عندما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنه يشعر “بالغضب والحزن” إزاء مقتل سبعة من عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي “وورلد سنترال كيتشن” في غزة، أثارت لغته القوية سؤالا طبيعيا، فهل ستقوده هذه الضربة، حتى لو كانت خطأ مأساويا، إلى وضع شروط على الأسلحة يرسل إلى إسرائيل؟
حتى الآن، ظل البيت الأبيض صامتا بشأن ما إذا كان غضب بايدن يؤدي إلى “نقطة انفصال” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي كان التعامل معه “متوترا”، ومن المقرر أن يتحدث الاثنان، الخميس، بحسب مسؤول كبير في إدارة بايدن، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
تصريحات “أكثر سخطا”
في العلن، اقتصر رد فعل بايدن في ردوده على “تصريحات أكثر سخطا من أي وقت مضى”.
وانتقد بايدن إسرائيل بشدّة على الغارة الجوية التي أسفرت عن مقتل ناشطي “المطبخ المركزي العالمي”، معربا عن شعوره “بالغضب والحزن”.
واعترف البيت الأبيض بشعور بايدن المتزايد بالإحباط نتيجة فشل إسرائيل في حماية عمال الإغاثة والمدنيين، على الرغم من النداءات المتكررة الموجهة لنتانياهو.
وقال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي للصحفيين “أعتقد أنه يمكنكم إدراك الشعور بالإحباط في ذلك التصريح، الذي أدلى به بايدن”.
وأصر بايدن على أن شن حملة قصف على مدينة رفح الجنوبية سيكون بمثابة تجاوز “للخط الأحمر”، دون أن يوضح العواقب.
وأكد أن الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي هو دليل آخر على أن إسرائيل “لم تفعل ما يكفي لحماية عمال الإغاثة”، دون أن يحدد كيف يجب أن يتغير سلوكها.
ومن جانبه، قال رئيس البرنامج الفلسطيني الإسرائيلي في المركز العربي بواشنطن العاصمة، يوسف منير: “بالنسبة لي، لغة الغضب ملحوظة لأنها أبعد ما ذهب إليه في لغته، لكن من الملاحظ أيضًا أنه ذهب إلى هذا الحد فقط عندما يتعلق الأمر بعمال الإغاثة الغربيين”.
وفي حديثه لـ”نيويورك تايمز”، أضاف: “بالطبع إنه أمر شائن، لكن هذا النوع من الضربات، رأيناه مرارا وتكرارا، ولا يبدو أن البيت الأبيض غاضبًا منها”.
شروط استخدام الأسلحة الأميركية
قال البيت الأبيض إن بايدن يواصل دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ولا توجد خطط لدى إدارته للحد من شحنات الأسلحة إلى الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة، وفق وكالة “فرانس برس”.
ومن جانبه، قال السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي من ولاية ماريلاند وأحد أكثر مؤيدي بايدن حماساً، والذي ضغط طوال أشهر لوضع شروط على الأسلحة التي تزودها الولايات المتحدة: “آمل أن تكون هذه هي اللحظة التي يغير فيها الرئيس مساره”.
وأضاف:” نتنياهو تجاهل طلبات الرئيس، ومع ذلك نرسل قنابل زنة 2000 رطل دون أي قيود على استخدامها”.
وتابع:” لا ينبغي أن نرسل القنابل أولاً ونأمل في الحصول على بعض الضمانات لاحقاً”.
والشروط المتعلقة بكيفية استخدام الأسلحة الأمريكية عادة ما تكون مقبولة، بعضها يفرضه الكونغرس والبعض الآخر يفرضه الرئيس أو وزير الخارجية.
على سبيل المثال، لا يُسمح لأوكرانيا بإطلاق أسلحة أميركية الصنع على روسيا، ورغم أنها امتثلت بشكل عام، فلا يزال هناك جدل داخل الإدارة حول ما إذا كان من الممكن أن تمنح كييف صواريخ أكثر قوة إذا أقر الكونغرس حزمة مساعدات لها.
لكن إسرائيل كانت دائما “الاستثناء”، وحتى عندما ألقى السيناتور تشاك شومر، الديمقراطي من نيويورك وزعيم الأغلبية، خطابا حماسيا حث فيه على إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، فقد رفض الدعوة إلى فرض قيود على الأسلحة.
وعندما تم الضغط عليه في اليوم التالي، قال السيد شومر إنه لا يريد حتى مناقشة الموضوع.
وهناك خطوات أخرى يمكن للسيد بايدن أن يطالب بها.
على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن تصر على أن تتم حراسة قوافل المساعدات من قبل القوات الإسرائيلية، أو أن تظل الوحدات العسكرية القريبة على اتصال مستمر مع مقدمي المساعدات، وهي قضية أثارها اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إلى نتانياهو في فبراير، حسبما تشير “نيويورك تايمز”.
وقال أحد المشاركين إن رئيس الوزراء أخبر أحد مساعديه الحاضرين في الاجتماع أنه يعتقد أن المشاكل المحيطة بالممر الآمن للغذاء والدواء قد تمت معالجتها بالفعل.
لكنه أكد لعضوي مجلس الشيوخ، كريس كونز من ديلاوير وريتشارد بلومنثال، من كونيتيكت، وكلاهما ديمقراطيان، أنه سيثير هذه القضية مع قادته العسكريين.
خطة إجلاء سكان رفح
وتحدث الرئيس الأميركي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آخر مرة في 18 مارس لحضه على “عدم شن هجوم بري على مدينة رفح الجنوبية”.
وفي يوم الغارة، أجرى مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مناقشة مقررة مسبقا مع المسؤولين الإسرائيليين عبر الفيديو الآمن.
وقال كيربي إن الأميركيين حثوا الإسرائيليين على وضع خطة شاملة لإجلاء 1.5 مليون لاجئ في منطقة رفح.
وقال أيضا إن المحادثات ستستمر حول “ما تبدو عليه رفح الآن وما هي نواياهم للعمليات ضد كتائب حماس التي لا تزال هناك”.
وكشف مسؤولون مطلعون على تلك المناقشات أن “الولايات المتحدة لا تزال تخشى ألا يكون لدى الإسرائيليين خطة موثوقة لإجلاء شامل، وهي عملية يعتقدون أنها قد تستغرق أشهر”، حسب “نيويورك تايمز”.
لكن المسؤولين أشاروا إلى أن نتانياهو لم يشن هجمات رفح بعد، ربما لأن القوات الإسرائيلية ليست جاهزة على الإطلاق، أو ربما بسبب الضغوط الأميركية.
خلافات حول “إدارة الحرب”
وأصبحت العلاقة بين بايدن ونتانياهو أكثر توترا، كانت هناك لحظات أخرى خلال 6 أشهر من الحرب في قطاع غزة، عندما وصلت الولايات المتحدة إلى طريق مسدود في التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحيث لم تتمكن إعلانات الأهداف المشتركة من إخفاء حقيقة أن البلدين على خلاف عميق حول كيفية إدارة الحرب.
ومن المحتمل أن يكون الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي، وهو أحد أنجح الجهود لتجنب المجاعة في غزة، بمثابة “نقطة الانهيار” بالنسبة لبايدن.
لكن مساعديه يقولون إن بايدن يمتنع باستمرار عن الانفصال العلني عن نتانياهو، وهي مواجهة يعتقد أنها لن تؤدي إلا إلى زيادة صعوبة التعامل مع رئيس الوزراء.
والنتيجة هي تعرض بايدن لانتقادات من قبل الجناح التقدمي في حزبه “وبشكل متزايد من قبل المعتدلين”، بسبب تصرفاته بحذر شديد، وعدم رغبته في أن يُنظر إليه على أنه يحد من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، حسبما تشير “نيويورك تايمز”.
وفي الأسابيع الأخيرة، حاول بايدن فصل حملة الضغط التي يشنها على إسرائيل عن سلطته، إذا اختار استخدامها، للحد من إمدادات البلاد من الأسلحة.
وفي الواقع، شكك بعض الدبلوماسيين المخضرمين في أن تكون هذه هي اللحظة التي تغير نهج بايدن، على الرغم من كلماته القوية.
وقال دانييل سي. كيرتزر، السفير السابق لدى إسرائيل: “قد يعتقد المرء أن “الغضب” سيترجم إلى رد فعل سياسي قوي، لكن حتى الآن لا يبدو أن هذا هو الحال”.
وأضاف: “على الرغم من الاعتذارات الإسرائيلية، فإن هذا الهجوم سيزيد الضغط بشكل كبير على مقدمي المساعدات، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية”.
بعد قرار مجلس الأمن.. هل اتسعت الخلافات بين بايدن ونتانياهو؟
جاء إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، فجأة رحلة وفد بلاده رفيع المستوى إلى واشنطن، ليكشف عن اتساع الخلافات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، وإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 32975 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 75577، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، الأربعاء.