منذ اليوم الأول لاندلاع التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا نأت السعودية بنفسها عن الانحياز لطرفَي الصراع، مع عدم الانسياق وراء الاستقطاب الذي يعيشه العالم منذ نحو 3 سنوات بين فريقين، أحدهما يدعم المعسكر الغربي الداعم لكييف، والآخر يدعم المعسكر الشرقي الروسي.
وبدلاً من الانسياق خلف الاستقطاب أخذت الرياض على عاتقها البحث عن حلول لتلك الأزمة، وحلها في إطار الدبلوماسية بعيدًا عن جبهة المعركة والبارود ورائحة الموت، بدعم كبير من سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي يحتفظ بسبب مواقفه الدبلوماسية الساعية إلى السلام باحترام القيادات العالمية، ولاسيما أطراف الأزمة الأوكرانية.
“الحل في السلام”
ومنذ الوهلة الأولى رفعت السعودية شعار “الحل في السلام”، وهو الأمر الذي أدركته الرياض مبكرًا، وتدركه الآن أطراف الأزمة بعد 3 سنوات من الدمار والموت والجروح الغائرة.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية لعبت السعودية دورًا كبيرًا في تخفيف حدة الأزمة، وجلب الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات، وبدأت ذلك بجهود دؤوبة حثيثة لولي العهد من خلال اتصالات هاتفية بالرئيسَيْن الروسي والأوكراني، فضلاً عن تبنِّي موقف واضح في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، يدعو إلى وقف الصراع، وحقن الدماء، في الوقت الذي كانت فيه الكثير من الأطراف تغذي آلة الحرب والموت بين الطرفَيْن.
وبدا الموقف السعودي أشد وضوحًا بطريقة عملية بعد أن نجحت الرياض في الوساطة بين الطرفَيْن في عملية تبادُل الأسرى؛ وعلى إثرها أفرجت موسكو عن عشرة أسرى من مواطني المغرب وأمريكا وبريطانيا والسويد وكرواتيا.
نجاح السعودية في تأمين صفقة تبادُل أشاد به الباحث الأوكراني في العلاقات الدولية قسطنطين جريدين في حديث سابق مع وكالة “فرانس برس” الفرنسية؛ إذ يذكر أن “لعب السعودية دور الوساطة هو مناسب وفعال”، في إشارة إلى العلاقات الجيدة التي نسجها ولي العهد مع الرئيسَيْن الروسي والأوكراني.
واستضاف قصر الدرعية في العاصمة الرياض قبل أسابيع قليلة، وبرعاية سعودية، محادثات بناءة بين وزيرَيْ الخارجية الأمريكي والروسي؛ وذلك في إطار وضع حد للخلاف بين البلدين الكبيرين. وكان الملف الأوكراني حاضرًا بقوة بوصفه إحدى أبرز القضايا الخلافية بين البلدين. وخرجت تصريحات الطرفين متوازنة، وتحمل الأمل في إنهاء الأزمة، وتحقيق السلام.
وينظر إلى الزيارة التي يجريها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الرياض حاليًا في إطار ذلك المفهوم، استمرارًا للمساعي السعودية لإحلال السلام في القارة الأوروبية العجوز؛ إذ من المنتظر أن تشهد جدة محادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، ستركز على اتفاقية المعادن بين البلدين، وسبل إنهاء الحرب، وذلك في أول اجتماع رسمي منذ اللقاء الأمريكي-الأوكراني المتوتر في البيت الأبيض.