وقال الرئيس الأميركي يوم الثلاثاء إن استمرار الحرب في غزة “هو بالضبط ما تريده حماس وهو عدم رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون جنباً إلى جنب في سلام”، مشيرًا إلى أن الاستمرار في السير على طريق الإرهاب والعنف والقتل والحرب يعتبر إعطاء حماس ما تسعى إليه و”لا يمكننا أن نفعل ذلك”.
وتعمل واشنطن على إمكانية تمديد الهدنة الحالية بين طرفي الصراع، إذ زار مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز قطر الثلاثاء، وشارك في محادثات مع رئيس الموساد، ورئيس جهاز المخابرات المصرية ومسؤولين كبار من قطر، حيث جرى استعراض مقترح يتضمن وقفًا طويلًا لإطلاق النار، وفق شروط محددة.
ضعط متصاعد
وقال محللون سياسيون لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الضغط الداخلي من قِبل الإدارة الأميركية، واقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يدفعان الرئيس بايدن نحو اتخاذ إجراءات جديدة تستهدف تهدئة الصراع في الشرق الأوسط، وحل الأزمة الراهنة ووقف تصاعدها خلال الأيام المقبلة.
ويرى المحللون أن إدارة بايدن تسعى لتجنب تصاعد العمليات العسكرية مجددًا ومنع استمرار الحرب إلى ما بعد أعياد الميلاد؛ لأن ذلك يجعل الحرب مادة خصبة للجمهوريين، وستكون نقطة ضعف للرئيس بايدن خلال مشواره للاحتفاظ بولاية جديدة بالبيت الأبيض.
مأزق بايدن
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن مع تأمين إطلاق سراح الطفلة الأميركية أفيجيل إيدان، فإن التحدي الذي يواجه بايدن في المستقبل ليس فقط إطلاق سراح بقية الأميركيين المحتجزين، ولكن استخدام النجاح الذي حققته الأيام الأخيرة لتغيير مسار الحرب في غزة.
يأمل الرئيس الأميركي في التأثير على بدء أي عمل عسكري جديد، وضمان تحجيمه بشكل أكبر وبذل المزيد من الجهد لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، حيث سبق أن حذر البيت الأبيض، إسرائيل بالفعل من استهداف جنوب غزة، حيث فر العديد من الفلسطينيين دون خطة ملموسة لحماية المدنيين.
يقول الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في مؤسسة كارنيغي آرون ديفيد ميلر، إن “بايدن في مأزق”، مرجعًا ذلك إلى أنه ربط نفسه بأهداف الحرب الإسرائيلية المتمثلة القضاء على حماس، لكن في ضوء الكارثة الإنسانية المتزايدة والارتفاع الهائل في عدد القتلى الفلسطينيين، فإنه يبحث عن طرق لتهدئة التصعيد، وفي نهاية المطاف عن طريق للخروج.
تساءلت الصحيفة عن مساعي إسرائيل لتوسيع حملتها لتصل إلى جنوبي قطاع غزة قائلة: “هل سيضغط بايدن على تل أبيب لوقف العمليات أو تغيير استراتيجيتها في الجنوب؟”.
ترى شبكة “سي إن إن” إنه على المدى القصير، يبدو أن لدى كل من إسرائيل وحماس أسباب قوية لمواصلة الهدنة، حيث يحصل نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط شديدة، على قدر من الدعم السياسي مع عودة المزيد من الرهائن إلى ديارهم، وفي الوقت نفسه، استفادت حماس من وقف الغارات الجوية والعمليات البرية في إعادة تجميع صفوفها والاستعداد لهجوم إسرائيلي موسع متوقع على معاقلها الجنوبية.
أيضًا، لدى بايدن أسباب قوية في تأخير أو منع المزيد من الأزمات في غزة؛ لأسباب إنسانية ولتخفيف رد الفعل السياسي الداخلي من الناخبين الشباب الذين أدانوا دعمه المباشر لإسرائيل.
وتقول الشبكة، إن أحد الشكوك من وجهة نظر الولايات المتحدة هو مقدار الضغط الذي سيفرضه بايدن، الذي تحدث إلى نتنياهو يوم الأحد، على الإسرائيليين لاستمرار التوقف عن القتال لأطول فترة ممكنة.
ووفق “واشنطن بوست”، فإن متاعب بايدن لا تقتصر على تماسك إدارته وملف السياسة الخارجية، بل تمتد إلى قضية الانتخابات الرئاسية، أكثر الملفات حساسية وأهمية للرئيس الأميركي في الفترة المقبلة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.
3 مسارات رئيسية
بدوره، قال الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن أولويات الولايات المتحدة في حرب غزة تقوم على 3 مسارات رئيسية، تتضمن:
المسار الأول: حماية الأميركيين في إسرائيل وفي المناطق المجاورة، والعمل على إخراج حاملي الجنسية الأميركية من قطاع غزة والذين خرج معظمهم عبر معبر رفح خلال الأيام الماضية. كما تقوم واشنطن بمراقبة الوضع حتى لا يتدهور أكثر من الضروري، مع وضع خطة لإجلاء الأميركيين من إسرائيل ولبنان إذا تصاعدت الأمور بشكل أكثر قسوة.
المسار الثاني: يتعلق بالرهائن الأميركيين لدى حماس، حيث تضعهم الحركة في المراحل النهائية لضمان استمرار الاهتمام الأميركي بإيجاد حل لهذه الأزمة. كما أن المصلحة الأميركية تعتمد على عدم تصاعد الحرب وعدم الدخول في حرب إقليمية في المنطقة، سواء مع إيران أو حلفائها. لذا كان الرد الأميركي على الهجوم على قواعد عسكرية “محسوبًا للغاية”.
المسار الثالث: إظهار الدعم القومي لإسرائيل والتأكيد على أن لتل أبيب حلفاءً أقوياء. وهذا كان بمثابة رسالة للأصدقاء والأعداء في المنطقة بأن الولايات المتحدة هي “حليف موثوق به”، ويمكن اللجوء إليها في أوقات الأزمات.
ثمن طول أمد الحرب
لكن “سمير” يرى أن طول أمد الحرب في قطاع غزة أدى إلى انقلاب الأوضاع داخل الولايات المتحدة، سواء من وجود مظاهرات شعبية أو اعتراضات داخل الإدارات الأميركية المختلفة، وبخاصة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية. حيث دفعت هذه الضغوط إدارة بايدن للتراجع “حتى لو من حيث الشكل” من طريقة تعاملها. وبدا ذلك واضحًا في الاعتراض على العمليات العسكرية في جنوب غزة، حيث يتمركز مئات الآلاف من الفلسطينيين العرضيين للموت.
وفي تقدير خبير العلاقات الدولية، فإن الولايات المتحدة لا تريد أن تتسع العمليات العسكرية وتستمر إلى ما بعد أعياد الميلاد ومع بدء المراحل التمهيدية للانتخابات، “لأن ذلك سيجعل الحرب مادة خصبة للجمهوريين وللرئيس السابق دونالد ترامب. وستكون نقطة ضعف للرئيس بايدن خلال مساعيه للاحتفاظ بولاية جديدة بالبيت الأبيض”.
وأضاف: “ليس من مصلحة بايدن أو الولايات المتحدة أن تكون هناك عمليات عسكرية إسرائيلية طويلة المدى تؤدي إلى خسائر كبيرة بين المدنيين، لأن ذلك سيؤجج الرأي العام الأميركي ضد بايدن أكثر من اللازم.”
وتراجعت شعبية بايدن إلى أدنى مستوياتها خلال رئاسته بنسبة 40 بالمئة، في ظل رفض أغلبية كبيرة من الناخبين لنهج إدارته في التعامل مع السياسة الخارجية، والحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، وفق استطلاع رأي نشرت نتائجه شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية.
وبرز التراجع بدرجة أكبر في صفوف الديمقراطيين، الذين يعتقد أغلبهم أن إسرائيل تجاوزت الحدود في عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وبين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، إذ رفض 70 بالمئة منهم طريقة تعامل الرئيس الأميركي مع الحرب الجارية، حسب الشبكة.