أثار تعليق الحرس الثوري الإيراني، على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، تأويلات وتحليلات عدة، تمحورت حول الرسائل التي يتضمنها البيان، والتي تعكس في صياغتها، توجها لتجنب الرد على اغتيال العاروري، بتوصيفه وكأنه محاولة استدراج سيجري تفاديها.
ونقلت وكالات الأنباء الإيرانية، بيانا للحرس الثوري الإيراني، المصنف منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، أدان فيه عملية اغتيال العاروري مع 2 من قادة كتائب القسام، معتبراً أنها “محاولة إسرائيلية فاشلة، للتعويض عن الفشل غير القابل للترميم في غزة”.
ووصف البيان اغتيال العاروري في بيروت أنه انتهاك لسيادة لبنان، و”عمل وحشي”، و”تعطش إسرائيلي للإثارة الحروب” على حد قوله.
“إشارة ذات مغزى”
إلا أن أكثر ما كان لافتاً في البيان توصيفه لعملية الاغتيال بأنها محاولة إسرائيلية لدفع “المقاومة للوقوع في خطأ استراتيجي بالحسابات”.
وفي تعزيز لهذا الموقف، أضاف الحرس الثوري أن “الصبر الاستراتيجي للمقاومة وحزب الله، لن يخرج عن إطار العقلانية والمنطق.”
وقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في غارة بطائرة مسيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، الثلاثاء، وهو واحد من قادة حماس الذين تقول إسرائيل إنها تريد استهدافهم، وتضعهم على لائحة الاغتيال.
والعاروري هو واحد من قائمة كبار المسؤولين في المكتب السياسي لحماس في الخارج وداخل قطاع غزة، والذين باتوا أهدافا لإسرائيل التي تخوض حربا على الحركة ردا على الهجوم الذي شنته حماس، المصنفة إرهابية على القوائم الأميركية، في السابع من أكتوبر.
وذكر بيان “الحرس الثوري” بتزامن اغتيال العاروري مع الذكرى الرابعة لعملية اغتيال قاسم سليماني، ووصفها بأنها “إشارة ذات مغزى”.
إلا أن هذا التزامن في المقابل، فتح باب التذكير بقضية سليماني وحجم التهويل والوعيد الإيراني بالرد بعد اغتياله عام 2020.
والأمر نفسه بالنسبة إلى اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضي موسوي الذي قتل في سوريا أواخر ديسمبر الماضي، الأمر الذي وضع التهديدات بالرد على اغتيال العاروري في خانة التهويل نفسها.
“الصبر الاستراتيجي”
يذكر كلام الحرس الثوري الإيراني عن “الصبر الاستراتيجي”، الصحافي والمحلل السياسي ألان سركيس، بمصطلح يعتمده النظام السوري في تعليقه على القصف الإسرائيلي الذي يتعرض له على مدى السنوات الماضية، حيث كان يتوعد بالرد “في الزمان والمكان المناسبين”، ولم يفعل حتى اليوم.
يضيف سركيس “يبدو أن إيران باتت تنتهج النهج ذاته، بحيث باتت تتلقى الضربة تلو الأخرى دون رد، وتبرر ذلك بنظرية ما بات يسمى “الصبر الاستراتيجي”، وفي الوقت نفسه تدفع وكلاءها لخوض المعارك عنها من الدول الأخرى.”
وتروج طهران والميليشيات والدول المدعومة منها، فيما بات يصطلح على وصفه “محور الممانعة”، لنظرية “الصبر الاستراتيجي”، ووهو ما بات يعبر عن عدم وجود نية للرد السريع أو المباشر على اغتيالات أو ضربات أمنية يتعرضون لها.
حتى ان استخدام المصطلح امتد في إيران إلى السياق السياسي والديبلوماسي، بوصفه استراتيجية معتمدة.
بينما يرى سركيس أن “هذه نظرية يحاولون الترويج لها لتبرير عجزهم عن خوض حرب شاملة، والإيفاء بالتزاماتهم وتهديداتهم التي يطلقونها.”
ويتابع “إذا ما نظرنا إلى السياسة الإيرانية الكبرى، بعيدا عن بعض الأنشطة العسكرية بالوكالة هنا وهناك، الاستراتيجية الكبرى تقوم على سياسة التمدد في الدول العربية والسيطرة عليها، أما في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل لا نرى إيران ترد على حجم الضربات التي تتلقاها.”
ويرى الكاتب والمحلل اللبناني أن كل الكلام عن تصعيد أو رد “لا يعدو كونه كلاما بكلام”، مشيراً إلى أن إيران “تتلقى الضربات تلو الضربات، ولا ترد، وهي في الحقيقة أضعف من أن ترد”.
ويضيف أن هجوم حماس كان فرصة ذهبية لما يسمى محور الممانعة للدخول على خط المعركة، “لكن ذلك لم يحصل، وإنما كانت عمليات مضبوطة من ناحية الوكلاء والحلفاء لتحقيق المصالح الإيرانية الاستراتيجية، التي تسعى في النهاية للتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة حول مصالحها مثل البرنامج النووي.”
ويخلص إلى أنه “لو كانت إيران صادقة بما تقوله وتتوعد به، ها هي اليوم غزة ترمد ولم نر إيران تقوم بأي شيء انسجاما مع تهديدها ووعيدها.”
معادلات جديدة
بالنسبة إلى سركيس، اغتيال القيادي في حماس في الضاحية الجنوبية “أثبتت التفوق التكنولوجي والاستخباراتي لإسرائيل وحلفائها، وأظهر زيف الدعاية حول تقدم إيران وقدراتها الاستخباراتية والعسكرية.”
من جهته لا ينفي المحلل الاستراتيجي والعسكري، عمر معربوني، أن المعركة في الجانب الأمني “لا تزال لمصلحة إسرائيل، وهذا واضح ومسلم به، بحيث يمتلك الجانب الإسرائيلي القدرة الأكبر على الاستعلام الإلكتروني الحديث، أو البشري على الأرض أيضاً.”
بينما في الجانب العسكري، يضيف معربوني، “لم يستطع الإسرائيلي، منذ العام 2000، في أي جولة قتال على مختلف الجبهات تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة.”
ويتابع أنه وفي ظل هذه المعركة المفتوحة والمستمرة منذ 3 أشهر، “باتت هناك معادلات جديدة تقارب الأمور بها، وتختلف عن المعادلات التي كانت سائدة من قبل، لا يجوز إسقاط المعادلات السابقة على الوضع الحالي.”
وكان سبق لأمين عام حزب الله، حسن نصرالله، أن توعد في أغسطس الماضي إسرائيل في حال شنت أي عملية اغتيال لشخصية فلسطينية، أو إيرانية، أو عراقية، أو غيرها في لبنان، مهدداً برد قوي. وهو أمر استذكره المحللون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وانسحب هذا التهديد على كلمة لنصرالله بثت اليوم الأربعاء، حملت التعليق الأول له على مقتل القيادي في حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
حيث أكد نصرالله أن مقتل العاروري لن يمر دون “رد وعقاب”، مع إشارة إلى تبدل في المعادلات في زمن الحرب، لكنه تابع أن “الحرب لا تغير من الوعد شيئا الجريمة كبيرة ولا يمكن السكوت عليها، ولن تبقى دون رد وعقاب.”
بدوره يلفت معربوني إلى وجود نوع من إدارة للحرب القائمة بالفعل بين حزب الله وإسرائيل.
ويضيف: “بالنسبة إلى لبنان، الرد هو حتمي، ولكن سيكون من خلال الوضعية الحالية وليس من خلال المعادلات السابقة للحرب، أما كيف وأين؟ فهذا ما لا يمكن التنبؤ به.”
ضمن قواعد الاشتباك
ويشرح معربوني أن ما يجري في لبنان هو حالة حرب مقيدة بالمستوى والعمق وسقف الأهداف، تسمى “قواعد الاشتباك”.
قواعد الاشتباك تم خرقها من الجانب الإسرائيلي من ناحية العمق والهدف في عملية اغتيال العاروري، بحسب معربوني، حيث ضرب بغارة جوية في الضاحية الجنوبية التي تبعد 85 كلم عن الحدود.
ليس بالضرورة أن يتم الرد في العمق نفسه، وفقاً للمحلل العسكري، “قد يكون استهدافاً في الشمال الإسرائيلي لهدف عسكري رفيع المستوى أو عملية من هذا النوع، ولكن بتقديري يدير حزب الله الاشتباكات تحت عنوانين “الحكمة والحزم” معاً، بحيث يراعي الوضع اللبناني والانقسام السياسي والواقع الاقتصادي السيئ. وفي الوقت نفسه يخوض اشتباكات محدودة على الحدود يلحق عبرها الضرر بالجانب الإسرائيلي ويشغل قواته عن حرب غزة ويساهم في استنزافها.”
بالنسبة إلى معربوني فإن هجمات حزب الله تمنع الجيش الإسرائيلي من تركيز جهوده وكامل قدراته في حربه مع حماس، وبالتالي “بالنسبة له يحقق له التأثير المطلوب في دعمه لحماس في غزة.”
ما يسمى بـ”محور الممانعة”، يهدف وفقاً لمعربوني، إلى “الاستنزاف البنيوي لإسرائيل”، والذي يقوم على تعميق الهوة في عنصرين أساسيين في إسرائيل، الأمن والردع”، معتبراً أن هناك فقدانا اليوم لهذين العنصرين.
ما من سوابق
ويذكّر المحلل العسكري بأنه لم يكن هناك سابقة سجلت على كل دول محور الممانعة بأن كان هناك “رد استثنائي على اغتيال قادة من هذا المحور، والأمثلة على ذلك كثيرة، عماد مغنية مثلاً وقاسم سليماني في الماضي، واليوم رضي الموسوي ونجل النائب محمد رعد.”
ويتابع معتبراً أن ذلك يعود لكون “هذا المحور يساوي في ردة فعله على مقتل قادته كما مقتل عناصره، فلا يميز بالرد.”
من ناحيته يرى سركيس أن كل ذلك “مبررات ساقطة وغير موجودة، وإلا لكانوا دخلوا الحرب، ولكنهم يخونون الناس ويستعرضون بقدراتهم، ويرفضون الدعوات الداخلية بعدم التدخل في الحروب، ثم يخرجون بمصطلحات ساقطة بالقاموس اللبناني والعربي للتبرير.”
ويشدد على أن “إسرائيل ليست في مأزق بحرب غزة كما يروج محور الممانعة، وإنما الحقيقة أن الشعب الفلسطيني وسكان غزة هم في المأزق، لو كانت إسرائيل في مأزق لما رأينا اغتيالا مثل الذي حصل بالأمس.”
ما يجري واقعياً، بحسب سركيس “هو ارتداع ايران والتزامها بقواعد مضبوطة تضعها الولايات المتحدة وإسرائيل.”
ويضيف “كل الدعاية الإيرانية ودعاية الميليشيات التابعة لها تقوم على فكرة الحرب والتجهيز والتحضير للحرب، ويتحدثون ليل نهار عن القدرات العسكرية، ثم تنكفئ عندما تصل الحرب.”
أما لناحية حزب الله فيرى سركيس أن عليه إما أن يخضع لقرار الدولة اللبنانية بالسلم والحرب واحترام سيادة لبنان ومصالحه، أو أن أيدخل في الحرب الشاملة الموعودة إن كان يشعر أنه بالقوة الكافية وينفذ ما يقوله ويهدد به.
ويخلص الكاتب والمحلل اللبناني إلى أن حزب الله جزء من منظومة إيران، “وإن لم يكن هناك قرار استراتيجي من إيران بدخول الحرب الشاملة، فهو لن يدخل بالحرب لو إسرائيل وصلت إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.”