الجذور والمصالح والتقلبات.. العلاقات الصينية-الإسرائيلية في ضوء حرب غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

تزداد الانتقادات الموجهة من مراكز الأبحاث الإسرائيلية للموقف الصيني من العدوان على غزة في ظل عدم إدانة بكين لحركة حماس، ودعوتها على لسان وزارة خارجيتها الأطراف المتحاربة للهدوء وضبط النفس.

وتنقم إسرائيل أيضا على الصين تأكيدها على ضرورة التوصل لتسوية شاملة وعادلة تقوم على حل الدولتين، فضلا عن استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن برفقة روسيا على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة يدين حماس ولا يدعو لوقف إطلاق النار، وهو ما رحب به رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في بيان رسمي.

وكان من المفترض أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكين قريبا لبحث تعزيز التعاون الاقتصادي، وذلك بعد أن زارها في يونيو/حزيران الماضي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للاجتماع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، ضمن مساعي بكين للعب دور وساطة في القضية الفلسطينية بعد توسطها في الاتفاق بين السعودية وإيران.

وهذه الجهود تندرج في إطار “مبادرة الأمن العالمي” التي تعمل بكين بموجبها كوسيط في النزاعات الإقليمية لتعزيز دورها الدولي.

وجاء الرد الإسرائيلي الأولي على موقف الصين بشأن غزة عبر انضمام تل أبيب إلى جانب 50 دولة أخرى في الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لإدانة إجراءات السلطات الصينية تجاه سكان إقليم تركستان الشرقية من الإيغور، ويتوقع أن تزداد الفجوة السياسية بين الطرفين على عكس الوضع بينهما خلال العقد الماضي.

جذور العلاقة

اعترفت إسرائيل عام 1950 بدولة الصين، لكن ظلت العلاقات بينهما عرضة للتأثيرات السلبية بواسطة أطراف ثالثة، مما عوق إنشاء علاقات رسمية بينهما لأكثر من 40 عاما.

ففي عام 1951 ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لتجميد علاقاتها مع الصين على وقع الاقتتال الأميركي الصيني في حرب كوريا.

ومن جانبه تبنى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ موقفا يرى أن “إسرائيل وتايوان هما قاعدتان للإمبريالية في آسيا، حيث أسس الغرب إسرائيل ضد العرب، وتايوان ضد الصين” حسب تعبيره. وبالتالي ظلت بكين وتل أبيب على طرفي نقيض خلال حقبة الحرب الباردة.

في المقابل، دعت بكين منظمة التحرير الفلسطينية لإرسال بعثة شبه دبلوماسية كانت الأولى لها في بلد غير عربي، كما اعترفت في عام 1988 بدولة فلسطين.

ولكن مع حدوث انفراجة في العلاقات الصينية-الأميركية، وعقد مصر لاتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979، بدأ يطرأ تحسن على العلاقات الصينية الإسرائيلية، وهو ما تطور إلى إقامة علاقات دبلوماسية في عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام بين الدول العربية وإسرائيل.

المصالح المتبادلة

من جانبها، عملت إسرائيل على الموازنة بين علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وجهودها لبناء علاقة مع الصين، وحدثت قفزة جوهرية في العلاقات الثنائية عام 2013 بالتزامن مع توتر العلاقات بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

يومها زار نتنياهو بكين معلنا عن توجهه إلى تعزيز الشراكات مع كافة القوى العالمية، ثم أعلن في زيارته التالية عام 2017 عن إنشاء “شراكة شاملة للابتكار” بين البلدين.

عقب ذلك، زادت الشركات الصينية من استثماراتها في إسرائيل، حيث شاركت في تحديث الموانئ وإنشاء البنية التحتية. وأصبحت الصين حاليا ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وارتفعت التبادلات التجارية بينهما إلى 24.45 مليار دولار في عام 2022 بعد أن كانت 50 مليون دولار فقط في عام 1992.

تحكم المصالح المتبادلة العلاقة بين الصين وإسرائيل، إذ لا توجد بينهما قيم مشتركة أو علاقة خاصة. فتل أبيب تسعى إلى تعميق علاقاتها مع الاقتصاد الصيني الذي يعد الأسرع نموًا في العالم، مما يخدم تنويع أسواق صادراتها واستثماراتها، وكذلك تشجع تدفق رأس المال الصيني إلى إسرائيل، فضلا عن تحوطها من احتمال صعود الصين مستقبلا إلى مقعد الدولة المهيمنة عالميا.

من جهتهم، ينشد الصينيون المساعدة من إسرائيل في تحفيز الابتكار والبحث والتطوير وبالأخص في مجال التكنولوجيات الزراعية والطبية وتحلية المياه، فضلا عن مجالات الأمن السيبراني، وتقنيات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي،

وتعسى بيكين لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية بإسرائيل وحثها على الانخراط في مبادرة “الحزام والطريق”، وذلك ضمن جهودها لتقويض علاقات واشنطن مع الدول الحليفة بحسب دراسة لمركز “راند” صدرت في عام 2019.

أوجه الافتراق

رغم تحسن العلاقات بين تل أبيب وبكين، لكن يوجد فيتو أميركي على تطور علاقات الطرفين في المجالات العسكرية والتقنية، فواشنطن تنظر إلى بكين كمنافس عالمي، وتشعر بالقلق إزاء نقل أي تكنولوجيا يمكن أن تمنحها تفوقا عسكريا.

ولذا أجبرت واشنطن تل أبيب في عام 2000 على إلغاء صفقة بيع نظام الرادار المحمول جوا “فالكون” إلى الجيش الصيني، وهو ما اضطر إسرائيل إلى دفع غرامة قدرها 350 مليون دولار.

ثم أجبرت واشنطن تل أبيب مجددا في عام 2005 على إلغاء صفقة صيانة وتحديث طائرات دون طيار سبق أن باعتها إلى الصين، وصولا إلى دفعها لإصدار قانون مراقبة الصادرات الإسرائيلي لعام 2007، والذي أخضع جميع عمليات بيع المعدات العسكرية والصادرات الإسرائيلية ذات الاستخدام المزدوج إلى الصين لموافقة الولايات المتحدة.

وهذا الفيتو الأميركي أدى إلى تعثر مسار العلاقات العسكرية الصينية الإسرائيلية.

وامتد الموقف الأميركي لاحقا ليشمل التحفظ على فوز شركة صينية بعقد مدته 25 عاما لتشغيل محطة حاويات جديدة في ميناء حيفا بدءا من عام 2021، بحجة أن سفن الأسطول السادس الأميركي تزور الميناء بشكل متكرر، وأن الوجود الصيني في الميناء سيتيح مراقبة تحركات السفن الأميركية، مما يمكنه من الوصول إلى أنظمة المعلومات الموجودة على متنها.

وتوجد تحديات أخرى تواجه العلاقات بين إسرائيل والصين، في مقدمتها العلاقات الصينية الإيرانية، فالصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني.

كما ساعدت بكين طهران على تعزيز قدراتها العسكرية عبر بيعها صواريخ باليستية وأخرى مضادة للسفن، مما يمثل تهديدا للمصالح الإسرائيلية.

وفي المقابل، تمثل العلاقات الإسرائيلية العسكرية المتنامية مع الهند تحديا لبكين، إذ حازت الهند على 33% من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2001 و2021. في حين سمحت واشنطن لإسرائيل ببيع الهند نظام “فالكون” للرادار المحمول جوا بعد 3 سنوات من حجبها بيعه للصين.

تداعيات الحرب

من منظور بكين فهناك عدة مكاسب من الحرب الإسرائيلية على غزة، من أبرزها إعادة توجيه الولايات المتحدة لمواردها العسكرية نحو الشرق الأوسط بدلا من منطقة المحيطين الهادي والهندي، وانشغالها بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بجانب حرب أوكرانيا بدلا من ملف تايوان، وتزايد فرص تعثر الممر التجاري الجديد الممتد من الهند إلى أوروبا عبر الخليج وميناء حيفا، والذي أعلن عنه بايدن مؤخرا أثناء انعقاد قمة مجموعة الـ20 بالهند، إذ يمثل بديلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

ومن الفوائد التي حازتها الصين أيضا، تراجع شعبية الولايات المتحدة نتيجة انحيازها لإسرائيل، وفي المقابل تطرح الصين نفسها كوسيط محايد، فأرسلت مبعوثها الخاص تشاي جون للقيام بجولة شملت مصر وقطر والسعودية والإمارات، فضلا عن عرقلتها مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن الذي يتجاهل الدعوة لوقف إطلاق النار.

وهذا الموقف الأخير يضاف لرفض الصين في عام 2017 الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

ويخلص تحليل لمنصة “أسباب” -وهي منصة معنية بتحليل أبعاد ومآلات التطورات الإقليمية والدولية- إلى أن حرب غزة من المرجح أن تعزز علاقات قوى إقليمية مع الصين، لأنها توفر لهم بدائل في مواجهة مواقف الغرب المنحازة بشكل غير مسبوق لإسرائيل.

ويقول هذا التحليل إن “الضغوط الغربية على بعض الدول العربية من أجل قبول تهجير أهل غزة كانت مزعجة إلى أقصى حد، مما يظهر عدم اهتمام الغرب بالاعتبارات الأمنية الداخلية لحلفائه، وأنه يضع الأولوية لحل مشكلة الاحتلال الديمغرافية دون اكتراث بمصالح باقي الدول”.

ويذهب التحليل إلى أن الصين أظهرت في المقابل جدية أكثر إزاء دعم دعوات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية إلى غزة.

حرب إقليمية

ومن زاوية أخرى، تخشى بكين من اتساع نطاق الصراع ليتحول إلى حرب إقليمية، وهو ما سيؤثر على اقتصادها الذي يعتمد بالدرجة الأولى على واردات النفط من الخليج، ولذا نقلت رسائل للتهدئة بين واشنطن وطهران، وفق ما كشف عنه بايدن خلال لقائه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع الرئيس الصيني.

ولا يتوقع أن تنجح الصين في رعاية تفاهمات إسرائيلية فلسطينية، في ظل احتكار واشنطن لهذا الملف، واعتماد تل أبيب بشكل عميق على واشنطن عسكريا وسياسيا، مما يجعلها ملتزمة بموقف واشنطن من بكين.

وواشنطن لن تمنح بكين مساحة لزيادة نفوذها السياسي، والذي لا يخدم أصلا المصالح الإسرائيلية، ولا يتوافق مع رؤية تل أبيب تجاه الفلسطينيين.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *