بايدن يتوقع موعد دخول المساعدات إلى غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

“نحنا بخير.. ديروا بالكم على حالكم”… هي الرسالة الأخيرة التي وصلت إلى رامي أبو القمصان من شقيقته فاتن قبل ساعات من ضربة أصابت المبنى الذي تقطنه شمال غزة، لترحل و17 شخصاً من عائلتها وأقربائها، من بينهم خمسة من أولادها وثلاثة أحفاد، مساء الأربعاء الماضي.

و”كأنها رسالة الوداع من دون أن أعي ذلك”، يقول رامي، فارقتني رفيقة الطفولة قبل أن أتمكّن من رؤيتها منذ اندلاع الحرب، حتى تقبيل جبينها قبل دفنها حرمت منه، بعدما تحوّل جسدها كما أجساد من كانوا معها في المنزل إلى أشلاء، كيف لي أن أعبّر عما يختلج صدري من ألم وقهر، نعم نحن في غزة اعتدنا على الموت، لكن أياً يكن فراق الأحبّة صعب”.

عند الساعة التاسعة من مساء الأربعاء الماضي، حلّت الكارثة بعدما استهدف القصف الإسرائيلي حي القصاصيب في معسكر جباليا، وفق رامي الذي يضيف، في حديثه لموقع “الحرة”: “لم أعلم أن المبنى الذي تقطنه شقيقتي كان من بين المباني التي تحوّلت إلى ركام، بسبب عدم قدرتنا على متابعة الأخبار بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، فقد وصلني الخبر المؤسف من خلال زوجة ابن فاتن المقيمة وإياه في بلجيكا، بعدها علمت بالمأساة من التلفاز”.   

بعد الحرب، قدم محمد أبو جاسر (29 سنة) وزوجته وأطفالهما الثلاثة، وآية (24 سنة) وزوجها، وآلاء (22 سنة) وزوجها، للمكوث في منزل والدتهم فاتن وشقيقهم جهاد (18 سنة)، وشقيقتهم حلا (15 سنة)، كما انتقل أفراد من عائلة حجازي (أنسباء فاتن) للسكن معهم بعدما قُصف منزلهم، وإذ بالموت يخطفهم جميعاً في لحظة.

18 شخصاً، من بينهم تسعة أطفال أغضموا أعينهم إلى الأبد، بعدما أطبق المبنى المؤلف من أربع طبقات عليهم، وإلى حد الآن لا يزال ستة منهم، من بينهم ثلاثة أطفال تحت الركام، ويقول رامي “إن كان إكرام الميت دفنه، فحتى إكرامه في غزة أصبح أمراً صعب المنال، بعدما استشرس الموت وعلا صوت الدمار، في وقت تعجز فرق الإنقاذ أمام هول المصاب”.      

لا وداع ولا عزاء

في ذلك اليوم، كانت فاتن ومن معها في المنزل يترقبون نهاية رحلتهم على الأرض كما بقية سكان قطاع غزة، ويشدد رامي: “جمعينا يدرك أن الدور سيأتي عليه، فشبح الموت يحيط بنا من كل الاتجاهات من دون أن نعلم اللحظة التي سينقض فيها علينا، ربما وأنا أتحدث على الهاتف الآن أصبح ذكرى كما الآلاف ممن ابتلعهم القصف”.

قصد رامي المستشفى ليصدم بأنه لم يبق من شقيقته وأولادها سوى أشلاء، صلّى عليهم في المستشفى، قبل أن يتوجه رفقة ثلاثة أشخاص لدفنهم في قبر جماعي، ويقول “في غزة حُرِم الميت من الصلاة عليه في المسجد، كما أنه لا يمكن لأكثر من أربعة أشخاص من التوجه لدفنه أو إقامة عزاء له خوفاً من القصف.. لا الأحياء ولا الأموات لديهم حقوق في القطاع”.

يوماً بعد يوم يضيق السجن الذي يعيش فيه سكان قطاع غزة أكثر، يقول رامي “فحتى الانتقال إلى مبنى شقيقتي المنهار كان مستحيلاً بسبب الصواريخ التي تنهار على مدار الوقت، انتظرت إلى اليوم، الجمعة، ذهبت ووقفت على أطلال أشخاص كان لديهم كما بقية أهالي غزة أحلام وأمال، لكنهم حرموا من أبسط حقوقهم، حتى أصبحوا يتمنّون الموت، فأقصى أمنيات فاتن وأولادها كانت اللحاق بزوجها ووالدهم”.

ويستمر عداد القتلى بالارتفاع مع دخول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، يومها الرابع عشر، وفي أحدث حصيلة نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية، الخميس، قتل أكثر من 4000 شخص وأصيب أكثر من 13 ألفا بجروح، معظمهم مدنيون، وسط تقديرات بوجود المئات تحت الأنقاض بحسب مسؤولين في غزة.

وتسبب الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، بسقوط أكثر من 1400 قتيل في إسرائيل، أغلبهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، واختطاف نحو 200 شخص، بحسب مسؤولين إسرائيليين.

رحمة الموت

يستعيد رامي شريط ذكرياته مع شقيقته ومدته 49 سنة، بالقول “هي الأخت الحنونة والأم الصابرة، التي فقدت زوجها حسام أبو جاسر قبل تسع سنوات بقصف استهدف منزلهم، كرّست نفسها لتربية أولادها السبعة، حاولت كل ما في وسعها أن تؤمن لهم ولو أدنى ما يحتاجونه من خلال مساعدات الجمعيات”.

قبل مدة قصيرة فرحت فاتن بزواج ابنتيها وخبر حملهما، لكنها رحلت قبل أن تكتمل فرحتها برؤية مولوديهما، ويقول رامي “ولداها اللذان لا يزالان على قيد الحياة أحدهما مقيم في تركيا والآخر في بلجيكا”.

أجبرت الحرب عائلات كثيرة في قطاع غزة على السكن مع بعضها البعض، إما نتيجة خسارة منزلها أو رغبة من أفرادها بألا يفرّقهم الموت، فإما العيش سوية أو الرحيل سوية، وفي منزل رامي تسكن خمس عائلات، عبارة عن 46 شخصاً، إضافة إلى عائلته المؤلفة من زوجته وأولاده الستة.

 يقول رامي “رغم أننا نعيش بأدنى مقومات الحياة، حيث الماء بالقطارة والطعام مقتصراً على المعلبات، مع إغلاق المخابز لأبوابها وحوالي 97 في المئة من محلات السمانة، والثلاثة في المئة التي لا زالت تستقبل الزبائن، مرّ على بضاعتها الدهر، كل ذلك يمكن تحمّله لكن عدم مساندة الدول العربية لنا ووقوفها مع قضيتنا هو الأمر الذي يحزّ في صدورنا”.

“أصبح الموت في قطاع غزة أرحم من الحياة، فالخوف يقتل الأطفال قبل الصواريخ، من دون أن يعني ذلك أن الأموات سيرقدون في سلام، إما لتحول جثثهم إلى أشلاء أو لعدم تمكّن فرق الإنقاذ من انتشالهم من تحت الأنقاض” بحسب رامي. 

“الحي أبقى من الميت”

وعن قدرة الهلال الأحمر الفلسطيني على التعامل مع الوضع، أجاب الناطق الإعلامي باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة، محمد أبو مصبح، في حديث لموقع “الحرة”، “لدينا الخبرات والقدرات المهنية لكن إمكانياتنا محدودة، كما أن انتشال الجثث المتحللة يحتاج إلى بروتوكول خاص، في حين يتطلب الإخلاء الطبي من مناطق الأدخنة والغازات السامة وسائل خاصة، إضافة إلى أن العمل في مناطق القصف يتطلب وسائل حماية، جميعها معدوم وغير متوفرة، بالتالي نحن نتعامل بالإمكانيات البديلة الضعيفة”.

كذلك أكد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن قدرة الدفاع المدني على تلبية احتياجات المواطنين أثناء عمليات القصف صعبة جداً، ففي الدقيقة الواحدة يتم ضرب عدة مباني مأهولة كل منها مؤلف من عدة طبقات، وكل منزل فيها تسكنه عدة عائلات، ويشدد في حديث مع موقع “الحرة” “من المستحيل التعامل مع كل الاستهدافات في ظل الإمكانيات والمعدات الموجودة لدينا”.

“الحي أبقى من الميت” هي القاعدة التي يعمل على أساسها الدفاع المدني في غزة الآن، ويشرح بصل “المنزل الذي نشعر بوجود أحياء تحت أنقاضه نحاول توفير كل الإمكانيات البسيطة لإخراجهم، أما إن شعرنا أن سكانه فارقوا الحياة عندها نترك عملية انتشال جثثهم لحين انتهاء الحرب”، ويشدد “تحدثنا للإعلام عن وجود حوالي 1200 جثة تحت الأنقاض إلا أنه فعلياً العدد أكبر بكثير”.

الإشكالية الكبرى والكارثة المقبلة على قطاع غزة بحسب بصل هي لحظة نفاد المحروقات، ويقول “سيارات ومعدات الدفاع المدني تعمل على المازوت، وفي أي لحظة من اللحظات قد تنفد هذه المادة وبالتالي ستتوقف خدماتنا وخدمات المستشفيات، ما يعني أن المصابين لن يجدوا من يسعفهم، وستمتلئ الطرق بالقتلى والجرحى الذين سيكون مصيرهم الموت”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *