يرى الكاتب في صحيفة مكة يوسف الحمادي أن هناك حرباً غير متكافئة وصفها بـ”الدسائس” تندلع في بيئات العمل بين المدراء وموظفيهم المبدعين وتتمثل في تهميشهم وقتل الإبداعات داخلهم، وبالتالي تسربهم من قطاعاتهم.
وفي التفاصيل، قال: تعد الحرب ضد المواهب حرباً ظالمة، تأخذ من الجبروت مفهوماً، ومن الطغيان أسلوباً، ومن التدمير مقصداً وغاية، فهي حرب استبدادية، يمارس فيها بعض المديرين سلطتهم بعيداً عن المهنية، ويستخدمون أبشع أنواع الأساليب وأكثرها استفزازاً وخبثاً للمحافظة على مناصبهم، حتى لو كان ذلك على حساب تطور مؤسساتهم ونجاحها، فمفهوم الصراع لديهم يبدأ في الغليان، وتتحرك في داخلهم مشاعر العجرفة، عندما يكتشفون أن أحد موظفيهم يمتلك مواهب ربما ستهدد مكانتهم في يوم من الأيام، ليسخروا بعد ذلك أدوات، ربما لا يتصورها أي عقل سليم، تجعل من قدرات ومهارات المواهب الواعدة حطاماً، حتى لو أدى الأمر إلى أن تصبح بيئة العمل التي يديرونها سامة، وأجواؤها طاردة.
وأضاف: على عكس المصطلح الشائع في بيئة الأعمال “الحرب على المواهب”، والذي يحمل معاني إيجابية تعكس مشهد التنافس لاستقطاب الموهوبين والاحتفاظ بهم، يوجد في المقابل طريقة سلبية للتعامل مع المواهب، يقود حربها مديرون ورؤساء يعانون من اختلال في شخصياتهم، التي تتحكم فيها الانفعالات من غضب وقلق وحقد وكراهية، كما في قول الشاعر عنترة بن شداد “لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب.. ولا ينال المجد من طبعه الغضب”. ويدفعهم لتلك الحالات النفسية الهستيرية، إما خوف وعدم ثقة، أو طمع وجشع نحو مزيد من المكاسب، التي أصبحت مهددة بوجود موهوبين اختصرت مؤلفاتهم ومبتكراتهم الكثير من دورات العمل المملة، أو عارضوا – أي الموهوبين – تجيير تلك الإنجازات لصالح مديريهم.
وتابع “الحمادي”: هذه الحرب لا يخوضها أولئك المديرون إلا بمؤامرات ودسائس، يستخدمون لتنفيذها أدوات عدة، وتبدأ بشكل تدريجي من خلال التهميش، وقتل الإبداع، وتجاهل الإنجازات، وإساءة استخدام السلطة عبر نزع الصلاحيات وسحب الامتيازات وإيقاف الترقيات. بل إنهم يلجؤون إلى ما هو أسوأ من ذلك، وهو زرع موظفين آخرين، ممن تُشترى ولاءاتهم، لالتقاط سقطات الموهوبين، أو التلفيق عليهم وتدبير المكائد، كما أن من أساليبهم استغلال النفوذ، سواء داخل مؤسساتهم أو خارجها للإضرار بالموهوبين.
وأردف أن مثل هذه الممارسات الجائرة على الموهوبين، دفعت أغلبهم إلى البحث عن فرص أخرى، في حين أن آخرين، وإن كانوا قلة، يفضلون المواجهة لأنهم يمتلكون قدرا كبيرا من الذكاء ويتحلون بالصبر، ما يجعلهم يتحملون الأنفاس الخبيثة لهذه الحرب وكثرة ضغوطها، من أجل المحافظة على ما حققوه من مكاسب على الصعيدين الشخصي والمهني. لكن عليهم أن يتحملوا تبعات هذه المعارك، التي يمكن لمن يملكون النفوذ من المديرين أن يدفعوا بها إلى أبعد مما يتخيل ذلك الموظف حتى لو أنه موهوب، وهنا يجب عليه أن يثق بقدراته، وأن يكون مستعداً للمواجهة، ولا يدع خلفه أي ثغرات، يمكن لخصومه أن يستخدموها ضده للتحايل على الأنظمة، التي يجب أن يعيها جيداً حتى يصبح موقفه قوياً لانتزاع حقوقه.
وبيّن أن من نعم الله علينا في مملكتنا الغالية وفي ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله -، أن الحقوق مصانة، وأجهزة الدولة في المرصاد لأي تجاوزات مهنية أو قانونية، كما أنها سخرت مؤسسات عدة لرعاية وتكريم الموهوبين وتنمية قدراتهم، ما يجعل موقف أي موهوب أقوى من أطماع المتنفذين.
وكشف “الحمادي” أنه بوجه عام يركز الموهوب دائماً على اختيار مكان عمله بعناية، فيما ينبغي على جميع المؤسسات سواء حكومية أو خاصة أو غير ربحية، أن تجعل للموهوبين مساراً خاصاً، من حيث المعاملة ومتابعة الأعمال، حتى لو استدعى الأمر مراقبته، وذلك لحمايته من أي تجاوزات مهنية تُمارس ضده، فإن الموهوبين بحاجة إلى الاعتراف بقدراتهم ومواهبهم وتطويرها، مما يستدعي مساعدتهم في تجاوز التحديات ومواجهة الضغوط، التي عادة ما تكون موجهة وغير مهنية.
وتابع: يمكن اعتبار الحرب ضد المواهب تحدياً يواجه الكثير من الموهوبين، وهنا نصيحة للموهوب نفسه بأن يتعامل بحذر، وأن يراقب بحذر أي ممارسات مهنية تجاهه حتى لو كانت بلا تأثير يذكر على مساره المهني، فهذه الممارسات تعطي إشارة إلى وجود خطة للإضرار به، كما لا بد له من وضع خيارات وبدائل سواء داخل المؤسسة التي يعمل بها، أو خارجها، ويكون مستعداً لاتخاذ القرار، وأن تكون فترة العمل كموظف هي فترة تجربة واكتساب خبرة ليؤسس بعد ذلك مشروعاً خاصاً به.
وختم بالقول: باختصار، فإن حرب الموهوبين بمفهومها الإيجابي هي حرب نبيلة تسعى إلى تحقيق التميز والتفوق، وتشكل جوانب مضيئة في بيئات العمل وتطور مجالات الحياة، أما الحرب ضد الموهوبين فهي حرب بذيئة لا رابح فيها، فهي لا تبقي ولا تذر كالنار الهشيم تحرق بلهيبها الجميع، فإما أن ينتصر المدير المتسلط ويعزز فساده، ويكسر عزائم المواهب، أو يخسر ذلك المدير كل ما بناه طوال مسيرته المهنية، ويسيء لمؤسسته ويضر جميع من تعاون معه.