“الشمراني”: نحتاج للحفاظ على الدفء بين أصالة المكان وروح الناس في العيد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 3 دقيقة للقراءة

أكد كاتب ومستشار إعلامي أن مظاهر العيد قديماً في جنوب السعودية كانت تنبض بروح البساطة والفرح الجماعي، وتشكّل جزءاً راسخاً من الذاكرة الثقافية والاجتماعية التي تميّزت بها المنطقة كبقية مناطق المملكة.

وتفصيلاً قال “جيلاني شايق الشمراني” لـ”سبق” إن تلك اللحظات العفوية التي كان يعيشها الأهالي في القرى، وفي قريته ومسقط رأسه “المبنى” بمحافظة العرضيات التابعة لمنطقة مكة المكرمة، حيث التكافل والتراحم، في تعبير عميق عن معاني العيد الحقيقية التي قد يغيب بعضها اليوم في ظل التغيرات الحديثة.

وأوضح أن العيد لم يكن مجرد مناسبة دينية تُؤدى فيها الصلاة وتُوزع العيديات، بل كان موسماً اجتماعياً وروحياً ينتظره الجميع، ويتهيأ له الأهالي بالنفوس قبل البيوت.

وقال “الشمراني”: “كانت البيوت تُنظّف وتُجدّد، وتُحضّر الأكلات الشعبية، وتنتشر رائحة البخور من النوافذ وأبواب المنازل الحجريّة، إيذاناً بقدوم يومٍ استثنائي عنوانه الفرح والمشاركة.”

وأشار إلى أن صلاة العيد كانت لحظة جامعة، حيث يخرج أهالي القرية كباراً وصغاراً إلى المسجد الجامع، ثم يتبادلون التهاني الحارة والعناق بروح عائلية واحدة. وبعدها، ينتقل الجميع إلى الساحات المفتوحة حيث تُقام مائدة العيد الجماعية، وهي إحدى أبرز ملامح العيد قديماً، كل بيت كان يُحضر طعامه، ويُقدّمه للجميع دون تكلّف، في مشهد يعكس أصالة المجتمع وتكافله.

وتابع: “من العصيدة والعيش الجنوبي والسمن والعسل إلى الحنيذ، كانت المائدة تنبض بهوية المكان، وكرم الناس، وبساطة النفوس. لا أحد يسأل من أتى أو من دعا، فالساحة كانت للجميع، والقلوب كانت تتسع لكل زائر، دون اعتبارات طبقية أو اجتماعية.”

وأضاف أن الأطفال كانوا ينتظرون العيد بشوق لا يوصف، ليس من أجل الهدايا الكبيرة، بل لفرحة العيديات البسيطة، وتجوالهم بين البيوت لجمع الحلوى والضحكات، مشيراً إلى أن البهجة لم تكن مرتبطة بما يُصرف بقدر ما كانت نابعة من الدفء الإنساني وصدق المشاعر.

وذكّر “الشمراني” بالدور الكبير للنساء في صناعة أجواء العيد، حيث كنّ يُحضّرن الأكلات التقليدية، ويزيّنّ الفتيات، ويرددن الأهازيج والزغاريد التي انتقلت من جيل إلى جيل، مانحات العيد نكهته الروحية والثقافية.

وزاد أنه لا شك أن الحياة تطورت وتغيّرت، وهذا طبيعي، لكن هناك شيء من حرارة العيد القديمة قد تلاشى، فاليوم، نستقبل التهاني عبر رسائل الهاتف، وأصبحت اللقاءات تُستبدل بالمكالمات أو الصور المتبادلة، وتراجعت تلك العفوية التي كانت تميز العيد في الماضي.

وأضاف أنه بالإشارة للجهود المتميزة من الجهات الرسمية والبلديات تبذل جهوداً كبيرة لإحياء مظاهر العيد، من خلال الفعاليات والمهرجانات والأسواق الشعبية والعروض الفنية، فإن العيد في مفهومه القديم كان أكثر دفئاً وأقرب إلى الروح، لا يحتاج إلى تنسيق معقد أو ميزانيات ضخمة، بل كان يكتفي بوجود الناس وحبهم لبعضهم.

واختتم “الشمراني” بأن العيد في جنوب المملكة، وفي قرية “المبنى” تحديداً، كان مناسبة نادرة تملأ القلب سكينة، وتعيد ربط الإنسان بجذوره وقيمه. وبين الماضي والحاضر، لتبقى ذاكرة العيد القديمة حاضرة فينا، وتعلّمنا أن الفرح لا يحتاج إلى كثير من المال، بل إلى كثير من المودة. وإننا اليوم، وسط التغيّر والتقدّم، بحاجة إلى أن نحافظ على هذا الخيط الدافئ الذي يربطنا بأصالة المكان وروح الجماعة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *