سلط تقرير مطول لوكالة “أسوشيتد برس”، السبت، الضوء على شبكة الأنفاق التي بنتها حركة حماس أسفل غزة ووصفتها بأنها تمثل “التهديد الأكبر” على القوات الإسرائيلية التي تستعد لشن هجوم بري واسع على القطاع المحاصر.
يقول التقرير إن متاهة واسعة من الأنفاق، التي بنتها حماس وتمتد عبر أحياء مكتظة بمدينة غزة، تهدف لإخفاء مسلحيها وترسانتها الصاروخية وأكثر من 200 رهينة تم احتجازهم في هجوم غير مسبوق للحركة في السابع من أكتوبر على إسرائيل.
ويرى التقرير أن تطهير هذه الأنفاق سيكون أمرا حاسما إذا ما كانت إسرائيل تسعى لتفكيك حماس.
ومع ذلك يشير التقرير إلى أن القتال تحت الأرض من شأنه أن يجرد الإسرائيليين إلى حد كبير من المزايا التكنولوجية التي يتمتع بها جيشها، بينما يعطي ميزة لحماس فوق الأرض وتحتها.
“مترو غزة”.. كيف تجنبت حماس اكتشاف خطة الهجوم على مدى عامين؟
كشفت شبكة “سي أن أن” الأميركية، أن معلومات استخباراتية تمت مشاركتها مع الولايات المتحدة، قبل هجوم حماس على إسرائيل، أفادت بأن عناصر من الحركة، كانوا يستخدمون شبكة من خطوط الهواتف داخل أنفاق غزة على مدى عامين تحضيرا للهجوم.
تعد “حرب الأنفاق” كما وصفها التقرير من أكثر الحروب صعوبة على مستوى التاريخ، حيث يمكن للعدو الذي أنشأ الأنفاق أن يختار المكان الذي ستبدأ فيه المعركة، وغالبا ما يحدد كيف ستنتهي، نظرا لخياراته الواسعة في نصب الكمائن.
ينطبق هذا الأمر على قطاع غزة، بعد أن تمكنت حماس من تطوير شبكة أنفاقها بعد عام 2007 عندما فرضت إسرائيل ومصر حصارا مشددا على القطاع، وفقا للتقرير.
يقول التقرير إن مصر تمكنت في تلك الفترة من إغلاق معظم تلك الأنفاق العابرة للحدود، ومع ذلك يعتقد أن حماس لديها الآن شبكة ضخمة تحت الأرض تمتد في جميع أنحاء غزة، مما يسمح لها بنقل الأسلحة والإمدادات والمسلحين بعيدا عن مرمى الطائرات الإسرائيلية المسيرة.
في عام 2021 ادعى قائد حماس في غزة يحيى السنوار أن الحركة تمتلك أنفاقا بطول 500 كيلومتر في القطاع الذي تبلغ مساحته حوالي 360 كيلومترا مربعا فقط.
يقول التقرير إن الجيش الإسرائيلي على علم بالتهديد الذي تشكله الأنفاق منذ عام 2001 على الأقل، عندما استخدمت حماس نفقا لتفجير قنبلة تحت موقع حدودي إسرائيلي.
ومنذ عام 2004، ركزت قوة “سامور” وتعني باللغة العبرية حيوان ابن عرس، التابعة للجيش الإسرائيلي على تحديد مواقع الأنفاق وتدميرها، أحيانا باستخدام الروبوتات التي يتم التحكم فيها عن بعد.
استعانت إسرائيل بالقصف الجوي واستخدمت متفجرات على الأرض لتدمير الأنفاق في الماضي، لكن طرد حماس بشكل كامل سوف يتطلب تطهير تلك الأنفاق، حيث يمكن أن يظهر مسلحوها فجأة خلف القوات الإسرائيلية أثناء تقدمها.
“قتال الأشباح”
خلال حرب عام 2014، قتل مسلحو حماس ما لا يقل عن 11 جنديا إسرائيليا بعد التسلل إلى إسرائيل عبر الأنفاق.
وفي حادثة أخرى، تم اختطاف ضابط إسرائيلي باستخدام نفق داخل غزة ومن ثم قتله حيث لا تزال حماس تحتفظ برفاته لغاية اليوم.
يصف أرييل بيرنشتاين، وهو جندي إسرائيلي سابق شارك في تلك الحرب، القتال في المناطق الحضرية في شمال غزة بأنه مزيج من “الكمائن والفخاخ والمخابئ والقناصة”.
وأشار إلى أن الأنفاق كان لها تأثير ومربك، لأن مسلحي حماس كانوا يظهرون فجأة من العدم، مضيفا:” أنت لا تراهم.. كان الأمر كما لو كنت تقاتل أشباحا”.
في تصريحات أدلى بها الجمعة، توقع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هجوما بريا صعبا، محذرا من أن تفكيك شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحركة حماس “سيستغرق وقتا طويلا”.
وبعد ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ غارات جوية “مهمة جدا” على أهداف تحت الأرض في غزة.
عادة، تعتمد الجيوش الحديثة على الضربات الجوية لتدمير الأنفاق، لكنها مع ذلك لا يمكن أن تلحق سوى أضرار محدودة.
ولتسليط الضوء على مدى صعوبة تدمير الأنفاق، استخدمت الولايات المتحدة على سبيل المثال “أم القنابل” وتزن نحو 11 طنا وتعد أكبر سلاح غير نووي يستخدمه الجيش الأميركي في تاريخه، من أجل استهداف أنفاق تابعة لتنظيم داعش في أفغانستان في عام 2017.
تعقيدات إضافية
ومع ذلك تواجه إسرائيل تحديا كبيرا لم تواجهه أي قوة عسكرية عانت من مشكلة الأنفاق، وفقا للتقرير، ويتمثل باحتجاز حماس المصنفة إرهابية لحوالي 200 رهينة كانت قد أسرتها في الهجوم السابع من أكتوبر.
يقول التقرير إن إفراج حماس يوم الاثنين عن رهينتين إسرائيليتين أكد الشكوك المتعلقة بإخفاء الحركة للرهائن داخل شبكة الانفاق.
وقالت يوشيفيد ليفشيتز (85 عاما) الرهينة الإسرائيلية التي أُفرج عنها هذا الأسبوع “بدت مثل شبكة العنكبوت، أنفاق كثيرة جدا، سرنا كيلومترات تحت الأرض”.
من المرجح أن تكون عملية تطهير الأنفاق مع الرهائن المحتجزين بداخلها “بطيئة ومنهجية”، حيث يعتمد الإسرائيليون على الروبوتات وغيرها من المعلومات الاستخبارية لرسم خريطة للأنفاق والفخاخ المحتملة، وفقا لمركز صوفان، وهو مركز أبحاث أمني مستقل في نيويورك.
وقال المركز إن “استخدام الرهائن كدروع بشرية سيضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى القتال”.
يشير التقرير إلى أن الجنود الإسرائيليين سيواجهون أجواء خانقة ومرعبة أثناء القتال في الأنفاق.
تحذر الدكتورة دافني ريتشموند باراك، الخبيرة في الحرب تحت الأرض والأستاذة بجامعة رايخمان في إسرائيل من أن العديد من المزايا التكنولوجية التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي ستختفي، مما يمنح مسلحي حماس التفوق.
تقول ريتشموند باراك: “عندما تدخل نفقا، يكون ضيقا للغاية، ويكون مظلما ورطبا، وسرعان ما تفقد الإحساس بالمكان والزمان. لديك هذا الخوف من المجهول، ومن سيأتي”.
وتضيف: “بمجرد الوصول لزاوية متا في النفق تبدأ بالتفكير، هل سيكون هناك كمينا؟ لا أحد يستطيع أن يأتي وينقذك. بالكاد يمكنك التواصل مع العالم الخارجي، ومع أفراد وحدتك”.
يعتقد التقرير أن المعارك يمكن أن تجبر الجيش الإسرائيلي على الدخول في قتال بالأسلحة النارية قد يتسبب بقتل رهائن عن طريق الخطأ.
وتبين ريتشموند باراك أن الفخاخ المتفجرة يمكن أن تنفجر أيضا مما يؤدي إلى دفن الجنود والرهائن أحياء، مضيفة أنه “حتى مع هذه المخاطر فيجب تدمير الأنفاق حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية”.