يشهد العالم منافسة جديدة لاستكشاف الفضاء بعد عودة القمر إلى مركز الطموحات الفضائية العالمية، حيث تواجه الولايات المتحدة منافسا رئيسيا جديدا، وهو الصين بعد تضاءل “القدرات الروسية”، حسبما ذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتعمل الصين بقوة على تعزيز برنامجها الفضائي منذ أن منعتها الولايات المتحدة من العمل مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء في عام 2011 لأسباب أمنية.
وبعد سلسلة من الانتصارات في السنوات الأخيرة، وضعت الصين نصب أعينها البدء في بناء قاعدة دائمة على القمر في نهاية العقد تقريبا، مما أدى إلى إحياء طموحات الولايات المتحدة القمرية.
ورواد الفضاء الأميركيون فقط هم الذين صعدوا على سطح القمر، ولعقود من الزمن لم يكن هناك اهتمام كبير بتكرار هذا العمل الفذ.
وقبل عامين، أعلنت الصين أنها ستنضم إلى روسيا في بناء قاعدة على القمر، ودعت الدول الأخرى المهتمة للمشاركة.
قوة فضائية “ضئيلة”؟
يعد قطاع الفضاء مصدر فخر كبير لروسيا، فالسوفيات أطلقوا أول قمر اصطناعي هو سبوتنيك وأرسلوا أول حيوان هي “الكلبة لايكا” إلى مدار الأرض ثم أول رجل وهو، يوري غاغارين، وأول امرأة وهي، فالنتينا تيريشكوفا.
ولكن الولايات المتحدة تفوقت على الاتحاد السوفياتي بإرسالها أول رجل هبط على سطح القمر هو نيل أرمسترونغ في يوليو 1969.
وبعد عقود من تغلب الاتحاد السوفييتي على العالم في الفضاء، أصبحت روسيا “قوة فضائية ضئيلة”.
وفي الشهر الماضي، تحطمت مركبة هبوط روسية في أول مهمة للبلاد إلى القمر منذ لونا 24 في عام 1976، وهي انتكاسة أخرى لجهود موسكو لتصبح مرة أخرى قوة في استكشاف الفضاء، وفق “وول ستريت جورنال”.
وكان الهدف من مهمة لونا-25 هو إعلان عودة موسكو إلى استكشاف القمر بشكل مستقل على الرغم من المشكلات المالية وفضائح الفساد والعزلة المتزايدة عن الغرب.
وتعود آخر مرة نجحت فيها موسكو في إنزال مسبار على القمر إلى عام 1976، قبل أن تتخلى عن استكشاف القمر لصالح إرسال مهمات إلى كوكب الزهرة وبناء محطة مير الفضائية.
معركة “غير معلنة”.. هل تتنافس روسيا والصين على “القطب الدولي الثاني”؟
مستغلة الحرب في أوكرانيا، تسعى الصين لمزاحمة حليفتها روسيا لتكون “القطب الدولي الثاني” في العالم إلى جوار الولايات المتحدة، بينما يكشف خبراء لموقع “الحرة” أسباب التحركات الصينية في عدة مناطق حول العالم مؤخرا.
وقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات التي تلت ذلك إلى زيادة الضغط على خطط الفضاء الروسية، وذلك بعد فرض الضوابط والقيود التكنولوجية التي تستهدف قطاع الفضاء الجوي في روسيا.
ويواجه برنامج الفضاء الروسي الذي ما زال يعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا صُممت في العهد السوفياتي صعوبة في الابتكار ويعاني من نقص مزمن في التمويل، مع إعطاء موسكو الأولوية للإنفاق العسكري، وفق وكالة “فرانس برس”.
كما شهد القطاع فضائح فساد وعمليات إطلاق فاشلة، بينما يواجه تحديات متزايدة من قبل الولايات المتحدة والصين وكذلك من شركات خاصة، مثل سبيس أكس للملياردير، إيلون ماسك.
الصين.. القوة الفضائية القادمة
تريد الصين تعويض تأخرها في مجال استكشاف الفضاء، إذ انها أرسلت أول رحلة مأهولة إلى الفضاء في 2003 فقط، أي بفارق كبير عن السوفيات والأميركيين الذين فعلوا ذلك في 1961.
وتجاوزت الإنجازات التكنولوجية التي حققتها بكين في الفضاء إنجازات موسكو، على سبيل المثال، هبطت مركبة متجولة على سطح المريخ في محاولتها الأولى في عام 2021.
ويستثمر هذا البلد الآسيوي الكبير منذ عقود مليارات الدولارات في برنامجه الفضائي الذي يديره الجيش.
وبعد منع الصين من إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية التي استضافت أكثر من 200 رائد فضاء من أكثر من اثنتي عشرة دولة، قامت بكين بـ”بناء محطة فضائية خاصة بها”.
وتخطط الصين، التي أصبحت في عام 2019 أول دولة ترسل مركبة على الجانب البعيد من القمر، لمزيد من المهام القمرية لاستعادة العينات والبحث عن المياه في القطب الجنوبي وإنزال رواد الفضاء.
في 2019، حطت مركبة صينية على الجانب المظلم من القمر، وفي 2020 أخذت عينات من القمر وأنجزت نظام بايدو للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، حسب “فرانس برس”.
في 2021 أرسلت الصين روبوتا صغيرا إلى سطح المريخ.
وتهدف بكين إلى إطلاق المسبار “Chang’e-7” في غضون ثلاث سنوات لبدء استكشاف الموارد في القطب الجنوبي للقمر، والمسبار “Chang’e-8” حوالي عام 2028 لبدء بناء محطة أبحاث القمر الدولية.
وتسعى الصين لإنشاء قاعدة قمرية “تشترك في بنائها العديد من الدول”.
وسيتضمن المشروع استغلال مصادر الطاقة القمرية المحتملة، ونظام النقل من وإلى الأرض، والبنية التحتية للاتصالات والملاحة، بالإضافة إلى مرافق البحث.
وعن ذلك قال عالم الكواكب في الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة، سيمون باربر، إن القمر جذاب كقاعدة لأنه يمكن أن يقلل الحاجة إلى صواريخ ضخمة لرفع المركبات الفضائية بأكملها ووقودها وحمولاتها خارج مجال الجاذبية الأرضية، حسب “وول ستريت جورنال”.
وتساءل باربر “هل يمكننا استخراج الجليد القمري واستخدامه لمياه الشرب لرواد الفضاء في قاعدة قمرية؟ أو تقسيمه إلى أكسجين وهيدروجين لتزويد المركبات الفضائية على القمر بالوقود استعدادا للرحلات القادمة؟”.
وبعد تحطم المركبة الروسية لونا-25، لم ترد وزارة الخارجية الصينية بشكل مباشر على سؤال حول التعاون مع موسكو في الفضاء.
لكن المتحدث باسم الخارجية الصينية قال إن “استكشاف الكون هو قضية مشتركة للبشرية”، مؤكدا أن قاعدة الأبحاث القمرية الصينية “مفتوحة لجميع الشركاء الدوليين”.