وقف الجنرال في الجيش الأميركي، بول ناكاسوني، أمام أعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في مارس الماضي. كان حاسما حين أخبر المشرعين أن القيادة السيبرانية الأميركية ووكالة الأمن القومي “في حالة حرب دائمة”، حيث تعمل الوكالة على “الدفاع عن الوطن” من الهجمات السيبرانية.
في تلك الإفادة قال ماكاسوني: “في مجال الفضاء السيبراني المتنازع عليه، تعمل القيادة السيبرانية الأميركية ضد الخصوم الأجانب الذين يهددون أمتنا من خلال الأنشطة السيبرانية الخبيثة”.
هذا هو عصر المواجهة الجديد، القوي هو من يملك قدرات قتالية سيبرانية، وينفذ علميات نوعية في الفضاء الإلكتروني، ويعزز الردع السيبراني: هذه باختصار القوة السيبرانية التي تحدد من المنتصر.
تدرك الولايات المتحدة خطورة الحرب الإلكترونية في الفضاء السيبراني، فالخصوم يسابقون الزمن لاستخدام “الإنترنت الخبيث” واستهداف البنية التحتية الحيوية لأميركا.
تعرف واشنطن جيدا أن دولا مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران تريد أن تكسر التفوق العسكري الأميركي، وهذا “تهديد لأنشطة سلامة وأمن ورخاء الشعب الأميركي” يقول البنتاغون.
أربعة خطوط للدفاع
بعد رفع السرية عنها، كشف البنتاغون وثيقة تحمل عنوان “استراتيجية وزارة الدفاع السيبيرانية لعام 2023″، وفيها أن عمليات الفضاء الإلكتروني “عنصر لا غنى عنه” في القوة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، فهي أساس الردع المتكامل.
غير البنتاغون من طريقة تعامله مع التهديد السيبراني، وأدخل عنصرا أساسيا في بناء الردع المتكامل. فقد أدرك قادة البنتاغون أن العمل مع الحلفاء هو الحل الأفضل للانتصار في الحرب.
استراتيجية البنتاغون “تلتزم ببناء القدرة السيبرانية للحلفاء والشركاء العالميين، وزيادة قدرتنا الجماعية على الصمود في مواجهة الهجمات السيبرانية”.
وتكشف الاستراتيجية السيبرانية أن البنتاغون يركز على معالجة التهديدات السيبرانية الحالية والمستقبلية من خلال متابعة أربعة خطوط متكاملة: الاستعداد للقتال والدفاع عن الأمة، والفوز في حروب الأمة، وحماية المجال السيبراني مع الحلفاء والشركاء، وبناء مزايا دائمة في الفضاء السيبراني.
“الفضاء السيبراني المتنازع عليه”
الجنرال ناكاسوني، قال في مارس الماضي، إنه “لا يمكن للقيادة أن ترتكز على أمجادها، لأن الأعداء يبحثون دائما عن طرق جديدة لتخريب نظام المعلومات في الولايات المتحدة، أو التنقيب عن المعلومات لأغراضهم الخاصة”.
الصين
وتوجه استراتيجية الدفاع الوطنية لعام 2023 البنتاغون إلى التصرف بشكل عاجل للحفاظ على الردع الأميركي وتعزيزه، مع اعتبار الصين التحدي الذي يسرع وتيرة الردع.
وينطبق هذا على الفضاء السيبراني كما هو الحال في مجالات القتال المشتركة الأخرى، تقول الاستراتيجية.
وتسعى الصين إلى الاستحواذ على مزايا في الفضاء الإلكتروني من أجل تسهيل ظهورها كقوة عظمى تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري واقتصادي متناسب.
ومن خلال ممارسة سيطرة الدولة الفعالة على الشركات التي تتمتع بحصة سوقية كبيرة في مجالات الاتصالات، والأجهزة والبرمجيات التجارية، وصناعات الأمن السيبراني، تحاول الصين تشكيل النظام البيئي التكنولوجي العالمي.
تشير الاستراتيجية إلى أن الصين لا تكتفي ببناء قوة سيبرانية لتحقيق أغراضها، بل تصدر قدرات إلكترونية خطيرة إلى الدول ذات التفكير المماثل، وتعمل على تسريع صعود الاستبداد الرقمي في جميع أنحاء العالم.
وتكتمل جهودها في الخارج بنقاط قوة مادية في الداخل: صناعة تكنولوجية كبيرة، وقوى عاملة كبيرة، وأنظمة قادرة على مكافحة التجسس والأمن السيبراني، ومجموعة من المنظمات الوكيلة المخولة بملاحقة الأنشطة السيبرانية الضارة.
تقول الاستراتيجية إن الصين تشكل تهديدا واسع النطاق للتجسس الإلكتروني، وتقوم بشكل روتيني بأنشطة إلكترونية ضارة ضد الولايات المتحدة، وكذلك ضد حلفائنا وشركائنا.
أخطر ما تفعله الصين، هو سرقة أسرار التكنولوجيا، والتسلل والمراقبة السيبرانية ضد الأفراد الذين يعيشون خارج حدودها، بما في ذلك المواطنين الأميركيين، الذين تعتبرهم أعداء الدولة.
تكشف الاستراتيجية الأميركية أن نظريات النصر التي تتبناها الصين تعتمد على استخدام الوسائل السيبرانية لإضعاف القدرة القتالية للقوات المشتركة، فضلا عن قدرة حلفائنا وشركائنا.
وتحذر الاستراتيجية من أنه في حالة نشوب صراع، من المحتمل أن تشن الصين هجمات إلكترونية مدمرة ضد أميركا، لإعاقة التعبئة العسكرية، وزرع الفوضى، وتحويل الانتباه والموارد. ومن المرجح أيضا أن تسعى إلى تعطيل الشبكات الرئيسية التي تمكن القوة المشتركة من إظهار قوتها في القتال.
روسيا
وفق استراتيجية البنتاغون الجديدة، لا تزال روسيا تمثل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة في الفضاء الإلكتروني.
وتقول إن روسيا بذلت جهودا من أجل التأثير الخبيث ضد الولايات المتحدة عبر التلاعب وتقويض الثقة في الانتخابات الأميركية.
كما تستهدف روسيا البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، وكذلك الحلفاء والشركاء. وتواصل تحسين قدراتها في مجال التجسس والتأثير والهجوم.
وفي حرب روسيا على أوكرانيا، استخدمت وحدات الجيش والاستخبارات الروسية مجموعة من القدرات السيبرانية لدعم العمليات والدفاع عن التصرفات الروسية من خلال حملة دعائية عالمية.
لقد استخدمت روسيا بشكل متكرر الوسائل السيبرانية في محاولاتها لتعطيل الخدمات اللوجستية العسكرية الأوكرانية، وتخريب البنية التحتية المدنية، وتقويض الإرادة السياسية.
هذه الجهود قد أسفرت عن نتائج محدودة، وهذا يرجع إلى مرونة الشبكات الأوكرانية والدعم من المجتمع الدولي. وفي لحظة الأزمة، فإن روسيا مستعدة لشن هجمات إلكترونية مماثلة ضد الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا.
كوريا الشمالية
لا تغفل استراتيجية البنتاغون حقيقة أن كوريا الشمالية تمثل تهديدات مستمرة للولايات المتحدة.
تكشف الاستراتيجية أن كوريا الشمالية تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التجسسية والإجرامية في الفضاء الإلكتروني.
ونفذت بيونغ يانغ نشاطا إلكترونيا ضارا كبيرا يتعلق ببرامج الفدية، واختراق محافظ العملات المشفرة.
ونفذت الجهات الفاعلة السيبرانية المرتبطة بكوريا الشمالية عمليات تجسس ضد مجموعة من الأهداف المتعلقة بوسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وشركات الدفاع والحكومات، والتي تمتد إلى بلدان متعددة.
إيران والمنظمات المتطرفة
ويمتد عدوان إيران ورعايتها للأنشطة غير المشروعة إلى الفضاء الإلكتروني، وفق ما تشير إليه استراتيجية البنتاغون.
وتكشف أن إيران استخدمت النشاط السيبراني الخبيث لإجراء التجسس والتدخل في العمليات السياسية ومعاقبة الجهات الفاعلة التي تعتبرها إيران معادية لمصالحها.
خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، استخدمت إيران تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة لإحداث تأثير خبيث ضد الولايات المتحدة.
ويشير النشاط السيبراني الخبيث الذي تمارسه إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى إلى رغبة متزايدة في استهداف البلدان التي تتمتع بقدرات قتالية أقوى نسبيا.
لقد شهدت المنظمات المتطرفة العنيفة تدهورا كبيرا في قدراتها بسبب أكثر من عقدين من عمليات مكافحة الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها. في حين يركزون هؤلاء على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال لأغراض التجنيد والدعاية والقيادة والسيطرة. لكنهم لم يثبتوا بعد القدرة على القيام بنشاط إلكتروني خبيث كبير أو مستمر ضد الولايات المتحدة.
المنظمات الإجرامية العابرة للحدود
تستعرض الاستراتيجية الخطر الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة في الفضاء السيبراني والذي تشكله المنظمات الإجرامية العابرة للحدود ذات الدوافع الربحية، وهي عصابات برامج الفدية، ونشطاء القرصنة، والمرتزقة السيبرانية التي ترعاها الدول.
وتقول الاستراتيجية إن مجموعات صغيرة من المتسللين ذوي الخبرة، الذين يستخدمون تقنيات متطورة، قادرون على تحقيق تأثيرات سيبرانية مماثلة لتلك التي تسببها الاستخبارات المهنية والأجهزة العسكرية.
وتكشف الاستراتيجية أنه غالبا ما تتوافق تصرفات هذه المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية مع مصالح الدول المضيفة لها.
وتستهدف هذه الجهات الفاعلة السيبرانية الخبيثة البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الوظائف الحكومية على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات والمستوى المحلي.
على سبيل المثال، يستهدف المتسللون “المستقلون ظاهريا” في الصين الشركات الأميركية التي تنتج تكنولوجيا ذات صلة بالأولويات العسكرية للصين.
كما توفر روسيا وإيران وكوريا الشمالية ملاذات آمنة لعصابات برامج الفدية والمتورطين في الجرائم الإلكترونية.
وتتسبب هذه المؤسسات الإجرامية في خسائر مباشرة بمليارات الدولارات للولايات المتحدة كل عام، وتعطل الخدمات الحيوية في جميع أنحاء العالم. “إنهم يهددون بشكل متزايد الأمن القومي الأميركي”، تقول استراتيجية البنتاغون الجديدة.