بسطور.. أبرز المصطلحات القانونية المتعلقة بالنزاع في غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

“الوضع هنا صعب جدا، هناك وباء كامل، المكان ملوث للغاية، فيما يقطن نحو 70 شخصا في غرفة واحدة، معظمهم أطفال، لدي 8 أفراد من أسرتي هنا، نصف أولادي أصيبوا بأمراض شديدة وإسهال وسحايا”.

هكذا تصف سميرة الجليس، وهي مستشارة قانونية لدى وزارة العدل الفلسطينية، المعاناة التي تعيشها مع أسرتها في جنوب غزة، بعدما اضطرت للنزوح من مدينة غزة إلى وسط القطاع، ثم إلى مراكز الإيواء جنوباً، هرباً من القصف والحرب، لتجد نفسها أمام خطر التعرض للتسمم والتلوث وانتشار الأوبئة.

تشير سميرة في حديثها لموقع “الحرة” إلى أن المشكلة الرئيسية والحقيقية “تكمن في الحمامات، مشكلة فظيعة جدا وتلوث كبير”، بعد ذلك تأتي أزمة توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدام.

وتضيف “لا أتحدث عن نفسي فقط هنا، أتحدث عن عموم النازحين إلى هذه المنطقة”، تقول سميرة، لافتةً إلى أن كل النساء والأطفال من كافة الأعمار يعانون من الأوضاع ذاتها، “كلهم اليوم فقدوا الكثير من وزنهم، بسبب سوء التغذية، يعانون التسمم الدائم بسبب المياه الملوثة وانعدام المياه المعدنية”.

حتى الغرف التي يعيش فيها النازحون وضعها “سيء للغاية”، بحسب سميرة، “نعاني جدا مع الغسيل، نفتقر مواد التنظيف لغسل ثيابنا، لاسيما وأن معظمنا نزح من غزة إلى الجنوب بكمية قليلة من الملابس، معظمها ملابس صوفية”.

ويواجه الفلسطينيون الذين نزحوا من شمال غزة ووسط القطاع إلى الجنوب بفعل الحرب القائمة بين حماس وإسرائيل، أوضاعا معيشية صعبة للغاية، ناتجة عن عدم جهوزية مراكز الإيواء والبنى التحتية للمناطق لاستيعاب العدد الكبير من النازحين الجدد إليها، والذي بلغ أكثر من مليون شخص.

كارثة وبائية وشيكة

يضاف إلى ذلك، انقطاع المواد الأساسية والرئيسية نتيجة الحصار على قطاع غزة، ونفاد الوقود الذي يعكس على مختلف جوانب الحياة مزيدا من التداعيات والمعاناة، في ظل انهيار للقطاع الصحي والاستشفائي في غزة وارتفاع كبير في عدد المصابين والمرضى بما يفوق الخدمات المقدمة.

كل ذلك بات ينذر بكارثة إنسانية وشيكة في صفوف النازحين الفلسطينيين وأماكن اللجوء جنوب غزة، ناجمة بالدرجة الأولى عن ارتفاع مخاطر انتشار الأوبئة والأمراض، لاسيما الفتاكة منها، بسبب الظروف المعيشية المتردية، والتي تسوء مع نقص المياه النظيفة وقلة دورات المياه الملائمة بالإضافة إلى تجمع النفايات.

في هذا السياق كانت منظمة الصحة العالمية حذرت، الأربعاء، من خطر متزايد لانتشار الأمراض في قطاع غزة بسبب القصف الجوي الإسرائيلي الذي أدى إلى تعطل النظام الصحي وصعوبة الحصول على المياه النظيفة وتكدس الناس في الملاجئ.

وأضافت المنظمة “مع استمرار ارتفاع عدد الوفيات والإصابات في غزة بسبب تصاعد الأعمال العدائية، فإن الزحام الشديد في الملاجئ وتعطل النظام الصحي وشبكات المياه والصرف الصحي يضيف خطرا آخر هو الانتشار السريع للأمراض المعدية. وقد بدأت بعض الاتجاهات المقلقة في الظهور فعلا”.

يروي محمد الخضري، وهو نازح فلسطيني من مدينة غزة إلى خان يونس جنوباً، كيفية تدهور الأمور منذ وصوله إلى مركز الإيواء التابع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “أونروا”، حيث كانت الأمور “جيدة في البداية”، ولكن عندما كثرت أعداد النازحين “واجهنا مشاكل متعددة منها نقص المياه، غياب النظافة والغسيل، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، ما دفعنا إلى شرب مياه ملوثة”.

أولاد محمد الثلاثة مرضوا نتيجة لذلك، أصيبوا جميعا بـ “نزلات معوية”، وهي عوارض تسمم تتضمن الإسهال والتقيؤ، ومغصا كلويا والتهابات بالمسالك البولية، “بسبب سوء التنظيف والتعقيم واستخدام الحمامات في أماكن غير مهيئة لاستقبال كل هذه الأعداد”، بحسب محمد.

الأمر ذاته يتكرر مع غادة الكرد، وهي صحفية من غزة تعمل مع وكالات أجنبية عدة، فعلى الرغم من حرصها على شرب مياه صالحة ونظيفة، لم تعد تجد مصدراً لها في ظل الانقطاع الحاد للمياه في القطاع ومراكز الإيواء، ما اضطرها بحسب ما تقول لموقع “الحرة” إلى شرب مياه من مصادر مجهولة.

وهذا تسبب قبل ثلاثة أيام بإصابتها بإعياء شديد منعها عن الأكل والشرب، رافقه إسهال شديد، جعلها طريحة الأرض لمدة ثلاثة أيام، في خيمة لا تحوي أي فراش أو وسائد.

خلال ثلاثة أسابيع، تم توزيع عبوات مياه معدنية لمرة واحدة فقط من قبل “الأونروا”، وفق ما أكدته غادة، مضيفة “حصلنا على 12 عبوة ونحن سبعة أشخاص، إذا احتاج الواحد منا إلى لترين في اليوم الواحد، لم تكن تكفي، ما دفعنا إلى شراء المياه المحلاة.

نتيجة لذلك، أصيب أولاد شقيقتها الأربعة بالتهابات معوية، بفارق أيام فيما بينهم، “ومنهم من مرض أكثر من مرة، بسبب عدم توفر غذاء ومياه نظيفة غير ملوثة”.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 33551 إصابة بالإسهال، منذ منتصف أكتوبر، معظمها بين الأطفال دون سن الخامسة.

وقالت إن عدد الأطفال المتأثرين يمثل زيادة كبيرة مقارنة بألفي حالة شهريا في المتوسط في تلك الفئة العمرية، خلال عامي 2021 و2022.

أزمة استشفاء

يتشارك كل من تحدث إليهم موقع “الحرة”، المعاناة ذاتها مع النقاط الطبية المنتشرة في أماكن الإيواء، والتي لا تستطيع أن تلبي سيل الحاجات الطبية المتزايدة يوما بعد الآخر.

يلجأ البعض إلى عيادات وأطباء خارج مراكز الإيواء في جنوب غزة، في ظل انقطاع وشح كبير في الأدوية واكتظاظ في المراكز الصحية والمستشفيات.

توجهت سميرة أكثر من مرة إلى النقاط الطبية، “لكن للأسف ابني لم يستفد من الدواء الذي وصف له”، فيما اضطر محمد إلى تأمين دواء لأطفاله “من الخارج”.

أما غادة فلم تجد سبيلاً للوصول إلى مراكز طبية أو عيادات خارج مناطق الإيواء، نظرا لانعدام المواصلات وسبل الوصول بسبب نفاد الوقود، وعدم قدرتها بسبب المرض على التنقل سيرا إلى مقصدها، ما دفعها إلى اللجوء لأطباء وصيادلة نازحين أيضا في أماكن الإيواء، “قدموا لي بعض الأدوية المتوفرة لديهم”.

وتضيف غادة أنها باتت تلجأ مع شقيقتها إلى الطب الشعبي البديل والوصفات البدائية، “التي كنا تعلمناها من أمهاتنا وجداتنا، مثل شاي الأعشاب، من أجل مواجهة هذه الأمراض.

وفي هذا السياق، أفاد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، بأن نصف مستشفيات غزة وثلثي مراكز الرعاية الصحية الأولية بها خارج نطاق الخدمة، وحتى المرافق الأخرى فتعمل بما يتخطى أقصى قدراتها الاستيعابية. وقال إن القطاع الصحي في غزة منهار، لكنه ما زال يقدم بعض الرعاية المنقذة للحياة.

وأضاف أن المستشفيات الميدانية والفرق الطبية الطارئة يمكن أن تُكمل وتدعم عمل المستشفيات والعاملين الطبيين في غزة، لكنها لا يمكن أن تحل مكانهم.

خطر الكوليرا.. ومشاكل أخرى

من ناحيتها تتحدث مروة أبو عودة، الباحثة في التنمية الاقتصادية، والتي تتواجد اليوم في مركز إيواء تابع للأونروا، وهي حامل بالشهر الثامن، عن المعاناة التي يواجهها الناس بسبب التلوث المنتشر، تقول إنه بالإمكان رصد هذا التلوث في المياه “بالعين المجردة، يمكن رؤية آثار الصرف الصحي، بينما يستخدمها الناس للاستحمام”.

هذا الأمر أدى، وفق مروة، إلى ظهور عوارض أمراض غريبة وجديدة، لاسيما على الأطفال وكبار السن، وأبرزها الأمراض الجلدية. 

بدورها تلفت غادة إلى المشاكل التنفسية التي تصيب النازحين أيضاً، نتيجة اضطرارهم إلى إشعال النار للطبخ، بسبب نفاد الوقود والغاز، حيث بات الدخان المنبعث عن هذا العدد الكبير من النازحين في أوقات تحضير الطعام التي تمتد على كامل النهار، تؤدي بهم إلى مشاكل تنفسية و”سعال ما عاد يفارقنا”.

وأدى نقص الوقود، بحسب منظمة الصحة العالمية إلى تعطيل عملية جمع النفايات الصلبة، وهو ما “هيأ بيئة مواتية للانتشار السريع واسع النطاق للحشرات والقوارض التي يمكن أن تنقل الأمراض أو تكون وسيطا لها”.

كما أدى نقص الوقود في القطاع المكتظ بالسكان إلى إغلاق محطات تحلية المياه، ما زاد من خطر انتشار العدوى البكتيرية مثل الإصابة بالإسهال، بحسب المنظمة.

وفي حين أن إمدادات الغذاء والمياه والأدوية التي تدخل إلى غزة قليلة للغاية، ترفض إسرائيل السماح بدخول الوقود، بحسب المنظمة اللأممية، عازية ذلك إلى مخاوف من تحويل حركة حماس مساره، على الرغم من مناشدات من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية.

وأكدت المنظمة أن المرافق الصحية تعاني “استحالة الالتزام بالتدابير الأساسية للوقاية من العدوى ومكافحتها”، مما يزيد من خطر العدوى الناجمة عن الإصابات البالغة والجراحات ورعاية الجروح والولادة.

في هذا الإطار يحذر غسان وهبة، الاختصاصي في الأمراض الوبائية ورئيس قسم الوبائيات لدى وزارة الصحة في غزة من انتشار الكوليرا الذي بات التخوف منه مرتفعا جدا، نظرا لتوفر كل أسباب وعوامل انتشاره، إن لناحية الإزدحام الشديد أو التلوث الغذائي أو انقطاع مياه الشرب وتلوث مياه الاستخدام، إضافة إلى عجز المنظومة الصحية عن مكافحة تفش وبائي من هذا الطابع.

ورغم تأكيده عدم تسجيل إصابات بالكوليرا إلى الآن في القطاع، حذر وهبة في حديثه لموقع “الحرة” أنه في حال انتشاره، “سيكون وباء وخيما على المنطقة الجنوبية في غزة، ويمكن أن يصل هذا المرض إلى الدول المجاورة، لأن هذا المرض معد جداً، وناتج عن عدم توفر المياه النظيفة وبكميات كافية، فضلاً عن تواجد الأغذية المسممة والملوثة بسبب حفظها في أماكن غير مناسبة في الشمس وبدرجات حرارة عالية ما يؤدي إلى فسادها وهو سبب رئيسي للكوليرا”.

ويقول وهبة إن وزارة الصحة في غزة متنبهة لهذا الأمر ولكنها غير قادرة أو مجهزة له، بسبب عدم توفر العدد الكافي من الأسرّة والمستشفيات.

ويلفت وهبة إلى انتشار حالات الإسهال والتسمم الغذائي والالتهابات الجلدية الشديدة وانتشار القمل وأمراض تنقلها الفئران وتسمم الدم، والحصبة خصوصا بين الأطفال “نتيجة فقدان اللقاحات وتراجع كمياتها التي ستنفد بنهاية هذا الشهر”، ويضيف أن “هناك خشية من انتشار الكثير من الأمراض التي سبق وتم التخلص منها والقضاء عليها”.

وكانت منظمة الصحة قد حذرت من أنه “مع توقف أعمال التطعيم الروتيني ونقص الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض السارية يزداد خطر انتشار الأمراض بسرعة”.

وكان المدير العام لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، مروان جيلاني، قد حذر في حديث أمام مجلس الأمن الدولي من التهديدات المباشرة لحياة جميع الجرحى والمرضى، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين بما في ذلك آلاف الأطفال.

وأشار أيضا إلى انتشار الأمراض وزيادة إصابة الجروح بالديدان، بما في ذلك بين الأطفال، مستشهدا بحالة لطفل وجد الأطباء ديدانا في عينه أثناء علاجه من التهاب في العين.

وأكد جيلاني أن استمرار فرض الحظر على دخول الوقود، يعني أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في استقبال المساعدات وتوزيعها. كما شدد على أنه إذا لم تصل المساعدات إلى شمال قطاع غزة، “فسنرى قريبا أطفالا يموتون لأن أمهاتهم لا يستطعن إطعامهم، وسيموت الكثير من الناس جوعا ويموتون من العطش والأمراض”.

يسأل وهبة بدوره “بعدما استطاع الناس أن يختبئوا من الصواريخ، كيف سيختبئون من الأمراض؟ ويختم: “في ظل عدم توفر الوقود واستمرار إطلاق النار وعدم وقف الحرب ليست هناك حلول”. 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *