بمبادرة تكونت من 9 بنود، وجه أكبر فصيل عسكري في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، وهو “حركة رجال الكرامة”، خطابا للأردن دعا فيه المملكة إلى الانخراط بـ”جهود تنسيق” وتبادل معلومات من أجل مكافحة المخدرات، وبهدف “تجنيب أهلنا الموت المجاني”، في إشارة إلى الحادثة الدموية الأخيرة.
وكانت بلدة عرمان جنوبي السويداء شهدت، الأسبوع الماضي، قصفا جويا دمويا أسفر عن مقتل 10 مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وبينما حمّل سكان وشبكات إخبارية محلية و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” المسؤولية لـ”مقاتلات أردنية” لم تنف عمّان أو تؤكد الاتهام الموجه بحقها.
الحادثة أشعلت غضبا كبير داخل المحافظة التي تقطنها غالبية درزية، ودفعت متظاهرين لم يفارقوا الساحات من 3 أشهر إلى ترديد هتافات تندد بالقصف الدموي وتنتقد سلوك المملكة الأردنية في الحرب التي باتت تقودها خارج الحدود، لمحاربة المهربين.
ولا تزال أصداء الغضب الذي خلفته الحادثة قائمة حتى الآن، ويشير صحفيون وناشطون لموقع “الحرة” إلى حالة من الخوف والقلق باتت تفرض نفسها على الحياة اليومية لأهالي القرى والبلدات الواقعة في جنوب السويداء.
ويوضح الصحفيون والناشطون، ومن بينهم الناشطة راقيا الشاعر، ومدير شبكة “السويداء 24” الإخبارية ريان معروف، أن عائلات عدة نزحت خشية تجدد القصف.
وتلفت الشاعر في حديثها لموقع “الحرة” إلى أن “الناس صارت تخاف تنام وخاصة في مناطق القصف. عائلتي من تلك المناطق.. هناك هجرة للناس باتجاه السويداء المدينة، والخوف بات يفرض نفسه على كل سكان المحافظة”.
ماذا تتضمن المبادرة؟
تعتبر “حركة رجال الكرامة” من أكبر وأبرز التشكيلات العسكرية في السويداء، وألقت القبض خلال الشهرين الماضيين على 30 تاجرا ومروجا ومهربا للمخدرات وحبوب “الكبتاغون”، حسبما ورد في البيان الذي نشرته على “فيسبوك”.
ورغم أن المبادرة التي طرحتها حملت في الأساس رسالة وفكرة جديدة للأردن، تضمن بعض بنودها رسائل موجهة للداخل والأهالي الموجودين في المحافظة.
الحركة أعلنت استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين.
وطالبت عمّان بـ”وقف العمليات العسكرية على المواقع المدنية، وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية”، بالإضافة إلى “إطلاعنا على تحركاتهم العسكرية والتنسيق معنا”.
وطالبت أيضا القيادات العسكرية في المملكة “المسؤولة عن القصف السابق برفع الضرر الواقع على ممتلكات المدنيين وتعويضهم عن خسائرهم، والتحقيق الشفاف بمصادر معلوماتهم التي تسببت بسقوط شهداء مدنيين”.
أما فيما يتعلق بالداخل، فقد دعت إلى “عدم منح غطاء أو حماية أهلية لكل من يثبت تورطهم”، وقالت إن “أي توسط لأولئك المتورطين سيكون صاحبه شريكا للمتورط”.
وطالبت العائلات والمرجعيات الأهلية بموقف مُعلن وواضح من المدانين من أبناء السويداء بالتورط في تجارة وتهريب المخدرات، ورفع الغطاء الاجتماعي عنهم.
ويوضح أبو تيمور، المسؤول الإعلامي في الحركة لموقع “الحرة”، أنه لم يصلهم أي رد رسمي من المملكة الأردنية على المبادرة التي طرحتها “رجال الكرامة”، ويقول إنها “لتجنيب أهلنا الموت المجاني وبدرجة أولى”.
ومع ذلك يضيف أن “المفروض من المجتمع المحلي العمل على مسار داخلي يهدف لطرد تجار المواد المخدرات من القرى ومن الأحياء”، وآخر خارجي “بالتواصل مع الأردن عبر فعاليات وطنية”.
ويوضح المسؤول الإعلامي أن “تهريب المواد المخدرة عبر الحدود تقوم به عصابات عدة”، وأن “السويداء طريق مرور لها وليس مركز تصنيع”.
كما يعتقد أن “كبح الظاهرة يحتاج إلى تضافر جهود دولية وإقليمية”.
ماذا عن الأردن؟
ولم يكن القصف الجوي الأخير الأول الذي نسب للأردن، إذ سبقته 3 ضربات أسفرت أولها العام الماضي عن مقتل رجل يتهم بتجارة المخدرات على نطاق واسع في جنوب سوريا، يدعى مرعي الرمثان.
وبينما كانت عمليات التهريب تأخذ منحى تصاعديا منذ شهر ديسمبر اتجه الجيش الأردني لتكثيف تحركاته على الحدود، في وقت أبلغت مصادر استخباراتية وإقليمية وكالة رويترز مرتين أنه استهدف مخابئ ومواقع يستخدمها مهربون مرتبطون بإيران.
ولا يعرف ما إذا كان هناك تنسيق أمني وعسكري بين الجيش الأردني وقوات النظام السوري بشأن الضربات التي تنسب لعمان في جنوب سوريا، خاصة أن الجانبين عقدا اجتماعا استخباراتيا وعسكريا رفيعا في يوليو 2023.
ويعتقد عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني، أنه “لا بد في النهاية من إيجاد حلول عملية على الأرض”، وأن “كل الخيارات ستكون مفتوحة في لحظة معينة”.
وفيما يتعلق بمبادرة “رجال الكرامة” يوضح السبايلة أن “فكرة التنسيق بصورة غير مباشرة واردة، وربما تكون أحد الخيارات لمواجهة الأمور المعقدة مثل الإرهاب والمخدرات”.
ويشير إلى كونها طبقت في السابق بالمنطقة حين ظهر تنظيم داعش والقاعدة الإرهابي.
ورغم أنها “قد تكون واردة الآن” يستبعد السبايلة، في حديثه لموقع “الحرة”، أن تكون معلنة وبطابع رسمي، مشددا بالقول: “إذا ما أردنا وقف الظاهرة لن تكون الفكرة مستثناة من الخيارات المطروحة”.
“سؤال ومساران”
ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات “تدعمها قوى إقليمية”، في إشارة مبطنة إلى إيران.
وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل “الجيش السوري”.
وفيما يتعلق بالتعداد والقوّة مسلحة تعتبر “رجال الكرامة” أكبر الفصائل الموجودة في محافظة السويداء، كما يقول الكاتب والصحفي أيمن الشوفي، موضحا أنها “مؤلفة من ما يسمى (البيارق)”، وأن “كل بيرق (راية) تمثل عائلة أو قرية معينة”.
وبالنظر إلى تنظيمها وانتشارها الواسع في المحافظة وإذا ما أردات ضبط مسألة “تصنيع المخدرات أو تهريبها” ستكون الحركة قادرة على فعل ذلك، حسبما يرى الشوفي.
ومع ذلك يشير في حديث لموقع “الحرة” إلى سؤال يطرح نفسه: لماذا طلبت الحركة من الأردن أسماء المهربين والتجار؟. “هم موجودون ومعروفون وكذلك أماكن تواجدهم”، حسب قوله.
ويضيف: “كان من المستغرب والمستهجن أن تطرح حركة رجال الكرامة مثل هذا الأمر على الأردن وتطالبه بالأسماء، علما أنها في غضون أيام قليلة قادرة على أن تنهي الظاهرة في المحافظة بالكامل”.
ولدى السكان والأهالي في السويداء دراية بأن المهربين والمصنعين والتجار لهم علاقات مع الميليشيات الإيرانية ومن بينها “حزب الله” وهذه الفكرة “مكشوفة على العلن”، كما يتابع الكاتب والصحفي.
ويوضح أنهم “يحظون بغطاء أمني ومدعومون إيرانيا”، معتبرا أن “مبادرة حركة رجال الكرامة سياسية لا أكثر، الهدف منها تهدئة الشارع نتيجة القصف الأخير الذي أودى بحياة عشرة مدنيين”.
ويستبعد مدير تحرير شبكة “السويداء 24″، ريان معروف أن يحدث تنسيق بين الحركة والأردن، لأن عمّان “تصر على التواصل فقط مع النظام السوري، ولا يوجد أي توقعات بشأن تغيير الموقف الأردني”، حسب تعبيره.
معروف يرى أن مبادرة الحركة تحمل مسارين الأول موجه للأردن، بأنه “هناك قدرة على ملاحقة المطلوبين من دون هذا العنف المفرط بالقصف”.
أما المسار الثاني فهو موجه للفعاليات الأهلية والاجتماعية لا لتعاون أكثر مع الحركة وعدم ممارسة أي ضغوط عليها، كما يقول الصحفي.
ويعتبر في حديث لموقع “الحرة” أن “الحركة جدّية بطرحها وقادرة على اتخاذ خطوات حقيقية داخل السويداء فقط”، وأن “تطورات المشهد والاستياء العام بالسويداء من تداعيات تجارة المخدرات سيتيح لها العمل بقوة أكبر”.
“اعتبارات أمنية”
لكن الكاتب والصحفي أيمن الشوفي يضيف متسائلا: “لو كانت الحركة جادة لن تنتظر الأردن لكي يقدم لها قائمة بأسماء المطلوبين؟”.
ويقول إن “الشارع في المحافظة ساخط على نتائج الغارة الجوية الأخيرة لأنها أوقعت نساء وأطفال”، مؤكدا أن مبادرتها لا تخرج عن إطار سياسي.
الشوفي يرى أن “خيارات السويداء المرتبطة بالفصائل تصطدم باعتبارات أمنية ومرتبطة بالأجهزة التي لا تزال تسيطر على المحافظة”.
ويعتبر أن “خيار إنشاء منطقة عازلة وجعل الحدود تحت إشراف قوات عربية لتفادي مثل هذه الأعمال العسكرية قد يكون الأفضل للمنطقة”.
من جانبه يشير الصحفي معروف إلى أن “رجال الكرامة” اعتقلت شخصين “يبدو أن أحدهما من المتورطين البارزين في عمليات تهريب المخدرات”.
ويوضح أن الرأي العام في السويداء منقسم بشأن مبادرة الحركة، وهناك من يؤيدها ومن يعارضها.
ولا يرى المؤيدون أي حلول ممكنة إلا بإجراءات وفكر من هذا النوع (المبادرة).
وفي المقابل يختلف المعارضون بذلك ويعتبرون الحركة “مجموعة غير شرعية وتقوم بدور خارج نطاق القانون”.
وهناك جزء من المعارضين أيضا “يتخوف من أن تحاول الحركة فرض نفسها كقوة أمر واقع من خلال هذا الجانب”، كما يشير الصحفي السوري.
ويقول إن “رجال الكرامة تدرك بنفسها مدى تعقيد وخطورة الملف، ولذلك أشارت في بيانها الرسمي إلى أن ما يحصل يحتاج إلى تضافر جهود محلية وإقليمية ودولية”.