تقترب معركة مؤسس موقع “ويكيليكس”، جوليان أسانج، لتجنب مواجهة تهم التجسس في الولايات المتحدة، من نهايتها، بعد ملحمة قانونية مطولة في المملكة المتحدة شملت سبع سنوات من المنفى الاختياري داخل سفارة أجنبية وخمس سنوات في السجن.
ويواجه أسانج “ما يمكن أن تكون جلسة الاستماع الأخيرة في المحكمة في لندن”، وفق وكالة أسوشيتد برس، بدءا من الثلاثاء، حيث يسعى لوقف قرار تسليمه إلى الولايات المتحدة.
وقد حددت المحكمة العليا يومين من المرافعات حول ما إذا كان بإمكان أسانج أن يطلب من محكمة الاستئناف منع نقله.
وإذا لم تسمح المحكمة بالمضي قدما في الاستئناف، فقد يتم تسليمه.
وتقول زوجته إن القرار هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لأسانج، الذي تدهورت صحته خلال فترة احتجازه.
وقالت ستيلا أسانج، الخميس: “حياته معرضة للخطر في كل يوم يقضيه في السجن.. إذا تم تسليمه فسوف يموت”
ما هي التهمة الموجهة إلى أسانج؟
وجهت الولايات المتحدة لأسانج (52 عاما)، وهو خبير كمبيوتر أسترالي، 18 تهمة تتعلق بنشر “ويكيليكس” لمئات الآلاف من الوثائق السرية في عام 2010.
ويقول ممثلو الادعاء إنه تآمر مع محللة استخبارات الجيش الأميركي، تشيلسي مانينغ، لاختراق جهاز كمبيوتر في البنتاغون، ونشر برقيات دبلوماسية سرية وملفات عسكرية حول الحربين في العراق وأفغانستان.
ويواجه الرجل 17 تهمة تجسس، وتهمة واحدة تتعلق بإساءة استخدام الكمبيوتر.
ويقول محاموه إنه في حالة إدانته قد يحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى 175 عاما، على الرغم من أن السلطات الأميركية قالت إن أي عقوبة من المرجح أن تكون أقل من ذلك بكثير.
ويقول أسانج ومؤيدوه، إنه تصرف كصحفي لفضح الأخطاء العسكرية الأميركية وأنه محمي بموجب حريات الصحافة التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي.
ومن بين الملفات التي نشرتها ويكيليكس مقطع فيديو لهجوم بطائرة هليكوبتر من طراز أباتشي عام 2007 شنته القوات الأميركية في بغداد أسفر عن مقتل 11 شخصا، من بينهم صحفيان من رويترز.
وقالت ستيلا أسانج: “تم اتهام جوليان بتلقي وحيازة وتوصيل معلومات إلى الجماهير حول أدلة على جرائم حرب ارتكبتها الحكومة الأميركية” وتابعت “الإبلاغ عن جريمة ليس جريمة على الإطلاق”.
ويقول محامون أميركيون إن أسانج مذنب بمحاولة اختراق جهاز كمبيوتر تابع للبنتاغون، وإن منشورات ويكيليكس خلقت “خطرا جسيما ووشيكا” على مصادر المخابرات الأميركية في أفغانستان والعراق.
لماذا تأخرت القضية كل هذا الوقت؟
في حين لم يتم الكشف عن القضية الجنائية الأميركية ضد أسانج إلا في عام 2019، إلا أن حريته مقيدة لأكثر من اثنتي عشرة سنة.
ولجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور في لندن عام 2012 وحصل على حق اللجوء السياسي بعد أن قضت محاكم في إنكلترا بوجوب تسليمه إلى السويد كجزء من تحقيق يتعلق بقضية اغتصاب.
واعتقلته الشرطة البريطانية بعد أن سحبت حكومة الإكوادور وضع اللجوء الخاص به في عام 2019.
على الرغم من أن السويد أسقطت تحقيقاتها في الجرائم الجنسية، ظل أسانج في سجن “بيلمارش” شديد الحراسة في لندن، بينما تستمر معركة التسليم مع الولايات المتحدة.
وفي البداية، منع قاضٍ في لندن نقل أسانج إلى الولايات المتحدة على أساس أنه من المحتمل أن يقتل نفسه إذا احتُجز في ظروف سجن أميركية قاسية.
لكن المحاكم اللاحقة مهدت الطريق لهذه الخطوة بعد أن قدمت السلطات الأميركية تأكيدات بأنه لن يتعرض لمعاملة قاسية، والتي قال محاموه إنها ستعرض صحته الجسدية والعقلية للخطر.
وانتقدت ستيلا أسانج، ومؤيدو زوجها تلك التأكيدات. ووصفوها بأنها “لا معنى لها”.
النتائج المحتملة من جلسة الاستماع
في حال رفضت محكمة لندن طلب أسانج بالاستئناف، فمن الممكن تسليمه إلى الولايات المتحدة بمجرد موافقة المسؤولين البريطانيين على ترحيله.
ويخطط فريقه القانوني لاستئناف أي حكم سلبي أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنهم يخشون احتمال نقله قبل أن تتمكن المحكمة التي مقرها في ستراسبورغ بفرنسا من وقف ترحيله.
وإذا فاز في جلسة الاستماع هذا الأسبوع، فسيمهد ذلك الطريق لعملية استئناف من المرجح أن تؤدي إلى إطالة أمد القضية.
وقال كريستين هرافنسون، رئيس تحرير ويكيليكس: “لقد اتسم هذا الإجراء بأطر زمنية طويلة وزاحفة”. وتابع “من الواضح أنها محاولة متعمدة لإرهاقه”.
وبينما رفضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة التماس أسانج، قائلة إنه لم يثر “نقطة قانونية قابلة للنقاش”، قالت زوجته إن عرضه الجديد سيثير عدة نقاط تشكل أساسًا للاستئناف.
ويخطط محامو أسانج للدفع بأنه لا يستطيع الحصول على محاكمة عادلة في الولايات المتحدة، وأن المعاهدة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحظر تسليم المجرمين في الجرائم السياسية، وأن جريمة التجسس لم يكن المقصود منها أن تنطبق على الناشرين.
وكتبت ستيلا أسانج على موقع إكس (تويتر سابقا) “لم يكن واضعو قانون التجسس يقصدون أن يقع الناشرون ضمن نطاقه”.
وتابعت “أظهرت أدلة الخبراء التي لا يمكن دحضها أن تلقي أسرار الدولة ونشرها أمر روتيني، وأن هناك ممارسة متواصلة لعدم الملاحقة القضائية” للناشرين.
حالته الصحية والعقلية
وقالت ستيلا أسانج إن الصحة العقلية والجسدية لزوجها تدهورت بشكل كبير وأنه يتقدم في السن قبل الأوان في السجن.
وأصيب اسانج بسكتة دماغية صغيرة في أكتوبر 2021 وكان مريضًا جدًا في ديسمبر لدرجة أنه أصيب بكسر في أحد الأضلاع بسبب السعال.
وقالت زوجته في في الصدد: “أشعر بالقلق عليه في كل مرة يمرض فيها.. الخسائر العقلية فادحة”.
وتزوجت ستيلا جوليان في سجن بيلمارش قبل عامين تقريبًا، ولديهما ولدان صغيران، غابرييل وماكس، أنجباهما أثناء إقامة أسانج في السفارة.
وقالت ستيلا إن طفليهما يزوران والدهما في السجن كل أسبوع، ويخضعان لفحوصات أمنية تشمل التفتيش من قبل الحراس وبواسطة الكلاب أيضا.
ولم يتم إخبارهما عن سبب وجود والدهما خلف القضبان، وفقًا لأمهما.
وقالت “لا أعتقد أنه من العدل بالنسبة لهما أن يعرفا ما يحدث بالفعل.. إنهما يعرفان بالضبط ما هو السجن. إنهما يعلمان أن الحراس يمنعون جوليان من مغادرة السجن رغم أنه يريد العودة إلى المنزل”.