جريمة قتل بشعة هزت الشارع المصري، وكشفت ملابساتها النيابة العامة، و”الضحية” طفل لا يتجاوز عمره 15 عاما تعرض للقتل وتقطيع الأشلاء، بينما “المحرض والمتهم الأول”، طفل في نفس عمره تقريبا، بهدف “بيع أعضاء المجني عليه” عبر مواقع مختصة بذلك، فما هي تلك المواقع وكيف تهدد “سلامة المجتمعات”؟.
جريمة “هزت الشارع المصري”
الجمعة، كشفت “النيابة العامة المصرية” عن جريمة قتل ضحيتها طفل تم العثور على “جثمانه” وقد انتزعت بعض أحشائه وجرى وضعها في كيس مجاور لجثته، وتم ضبط المتهم، ليقر بارتكابه الجريمة بـ”تحريض” من مقيم مصري في الكويت عمره 15 عاما.
وكشفت التحقيقات أن المتهمين قد تعارفا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي “الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية”، حيث طلب “المحرض” من “القاتل” اختيار أحد الأطفال لسرقة أعضائه البشرية مقابل مبلغ خمسة ملايين جنيه، وعقب اختياره لضحيته وعرضه عليه عبر تقنية “الفيديو كول”.
وطلب “المحرض” وهو المتهم الأول من القاتل إزهاق روح الطفل تمهيدا لسرقة أعضائه البشرية، على أن يتم نقل عملية انتزاع الأعضاء عن طريق تقنية “الفيديو كول” أيضا.
وتواصل موقع “الحرة” مع رئيس نيابة قسم أول شبرا الخيمة، عبدالرحمن شكري، لطلب توضيح المقصود بـ”مواقع تواصل خاصة بتجارة البشر”، لكنه طلب الاتصال في وقت لاحق، ثم لم يرد على اتصالاتنا.
شبكة “إنترنت” موازية؟
في حديثه لموقع “الحرة”، يكشف مساعد وزير الداخلية المصرية السابق لأمن المعلومات، اللواء محمود الرشيدي، عن أن تلك الجريمة “مستحدثة” وتمت باستخدام “الإنترنت المظلم”.
ويشير مساعد وزير الداخلية المصرية السابق، إلى أن “دارك ويب”، يشغل أكثر من 90 بالمئة من مساحة الإنترنت ويضم “عصابات وتنظيمات عالمية وجهات استخباراتية”.
ولم نشهد في مصر سابقا “أي جريمة” تتعلق بـ”دارك ويب”، وبالتالي فالجريمة التي أثارت الرأي العام المصري “مستحدثة” و”فريدة من نوعها”، حسبما يوضح اللواء الرشيدي.
وفي سياق متصل، يشدد خبير التقنية وتكنولوجيا المعلومات، سلوم الدحداح، على “عدم إمكانية بيع أو بث أو نشر مقاطع فيديو تحتوي مشاهد عنف وقتل أو تجارة أعضاء” على شبكة الإنترنت “العادية”.
وتوجد قوانين “تجرم” بث تلك المشاهد أو نشرها أو الترويج إليها عبر “الإنترنت”، وبالتالي يتم استخدام وسائل “مشفرة وسرية” للتجارة غير الشرعية والقيام بالأعمال غير المشروعة والممنوعة، من خلال “دارك ويب” أو “الإنترنت المظلم”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويتفق معه أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، الذي يؤكد أن المواقع التي يتم خلالها ممارسة تلك الأنشطة “غير الشرعية” ترتبط بالإنترنت المظلم.
و”الإنترنت المظلم” ساحة لممارسة الجرائم والأنشطة “غير الشرعية” والتجارة بكل شيء “غير مشروع”، وعبره يتم نشر “مقاطع فيديو جرائم قتل واغتصاب حقيقية، وأفلام بورنو ومواد إباحية للأطفال”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ما هو “الإنترنت المظلم”؟
الإنترنت المظلم أو “دارك ويب” هو نسخة موازية لشبكة الإنترنت، ويضم مواقع “خفية ومشفرة”، ولا تتم فهرسة محتواها بواسطة محركات البحث التقليدية، ويحتاج الولوج إليها إلى برمجيات خاصة مثل(VPN).
وفي شبكة “دارك ويب” السرية والخفية والمشفرة، لا توجد شروط ولا رقابة، ما يسمح للأفراد بإخفاء هويتهم وموقعهم عن الآخرين.
وعلى مواقع “دارك ويب” المتاجرة بمنتجات ممنوعة بينها الأسلحة والمخدرات والعملات مزورة والفيروسات المعلوماتية، وتعليمات القرصنة والمواد الإباحية الخاصة بـ”الأطفال”، وكذلك تجارة “البشر” والأعضاء البشرية.
التحليل النفسي لمستخدمي “دارك ويب”
يؤكد استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، أن غالبية مستخدمي “الإنترنت المظلم” هم “شخصيات مضطربة قابلة للانحراف ولديها رغبة في القيام بأعمال غير مشروعة”.
وتلك الشخصيات “سيكوباتية سلبية” ولديها “حقد على المجتمع وترتكب تلك الجرائم دون الشعور بالندم لكنها تعتبر الجريمة والاتجار بالممنوعات بمثابة تحدي يجب خوضه”، حسبما يوضح استشاري الطب النفسي لموقع “الحرة”.
ويسعي هؤلاء لتحقيق مكاسب مالية بأي طريقة وبغض النظر عن “الوازع الديني أو الأخلاقي”، وبالتالي تلك الشخصيات “منحرفة ومضطربة” وتصرفاتها “سيئة ودائما ما تكون غير منضبطة”، وفق الدكتور فرويز.
ويحذر استشاري الطب النفسي من أن بعض الشخصيات وخاصة من الأطفال والشباب قد تكون “غير منحرفة” ولكن لديها “حب استطلاع واستعداد للانحراف”، ما يدفعها للبحث عن مواقع “الإنترنت المظلم”، ما قد يقودهم للتحول إلى “شخصيات مضطربة”.
ما وراء “الجريمة البشعة”؟
حسب بيان النيابة العامة المصرية، فعقب قيام القاتل بقتل الطفل، طلب منه المحرض تكرار الأمر مع طفل آخر ليحصل على المبلغ المتفق عليه، إلا أنه تم ضبطه قبل قيامه بذلك.
وكشفت النيابة أن المتهم الأول “المحرض” الذي جاوز الخامسة عشرة من عمره، كان يقصد من الجريمة “الاحتفاظ بالمقاطع المرئية لواقعة قتل الطفل المجني عليه والتمثيل بجثمانه، وذلك حتى تسنح له فرصة بيعها ونشرها عبر المواقع الإلكترونية التي تبثها مقابل مبالغ مالية طائلة”، حيث سبق وأن قام بهذا الفعل في مراتٍ سابقة.
ومن جانبه، يكشف الدكتور فرويز عن واقعة مماثلة حدثت مع طفل من مرضاه، وأخبره أنه كان يستخدم “الإنترنت المظلم”، ووقتها أصبح “تحت منظار شبكة” تراقبه بشكل دائم.
وتم اختبار ذلك الطفل “نفسيا” من قبل القائمين على الشبكة، للتأكد من كونه “شخصية عصابية” حتى ينضم إليهم، ويكون دائما “تحت تهديد وينفذ أوامرهم بلا نقاش”، حسبما يوضح استشاري الطب النفسي.
ولذلك يرجح الدكتور فرويز أن يكون الطفل المتهم “وقع تحت طائلة” واحدة من تلك الشبكات التي تستغله لتنفيذ أهدافها “غير المشروعة”.
ويتفق مع ذلك الترجيح، صادق الذي يشير إلى أن المتهم الأول يبلغ 15 عاما، ويقول:” التخطيط لجرائم لتلك البشاعة في ذلك السن، أمر غريب وليس منطقي”.
وقد يكون “المتهم الأول” نفسه واجهة عصابة تنظم تلك الجرائم، فالقصة “غريبة وتثير أسئلة أكثر من الإجابة عن أجوبة”، حسبما يؤكد أستاذ علم الاجتماع.
ويتساءل:” كيف يمكن لطفل بهذا السن أن يعرف (دارك ويب) ويخطط بذلك الشكل لجرائم متسلسلة، ويبحث عن تحقيق الأموال والمكاسب من خلال الإنترنت المظلم؟
ونقل الأعضاء عملية صعبة تحتاج لأطباء لا مراهقين، والمحرض والجاني ليسوا “بالغين”، وبالتالي “أين الأطباء والثلاجات الخاصة بتجميد الأعضاء التي اقتطعت”؟، وفق أستاذ علم الاجتماع.
ويشدد صادق على أن “الجريمة غير شائعة” وربما وراءها عصابة تستخدم المراهقين كغطاء لها.
ولم تعثر النيابة العامة بمعاينتها على” أي تجهيزات طبية تشير إلى أن المقصود من الجريمة هو تجارة الأعضاء البشرية”، وفق البيان الصادر عنها.
ولذلك، يشكك اللواء الرشيدي في رواية “المحرض”، ويقول:” ما حدث من جريمة بشعة ليس له أي علاقة بتجاره الأعضاء، فهو إنسان طماع وكان يبحث عن أي وسيله للتربح”.
ويتساءل اللواء الرشيدي مستنكرا :” كيف يستخدم طفل لا يتجاوز 15 عاما الإنترنت المظلم؟.. كيف يستطيع التعامل مع تلك الأمور التي تحتاج لمحترفين؟”.
ويوضح مساعد وزير الداخلية المصرية السابق لأمن المعلومات، أن “مستخدمي الإنترنت المظلم لا يبحثون عن مكاسب وأرباح عن طريق تحقيق المشاهدات، لكنهم يحققون مكاسب مادية عالية بالفعل من خلال بيع الممنوعات والتجارة غير المشروعة”.
تهديد لأمن المجتمعات؟
يرى الدحداح أن استخدام “دارك ويب” يهدد سلامة المجتمع، فمن خلقها ويستخدمها يقوم بأعمال “غير أخلاقية بلا ضوابط”، بهدف تحقيق المكاسب المالية فقط.
ومن جانبه، يحذر الدكتور فرويز من أن “دارك ويب” أصبحت شبكة تنتشر بشكل كبير وتهدد سلامة جميع المجتمعات على مستوى العالم.
وينصح الآباء والأمهات بـ”مراقبة المحتوى الذي يستخدمه أو يتعرض إليه أبنائهم لتجنب وقوعهم في براثن عصابات تستغلهم أو مواقع تبث مواد “عنيفة وغير لائقة”.
ويتفق معه صادق الذي يحذر من تداعيات انتشار استخدام “الإنترنت المظلم” بين المراهقين والشباب، نظرا لما تحتويه من “محتوى إجرامي”.
ويطالب أستاذ علم الاجتماع، الجهات الأمنية المختصة بجميع الدول العربية بـ”فرض رقابة على (دارك ويب) وتتبع القائمين على نشر العنف والقتل والاغتصاب والتحريض عبر مواقع تلك الشبكة”.
ولذلك يشدد اللواء الرشيدي، على ضرورة تكاتف الأسرة والمجتمع والجهات المختصة لمواجهة الأنشطة الضارة والجرائم التكنولوجية.
ويشير إلى أن “المحرض” هو نفسه “ضحية” أسرته التي لم تتابعه وتراقبه وتوجهه في استخدامه للإنترنت.
وتلك “الجرائم المستحدثة” تهدد سلامة المجتمع وهي “شر لابد منه” بالتزامن مع الاستخدام المتزايد للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي “التي لا يمكن الاستغناء عنها”، وفق مساعد وزير الداخلية المصرية السابق لأمن المعلومات.
ولذلك يجب أن تحافظ الأسر على سلامة أبنائها بـ”رقابة ذاتية” وتوعيتهم وأن تكون الأسرة “واقعية وليست افتراضية”، حسبما يضيف اللواء الرشيدي.
ويؤكد اللواء الرشيدي أهمية أن يكون هناك “توعية مجتمعية تكنولوجية” بالاستخدام الأمن والرشيد لشبكة الإنترنت، ويجب “محو الأمية الرقمية” للتعامل بمشروعية مع الوسائل التكنولوجية الحديثة.