رغم مرور عام على فاجعة الزلزال المدمر الذي ضرب أجزاء كبيرة من تركيا، ما زالت الكثير من العائلات بانتظار العثور على جثث الأحباء الذين قضوا تحت الأنقاض، وذلك ليتنسى دفنهم في قبور يمكن زيارتها وسكب عبرات الحزن عليها.
وفي 6 فبراير، ضرب زلزال عنيف بلغت قوته 7,8 درجات مناطق شاسعة جنوبي تركيا، مما أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص.
وضرب الزلزال المدمر 11 محافظة تركية، وتسبب في تضرر حوالي 14 مليون شخص، أي سدس سكان البلاد، وأدى إلى انهيار 214 ألف مبنى، عدد كبير منها في محافظات كهرمان مرعش وهاتاي.
حقيقة صورة الرجل الناجي من زلزال تركيا وسوريا
تنتشر منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي صورة يدعي ناشروها أنها لناج أخرج من تحت الأنقاض بعد ثلاثة أشهر من الزلزال الذي ضرب في 6 فبراير الماضي جنوب تركيا وشمال سوريا. إلا أن هذه الصورة ملتقطة قبل نحو ثماني سنوات وتعود لرجل سوري مصاب بمرض الصدفيّة الجلدي.
وأجبر الزلزال 3,3 مليون شخص على مغادرة مناطقهم، حيث أقام أكثر من 1,4 مليون شخص في خيام وحوالي 46 ألفا في حاويات، فيما استقر الباقون في مهاجع ودور ضيافة، وفقا للأرقام الرسمية.
وفي حديثها لصحيفة “إنبدندنت” البريطانية، تقول سونا أوزتورك (56 عاما)، إنها ما زالت بانتظار العثور على جثة ابنتها توغبا، وحفيديها، محمد عاكف الذي قضى عن عمر 8 أشهر، ومصطفى كمال الذي كان يبلغ من العمر 3 أعوام عندما قتل بالزلزال.
وقالت سونا المقيمة في بلدة أكساراي بوسط الأناضول: “كانت توغبا شخصاً متسامحاً للغاية، وكانت سعيدة للغاية لكونها أماً.. الآن لم يتبق منها سوى الذكريات وبعض الصور”.
وتوغبا، التي رحلت عن عمر ناهز 36 عامًا، وطفلاها، هم من بين ما لا يقل عن 145 تركياً تم تحديد هوياتهم وإعلانهم مفقودين جراء تلك الزلازل المدمرة التي وقعت قبل عام.
ويقول نشطاء إن العدد الإجمالي للمفقودين قد يكون أعلى بكثير من الأرقام المسجلة، ويشمل اللاجئين السوريين وغيرهم من الأجانب، إلى جانب المفقودين من الأتراك.
وتقول أوزتورك: “أقضي الكثير من الوقت في البكاء. أفتقد ابنتي وأحفادي كثيراً، إذ لم يعد هناك أي معنى لحياتي بعد الآن”.
وكان الكثير من الضحايا قد فقدوا خلال ساعات الفوضى التي أعقبت الزلازل مباشرة، حيث تم نقل الكثير من الناجين إلى المستشفيات البعيدة، والضحايا إلى مواقع دفن نائية دون علم عائلاتهم، وذلك بحسب عضوة البرلمان، نرمين يلدريم كارا، التي تقود حملة لدعم عائلات المفقودين.
وتوضح يلدريم كارا: “أولئك الذين بحثوا بين الأنقاض عن أفراد عائلاتهم لم يتمكنوا من معرفة المستشفى الذي تم نقل أقاربهم إليه.. وفي هذه الحالة، اختفى العديد من المواطنين ولا يمكن العثور عليهم”.
“تجاوزات جسيمة” خلال حالة الطوارئ في تركيا بعد الزلزال
قالت منظمتا العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، في تقرير، الأربعاء، إن مسؤولي إنفاذ القانون في تركيا من الذين أرسلوا إلى المنطقة التي هزها زلزال 6 فبراير 2023 “ضربوا وعذّبوا وأساءوا معاملة الأشخاص الذين يشتبه في ارتكابهم أعمال سرقة ونهب”.
“لعنة المجمع الفاخر”
وكانت توغبا قد تركت عائلتها وانتقلت إلى أنطاكيا قبل 5 سنوات، حيث عملت كمعلمة للأطفال المعاقين، قبل أن تتزوج من رجل نجا من الزلزال، لكنه لا يزال حزينًا جدًا لدرجة أنه لا يستطيع أن يروي مأساته، وفق الصحيفة البريطانية.
وعاشت أسرة تلك المدرّسة في المبنى رقم A2 بمجمع “رينيسانس ريزيدنس” الفاخر، الذي أصبح انهياره رمزا لفشل البناء المرتبط بالزلزال والخسائر الفادحة في الأرواح الناجمة عن معايير البناء الحالية.
ويقول ياسين، شقيق توغبا: “عندما تم الانتهاء من تشييد ذلك المبنى السكني، قيل إنه هبة من السماء.. وكان كان هناك حفل افتتاح كبير، حيث جاء المسؤولون الحكوميون لقص الشريط.. الجميع أخبرنا أن الوضع آمن هناك”.
وكانت النيران قد اشتعلت في المبنى أثناء انهياره، حيث يعتقد ياسين أن أخته وأبناءها حوصروا في الحريق.
وعلى الرغم من أن موقع الإقامة جرى تطهيره بالكامل من الأنقاض، فإنه لم يتم العثور على جثث توغبا وأطفالها.
وفي مأساة أخرى، فقدت سيما وزوجها، إركان جوليك، ابنهما باتوهان (25 عامًا)، عندما انهارت شقته السكنية الواقعة على مشارف مدينة إسكندرون الساحلية في محافظة هاتاي، حيث تم تطهير المنطقة بأكملها من الأنقاض دون أن يتمكن رجال الإنقاذ من انتشال جثته.
وبحسب شاهد عيان اتصل بالعائلة بعد رؤية صورة باتوهان على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الابن كان قد خرج من الحطام في حالة صدمة، لكنه بعد ذلك استقل سيارة مدنية بيضاء واختفت أخباره بعدها.
أما آيتن تونجر، التي فُقدت شقيقتها نسرين (40 عاماً)، بعد انهيار منزلها في وسط مدينة أنطاكيا، فتقول: “لم نتلق الدعم اللازم حتى الآن.. وكأنهم يرون أن المصيبة لم تقع”.
ورفض البرلمان التركي، الشهر الماضي، محاولة تشكيل لجنة للتحقيق في مصير المفقودين، في حين تقول العائلات إن ذلك كان سيشكل “خطوة مهمة” في زيادة الضغط على مكاتب الادعاء في جميع أنحاء منطقة الكارثة، لتسريع وتيرة استخراج الجثث المدفونة التي لم يجر التعرف عليها، ومن ثم جمع عينات الحمض النووي لمطابقتها المحتملة مع الأقارب.
وفي هذا الصدد، توضح سيما: “لقد فقدت الثقة في السلطات.. أنا غاضبة وحزينة. فحتى لو لم يتمكنوا من العثور على ابني، على الأقل أريد أن أشعر أنهم يدعموننا، لكنهم لم يظهروا أي دعم أو تعاطف”.
كما تطالب يلدريم كارا، التي تمثل أكبر حزب معارض في ولاية هاتاي، بمزيد من العمل من قبل مكاتب المدعين العامين في مناطق الكارثة.
وتقول: “في هذه المرحلة، يجب زيادة مطابقة الحمض النووي واستخراج الجثث من القبور.. المطلب الأكبر للعائلات هو أن تبذل السلطات المزيد من الجهود لضمان المطابقة”.
ولم يستجب مكتب المدعي العام في مقاطعة هاتاي ووزارة العدل التركية لطلبات التعليق على عدد الأشخاص المفقودين الذين تم التعرف عليهم بنجاح، من خلال مطابقة الحمض النووي.
وقال مسؤول كبير من هاتاي لوسائل الإعلام التركية الأسبوع الماضي، إن الحمض النووي المأخوذ من 193 جثة مستخرجة لم يتطابق مع الأفراد الأحياء، وحث العائلات على تقديم عينات من حمضهم.
ومن بين أولئك الذين عثروا على أقاربهم المفقودين، سيما يلماز، التي لقيت شقيقتها خيرية ديلي (43 عاماً)، حتفها في الزلزال مع زوجها وأطفالهما الثلاثة في مدينة كهرمان ماراس.
وتمكنت تلك السيدة من العثور على جثة أختها في أواخر أبريل، أي بعد مرور نحو 3 أشهر على وقوع الكارثة. وتعليقا على ذلك قالت: “عندما تطابق الحمض النووي لأختي، بكيت وضحكت في نفس الوقت لأنه أصبح يوجد قبر لها” (لتزوره العائلة).