زادت قضية محكمة العدل الدولية، من الضغوط على إسرائيل لتقليص أو إنهاء حربها ضد حماس، والتي يقول مسؤولو الصحة في غزة إنها قتلت أكثر من 26 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، فيما تؤكد إسرائيل أنها “ضرورية للقضاء على حماس”، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيفية تطبيق هذه “التدابير المؤقتة”، التي أصدرتها محكمة العدل الدولية على أرض الواقع، رغم أن قرار المحكمة ملزم قانونا، وفقا لتقرير الصحيفة الأميركية ذاتها.
والجمعة، دعت محكمة العدل الدولية، إسرائيل إلى منع ارتكاب أي عمل يُحتمل أن يرقى إلى “إبادة جماعية” في غزة، وإلى السماح بوصول مساعدات إنسانية إلى القطاع.
لكن المحكمة ومقرها لاهاي، لم تطلب وقف إطلاق النار في غزة، حيث يشن الجيش الإسرائيلي حملة مدمرة ردا على هجوم غير مسبوق شنته حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر.
وقالت الأستاذة في “لندن كوليدج”، كيت كرونين فورمان، والتي تدرس قضايا الإبادة الجماعية: “يميل الناس إلى رؤية متشعبة بشأن ماهية هذه المحكمة وما يمكن أن تفعله”.
وفي تصريحاتها لصحيفة “نيويورك تايمز”، قالت فورمان: “إما أنهم يعتقدون أن الأمم المتحدة ستأتي بطائرات هليكوبتر سوداء لتنفيذ الأوامر، أو يعتقدون أن أحكام المحكمة مجرد كلمات فارغة ليس لها أي تأثير”.
ورأى خبراء أن الواقع يقع في مكان ما بينهما، إذ لا تتمتع المحكمة بسلطات إنفاذ مباشرة لتطبيق قراراتها على الأرض، لكن قرارا كهذا من الممكن أن يكون له تأثير من خلال تغيير الحسابات السياسية للدول المعنية وحلفائها.
ويعتبر قرار، الجمعة، ابتدائي، بمعنى أنه لم تقرر المحكمة بعد إذا ما كانت إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة، إذ يرجح أن يتخذ القرار النهائي بذلك في غضون سنوات، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
ومع ذلك، “لا ينبغي النظر إلى انتصار جنوب أفريقيا الجزئي باعتباره إشارة إلى أن المحكمة ستحكم بالضرورة لصالحها في وقت لاحق، لأن تلبية متطلبات الفوز في قضية الإبادة الجماعية على أساس موضوعي أصعب كثيرا من تلبية العتبة المنخفضة لاتخاذ التدابير المؤقتة”، وفق فورمان.
وتابعت: “لا أعتقد أن أحدا توقع منهم (المحكمة) أن يأمروا بوقف إطلاق النار.. أعتقد أن المحكمة لم تكن ترغب في أن يُنظر إليها على أنها تحكم في شرعية حق إسرائيل المزعوم في الدفاع عن النفس، وهو ما كان سيعتقده الكثيرون من دعوة لتعليق الأعمال العدائية”.
وبدلا من ذلك، قالت فورمان إن القضاة “التزموا بشكل وثيق بما فعلوه في أمر الإجراءات المؤقتة في قضية غامبيا ضد ميانمار (بورما)”، في إشارة إلى قضية أخرى منظورة أمام المحكمة، حيث اتهمت غامبيا ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد أقلية الروهينغا.
وتابعت: “إن أمرا من محكمة العدل الدولية لا يمكن أن يفعل الكثير لتغيير حوافز دولة منخرطة في حملة عسكرية يشعر قادتها بأنها ضرورية لحماية أمنها القومي، لكنه يمكن أن يجعل الحكومات الحليفة تفكر مرتين في دعمها لتلك الحملة”.
“صياغة ملفتة للنظر”
وندد المسؤولون الإسرائيليون، الذين أنكروا بشدة اتهامات الإبادة الجماعية، بأمر التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية، لكنهم أعربوا عن ارتياحهم لأن المحكمة لم تأمر بوقف إطلاق النار.
وقال أستاذ القانون بكلية “ترينيتي” في دبلن، مايكل أ. بيكر، إنه “ليس من المستغرب أن المحكمة لم توافق على طلب جنوب أفريقيا بالتعليق الكامل للأنشطة العسكرية”.
لكنه أضاف في تصريحاته لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن صياغة قرار المحكمة كانت “ملفتة للنظر”، بسبب تركيزها على الأزمة الإنسانية في غزة.
وقال بيكر إن العديد من الدول لديها قوانين محلية تحظر الدعم العسكري للحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان.
وأضاف: “لأن قرار المحكمة يمكن أن يُفهم بأن الوضع في غزة يثير على الأقل تساؤلات جدية حول خطر الإبادة الجماعية، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى التزامات قانونية بموجب القانون المحلي، فيما يتعلق بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل”.
واعتبر أن استعداد المحكمة للاعتراف بحجم المعاناة الإنسانية في غزة، والتأكيد على أنه لا ينبغي السماح للوضع الإنساني بالتدهور أكثر، “يمكن أن يغير السرد السياسي حول الصراع، مما يخلق مساحة جديدة للعمل السياسي”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وخُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا لا يزال 132 منهم محتجزين في قطاع غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أن 28 على الأقل لقوا حتفهم.
وردا على الهجوم، تعهّدت إسرائيل “القضاء” على الحركة الفلسطينية المصنفة على لائحة الإرهاب، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما أسفر عن سقوط أكثر من 26 ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال، بحسب سلطات القطاع الصحية.
وكانت جنوب أفريقيا، قد رفعت دعوى لمحكمة العدل الدولية – أكبر سلطة قضائية تابعة للأمم المتحدة – متهمة إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المبرمة عام 1948، كرد عالمي على محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.
وقال أستاذ القانون الدولي بجامعة “روتجرز” في نيو جيرسي، عادل حق، إن “إثبات نية الإبادة الجماعية سيشكل تحديا”.
ورغم أن جنوب أفريقيا أشادت بقرار المحكمة الابتدائي باعتباره “انتصارا حاسما لسيادة القانون الدولي”، فإنه لا يزال من غير الواضح ما هو التأثير الذي سيخلفه القرار على أرض الواقع.
وحتى لو كانت هذه الالتزامات ملزمة قانونا، فقد تختار الدول تجاهلها، تماما كما فعلت روسيا عندما أمرتها محكمة العدل الدولية بوقف حربها في أوكرانيا.
وتعتبر الطريقة الوحيدة لتنفيذ أمر محكمة العدل الدولية، هي من خلال تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويمكن لأي من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، بما في ذلك الولايات المتحدة، استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي إجراء من هذا القبيل.
وقال حق في حديثه لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن “إسرائيل، من خلال الدفاع عن نفسها في المحكمة، تقبل بشرعيتها، وهذا سيزيد من صعوبة تحدي أوامر المحكمة في وقت لاحق”.