أن “الوضع الاقتصادي لا يتزامن مع بداية أزمة السوريين وطفرتهم إلى لبنان، بل بالعكس، استدرج وجود هؤلاء أموالا ومنحا كثيرة خلقت فرص عمل وزادت من نسبة الاستهلاك المحلي وشغلت حيزا يصل إلى ربع السوق العقاري.

كلام شحادة تؤكده المتخصصة بالاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور بالقول “منذ عام 2005، حذّر صندوق النقد الدولي لبنان من المخاطر الاقتصادية، في ذلك الوقت، لم يكن هناك لاجئون سوريون، وعلى مدى سنوات أظهر القطاع المصرفي أنه سالم معافى رغم أنه كان خلف الكواليس يعاني من ضغوطات متزايدة، وفي عام 2011، بدأت بوادر الخطر تلوح في الأفق بالتزامن مع اندلاع الحرب في سوريا، لكن لم يعلن عن ذلك صراحة ولم يصبح الخطر جليا للعيان حتى عام 2016”.

ولكن هل يمكن تحميل اللاجئين مسؤولية الانهيار؟ عن ذلك تجيب منصور في حديث مع موقع “الحرة” “بالتأكيد كلا، فالأرقام والنسب تُثبت أن الأزمة الاقتصادية لها أسباب عدة، منها: خلل الميزان التجاري، حيث كانت واردات لبنان أكبر بكثير من صادراته، والفساد المستشري في مختلف القطاعات، وقروض السلطة من المصارف اللبنانية والأجنبية وخاصة بالعملة الأجنبية”.

وتضيف “لا يمكن نفي أن اللاجئين زادوا من حدة الأزمات التي يمر بها لبنان، كونهم يشاركون المواطن اللبناني في كل شيء: في قطاع الكهرباء المأزوم، والبنية التحتية المهترئة، وسوء الخدمات العامة لاسيما في الطبابة، والمدارس غير الكفؤة، وكل ذلك ساهم في تسريع الانهيار”.

تدحرج الأزمات

وعن تسلسل الأزمات في لبنان، يشرح خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي ذلك بالقول “بدأت الأزمة المصرفية في 17 أكتوبر 2019، عندما هجم مودعون على المصارف مطالبين باسترداد ودائعهم، حيث ظهرت بوادر التعثر عن تلبية السحوبات، في حين بدأت الأزمة النقدية في مارس من العام 2020، بعدما اتخذ رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب قرارا بوقف خدمة الدين العام بكل جوانبه”.

أما الأزمة الاقتصادية فسببها وفقا لما يقوله فحيلي لموقع “الحرة” “فشل السلطة السياسية في اتخاذ قرارات لإنقاذ لبنان من تداعيات الأزمتين المصرفية والنقدية، حيث لم تلتفت إلى المؤشرات نتيجة سوء إدارتها للمالية العامة منذ مؤتمر باريس 1 في عام 2001، وما تلاه من مؤتمرات عقدها أصدقاء لبنان لمساعدة هذا البلد، وآخرها مؤتمر سيدر، حيث طلبت الأسرة الدولية إجراء إصلاحات مقابل التمويل، لكن السلطة السياسية في لبنان رفضت القيام بذلك”.

تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان وباتت أزمة اجتماعية خانقة، بحسب فحيلي “فمع تدهور الاقتصاد، ارتفعت نسبة البطالة بشكل ملحوظ نتيجة إغلاق العديد من الشركات، كما ازدادت الضغوطات التضخمية، مما أدى إلى فقدان قيمة الرواتب وازدياد الفقر، وعجزت السلطة السياسية عن تقديم الخدمات العامة، وأكبر دليل على ذلك أنها بحثت تعديل رواتب موظفي القطاع العام، لكن تعديل الرواتب لا يعني بالضرورة تحسينها خاصة مع تفاقم التضخم بشكل يفوق قدرة السلطة على مواكبته”.

وظهر تأثير السوريين على اقتصاد لبنان “في عام 2021 بسبب الدعم الكبير والعشوائي للاستيراد، مما جعلهم يتمتعون بقدرة شرائية أكبر من اللبنانيين، مع العلم أن السوريين يسيطرون على قطاعي البناء والزراعة في لبنان منذ فترة طويلة، والعمالة الجديدة تأتي من أثيوبيا والفلبين وبنغلاديش ومصر”. 

بعد سرد تدحرج الأزمات في لبنان، يسأل خبير المخاطر المصرفية “كيف يمكن تحميل اللاجئين مسؤولية ذلك لاسيما من كانوا يعانون من الاضطهاد في بلدهم، والحقيقة أن سوء إدارة أزمة اللاجئين من قبل السلطات اللبنانية خلق هذه الضبابية وأفسح المجال للاستغلال السياسي، وبعض الأحزاب حققت مكاسب على حساب المواطنين اللبنانيين أو اللاجئين السوريين”.

نتائج عُنفيّة

يقسّم فحيلي، السوريين في لبنان إلى مجموعتين رئيسيتين “أولها اللاجئون الذين هربوا من بلدهم بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل النظام، حيث يُعرفون بحسب المنطقة التي قدموا منها”.

والثانية “من جاؤوا إلى لبنان بحثا عن فرص اقتصادية أفضل وللاستفادة من المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، خاصة الأوروبية، حيث تسعى هذه الدول إلى إبقاء اللاجئين في لبنان، خشية من تفاقم أزمة اللاجئين لديها، لاسيما مع صعوبات تأقلمهم مع المجتمعات الأوروبية بالطريقة التي يريدها الأوروبيون، ومن هنا تقدم إليهم مساعدات مالية للحؤول دون طرقهم أبوابها”.

أيا يكن، يجب أن تضافر الجهود كما يرى صعب “لإيجاد حلّ مشرف، إنساني وقانوني، لملف النازحين، فمن يجب أن يعود إلى وطنه عليه القيام بذلك، ومن لا يمكنه العودة كون لديه حالة معينة يجب إيجاد حل له، لأن الوضع أصبح خطيرا. أعداد النازحين ترتفع بشكل كبير وهناك ولادات من دون تسجيل. لبنان بلد منهار سياسيا واقتصاديا ولا يحتمل كل هذه الأعباء، أولادنا يهاجرون وعدد كبير من النازحين موجودون بطريقة غير شرعية”.

أما الأسمر فيشدد أن “المقاربات التحريضية وتحميل الآخرين مسؤولية الأزمات لا يؤديان سوى إلى زيادة العنف والصراعات، والمؤسف أن هناك أشخاصا سيصدّقون الحملة وسيقدمون على ارتكاب جرائم، في حين أن من يقفون خلفها لن يتحملوا أي مسؤولية عن ذلك”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *