تردد اسم سوريا ليلة الأربعاء ضمن الكم الكبير من الأخبار العاجلة المتعلقة بما يحصل بين إسرائيل وغزة، بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي “سقوط قذائف في منطقة مفتوحة” تم إطلاقها من الجانب السوري، وبينما قال الأخير إنها “الحادثة أولى من نوعها” منذ يوم السبت أعلن أنه “استهدف بنيران المدفعية وقذائف الهاون مصدر الإطلاق”.
ولم يعلّق النظام السوري أو تتطرق وسائل إعلامه لهذه الحادثة، والتي تزامنت مع عمليات قصف متبادلة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وفي تصعيدٍ مستمر لليوم الخامس على التوالي بين إسرائيل وغزة، في ظل انعدام أي مؤشرات تقود إلى “التهدئة”.
وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام المقبلة، والخيارات التي ستسلكها إسرائيل بعد الهجوم الكبير الذي أطلقته حركة “حماس”، قبل أربعة أيام على بلدات إسرائيلية .
كما تتجه الأنظار إلى الساحتين اللبنانية والسورية، وما إذا كانتا ستتأثران بالتصعيد الحاصل ونيرانه، مع التحذيرات المستمرة من جانب مراقبين ووسائل إعلام غربية من “نشوب حرب إقليمية أوسع”.
وأسفر الهجوم المفاجئ لـ”حماس” عن مقتل ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي، وفي المقابل سقط 1055 قتيلا و5184 مصابا في قطاع غزة، جراء التصعيد الإسرائيلي بالقصف، والمستمر حتى الآن.
ما هو موقف النظام؟
وفي أعقاب هجوم “حماس”، يوم السبت، نشرت “رئاسة الجمهورية السورية” صورة عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، وعليها خارطة فلسطين ومن خلفها المسجد الأقصى، وهو ما اعتبرته أوساط مقربة منه تأييدا ضمنيا على ما حصل في غلاف غزة.
بعد ذلك نشرت “وزارة الخارجية السورية” بيانا جاء فيه أن “فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة سجلت سطرا جديدا على طريق إنجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتصرف”.
واعتبر البيان أن “عملية طوفان الأقصى جاءت بعد يوم واحد من ذكرى الانتصار العربي الكبير في السادس من تشرين الأول عام 1973″، داعيا “الدول العربية لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وكل المناضلين من أجل الحرية والاستقلال في العالم”.
وأعلن النظام السوري أن رئيسه، بشار الأسد تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، وقالت وكالة “سانا” الرسمية إنهما “بحثا التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأوضاع في المنطقة”.
وكان هذا الاتصال خلال الأيام الماضية الوحيد الذي تلقاه الأسد، وبعد الإعلان عنه يوم الأحد نشر موقع “أكسيوس” تقريرا أشار فيه إلى أن “الإمارات حذّرت الأسد من التورط في حرب حماس وإسرائيل”.
وذكر الموقع، الاثنين، أن العديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، تشعر بقلق بالغ من أن الحرب قد تمتد إلى لبنان أو سوريا، وتتصاعد إلى “صراع إقليمي”.
وأوضح أن الإماراتيين، الذين أعادوا العام الماضي علاقتهم مع دمشق ودعوا الأسد لزيارة أبوظبي، يتمتعون بنفوذ على الحكومة السورية أكبر من معظم الدول العربية في المنطقة.
وتتمتع الإمارات أيضا، بحسب الموقع، بعلاقة وثيقة مع إسرائيل بعد أن وقعت الدولتان معاهدة سلام في عام 2020 كجزء من اتفاقيات أبراهام، التي توسط فيها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
وأضاف “أكسيوس” أن المسؤولين الإماراتيين وجهوا رسائلهم إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى وأطلعوا إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين، بحسب المصدرين.
ماذا حصل ليلة الأربعاء؟
وينفذ الجيش الإسرائيلي انتشارا واسعا لجنوده وآلياته العسكرية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وقال يوم الأربعاء إن أحد مواقعه في الشمال تعرض لإطلاق قذيفة مضادة للدروع من لبنان، لكنه لم يقدم تفاصيل عن تسجيل خسائر أو أضرار.
وتبنى “حزب الله” اللبناني إطلاق الصواريخ على الموقع العسكري، ردا على مقتل ثلاثة من عناصره بقصف إسرائيلي قبل يومين على جنوب لبنان.
وفيما يتعلق بحادثة إطلاق القذائف من الأراضي السورية قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق قذائف مدفعية وقذائف مورتر باتجاه سوريا، “استهدف مصدر إطلاق القذائف على الجانب السوري”.
وذكر شبكات إخبارية محلية من جنوب سوريا، بينها “تجمع أحرار حوران” أن بعض القذائف الصاروخية خرجت من “سرية عابدين” في ريف درعا الغربي باتجاه منطقة تل الفرس المحتلة في الجولان، وقذائف أخرى خرجت من “سرية المجاحيد” العسكرية القريبة من قرية البكار على الحدود الإدارية بين درعا والقنيطرة.
ويتواجد في هاتين “السريتين” أعداد من قوات النظام بالإضافة لميليشيات مرتبطة بإيران وصلت إليها في اليومين الماضيين، بحسب التجمع الإخباري.
وأشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى حالة استنفار لـ”حزب الله والمقاومة السورية والفصائل الفلسطينية” في ريف دمشق الغربي، “خوفا من ضربات إسرائيلية”.
وأضاف المرصد، الأربعاء، أن “فصائل فلسطينة عاملة مع حزب الله اللبناني هي من أطلقت القذائف من الأراضي السورية ليلة الأربعاء”، وتزامن ذلك مع “استنفار ورفع الجاهزية القتالية لقوات النظام في المنطقة، في حين تشهد المنطقة تحركات مكثفة لحزب الله اللبناني منذ أيام”.
“غير معني بالانخراط”
واحتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ثم ضمت المنطقة في خطوة لم تعترف بها الأمم المتحدة.
وخلال أكثر من عقد من الحرب في سوريا شنت مئات الغارات الجوية على أراضيها، مستهدفة بشكل أساسي القوات المدعومة من إيران ومقاتلي “حزب الله”، بالإضافة إلى مواقع لقوات الأسد.
كما استهدفت العديد من ضرباتها قياديين فلسطينيين، ينضوي غالبيتهم في “حركة الجهاد الإسلامي”.
ونادرا ما شهد الجولان أحداثا أمنية كبيرة من جانب النظام السوري، على مدى العقود الماضية، وحتى أنه بات “جبهة هادئة” على نحو أكبر من باقي الجبهات المحيطة بإسرائيل.
لكن ذلك لم يوقف حالة التوجس والتحذير من جانب إسرائيل، إذ كانت تتجه دائما للقول بإن إيران تعمل على تشكيل “حزب الله 2” على الطرف المقابل من الجولان، ضمن الأراضي السورية.
ويرى المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف أن “سوريا في حالة حرب مع إسرائيل، وتجد في التنسيق مع إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية ضرورة، كونها تشترك في العداء لإسرائيل”.
و”لا ترى سوريا ضيرا في أن تتعاون مع الفصائل وإيران ضمن خانة الحرب على إسرائيل”، لكن يوسف يقول لموقع “الحرة” إن موقف دمشق في الوقت الحالي “داعم لكنه لن يصل إلى مرحلة الانخراط”.
ويضيف بخصوص التقارير المتعلقة بالإمارات والتحذيرات التي نقلتها لنظام الأسد أن “أبوظبي ربما تحاول لعب دور الوسيط بين المقاومة وإسرائيل وبين الأطراف”.
ويعتقد أن “الرئيس الإماراتي وخلال اتصاله مع الأسد أراد أن يستوضح بعض الأمور، وأن يدعو إلى التهدئة بنفس الوقت”.
لكن الصحفي السوري المختص بالشؤون الإسرائيلية، خالد خليل يرى “الخطوة الإماراتية التي كشف عنها أكسيوس واتصال الرئيس محمد بن زايد مع الأسد تصب في إطار الجهود الدبلوماسية الأميركية”.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن قد أعلن أن واشنطن “ستتواصل مع الحلفاء في المنطقة، وسترسل رسائل من أجل منع أو ردع أي جهات إقليمية الانخراط في حرب حماس مع إسرائيل”.
وبينما أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وجهت لحلفائها رسائل تحذير لبقية الأطراف، كي لا تنخرط في الصراع.
ويعتقد خليل في حديث لموقع “الحرة” أن “الإمارات أوصلت رسالة تحذيرية للأسد، بأن لا تستخدم إيران الأراضي السورية لشن هجمات ضد إسرائيل”.
ويستبعد في غضون ذلك أن “يقدم النظام على أي عمل انطلاقا من الأراضي السورية، لأنه مستنزف من جهة ولا يسيطر على منطقة الجنوب من جهة أخرى، إذ هناك مشروع أسسه قاسم سليماني منذ 2018، ويستنسخ تجربة حزب الله في جنوب لبنان”.
“ضربات مجهولة الهوية”
ويصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن الأربعاء إلى إسرائيل، وكان قد أكد خلال الأيام الماضية بشدة على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل والوقوف بجانبها.
كما أوضح بلينكن أنه “لا ينبغي للأطراف المعادية لإسرائيل أن تستغل هذه الحالة لمصلحتها الخاصة”.
ويشير الخبير الاسترتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” في واشنطن، عامر السبايلة إلى أن “طبيعة انخراط النظام السوري في كل المواجهات السابقة لم تكن بصورة مباشرة”.
ويعتقد في حديث لموقع “الحرة” أن “السوريين في الوقت الحالي غير معنيين في أن يكونوا في مواجهة مباشرة وضمن الخط الأول”، وعلى العكس “هم معنيون بتخفيف الضغط عليهم في هذه المرحلة”.
ويضيف السبايلة: “التحرك الإماراتي قد يكون ناتجا من قناعة أن دخول أميركا على الخط يعني توسيع المواجهة وبالتالي شمل سوريا وحزب الله، ولذلك هناك محاولة لتجنيبهم أن يقدموا الذرائع”.
وقد يبقى “موضوع الصواريخ مجهولة الهوية من داخل سوريا مستمرا” في الأيام المقبلة، ويرتبط ذلك حسب السبايلة “بقلة الخيارات، خصوصا إذا ما استعرت ماكينة الحرب الإسرائيلية”.
ويضيف المحلل السياسي يوسف أن “سوريا ستحارب إذا فرضت عليها الحرب”، وغير ذلك “سيبقى موقفها داعما”.
في المقابل يعتقد الصحفي السوري خليل أن “النظام يحاول استثمار ما يحصل إعلاميا”، وأنه “منذ 50 عاما لم يطلق أي رصاصة رغم أن الضربات الإسرائيلية على مواقعه وصل عددها إلى 5 خلال الشهر الواحد”.
وأورد مقال تحليلي لصحيفة “جورناليزم بوست”، الأربعاء أن “قرع الطبول البطيء يتزايد بشأن المخاوف بشأن صراع متعدد الجبهات، وقد استعدت إسرائيل لهذا السيناريو على مر السنين”.
وفي السنوات الأخيرة، “يبدو أن المحور الإيراني قام بتشغيل وحدات في سوريا ولبنان، وعلى سبيل المثال أرسلت حماس قيادتها إلى لبنان للتنسيق، وهذا جزء من جهود طهران لتوحيد الجبهات المختلفة”.
وجاء في المقال أيضا أن “إيران تقوم بتشغيل مجموعات إرهابية صغيرة في سوريا تستخدمها كأدوات لتهديداتها الأكبر، وهي تفضل استخدام مجموعات صغيرة حتى يكون لديها إمكانية إنكار هذه الجهود بشكل معقول”.