اعتبر حقوقيون سوريون القرار الذي اتخذته محكمة الاستئناف في باريس، الأربعاء، بالمصادقة على مذكرة توقيف رأس النظام السوري، بشار الأسد “خطوة تاريخية”، وأشار أحدهم في حديثه لموقع “الحرة” إلى “مشوار سريع وآخر أطول” ستشهده الأيام المقبلة.
كما أكدت ذات المحكمة أيضا على مذكرات التوقيف الصادرة بحق ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، واثنين من كبار المسؤولين العسكريين السوريين، بسبب اتهامهم بالمسؤولية عن الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية ودوما، في أغسطس 2013.
وبذلك تكون غرفة التحقيق رفضت الطلب الذي قدمه مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب، قبل أشهر، بإلغاء مذكرة التوقيف، بسبب “الحصانة الشخصية للرؤساء أثناء وجودهم في السلطة”.
وكان التحقيق في قضية “كيماوي دوما” عام 2013 فتح في مارس 2021، بناءً على شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” (SCM) وضحايا سوريون، بالاستناد إلى شهادات من ناجين وناجيات.
وحظيت الشكوى بدعم “الأرشيف السوري” و”مبادرة عدالة المجتمع المفتوح”، و”منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية”، التي انضمت إلى التحقيق كأطراف مدنية، بالإضافة إلى أعضاء من “رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية” (AVCW).
ويقول المدير العام لـ”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، إن قرار “محكمة الاستئناف الفرنسية اليوم خطوة بغاية الأهمية، وتاريخية أيضا، ليس فقط للضحايا السوريين، بل للضحايا في كل العالم”.
ويضيف لموقع “الحرة” أن التصديق على مذكرة توقيف الأسد “سابقة أيضا، سيتم البناء عليها، ليس في سوريا بل في كل العالم”.
ومن خلال تأكيدها لصحة مذكرة التوقيف بحق الأسد، تؤكد “الاستئناف” الفرنسية أن “الحصانة غير متاحد لأحد، خاصة لأولئك الذين ارتبطت أسماؤهم بجرائم الحرب وضد الإنسانية والجرائم المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية”، بحسب درويش.
ويتابع: “لا يمكن أن تكون الحصانة درع للوقاية من العقاب أو القبول بهذا النوع من الجرائم بأي سبب كان”.
“حكم تاريخي”
وبدوره، يقول هادي الخطيب، مؤسس ومدير منظمة “الأرشيف السوري” إنه وبعد مطالعة الأدلة، لم يشكك أي قاض أو مدعٍ في فرنسا في دور بشار الأسد في الهجمات الكيماوية على الغوطة ودوما في أغسطس 2013.
ويضيف: “بالنسبة للضحايا والناجين والشعب السوري و غيرهم من المتضررين بشكل مماثل حول العالم أقول: يجب أن تكون المطالبة بالمساءلة القضائية عن مثل هذه الفظائع ممكنة ضد كل من يثبت تورطه فيها”.
واعتبرت عايدة ساماني، مستشارة قانونية كبيرة في منظمة المدافعون عن الحقوق المدنية أن “الحكم الذي ساهمت فيه محكمة الاستئناف في باريس تاريخي بشكل مهم في إبطال الوضع الراهن حول الحصانات”.
وتابعت بالقول: “نأمل أن يقرب (هذا الحكم) المجتمع الدولي خطوة واحدة نحو نظام عالمي، لا يستطيع فيه رؤساء الدول ارتكاب جرائم دولية فاضحة، دون عقاب”.
ماذا بعد؟
وتثار تساؤلات في الوقت الحالي عن ماهية الخطوات التي قد تتبعها فرنسا في المرحلة المقبلة، بعد تأكيد صحة مذكرة التوقيف الصادرة بحق الأسد.
ويشرح الحقوقي السوري درويش أنه توجد 5 أيام للطعن بقرار المصادقة أمام محكمة النقض.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب سيتخذ هذه الخطوة.
وبينما يستبعد الحقوقي السوري الاتجاه لذلك، يوضح أن “المدعي العام قال إنه يريد قرارا من محكمة أعلى. وبالتالي من المفترض أنه أخذ ذلك من محكمة الاستئناف”.
وستكون الإجراءات التفيذية سريعة من جانب فرنسا، ومع الدول التي تشترك معها باتفاقيات.
وفي المقابل “سيكون المشوار طويلا والمعركة أطول”، خاصة فيما يتعلق بالإنتربول، كما يشير الحقوقي السوري درويش.
“بعد خطوة غيابية”
ويأتي قرار محكمة الاستئناف الفرنسية بعد شهر من حكم فرنسي بالسجن مدى الحياة بحق 3 مسؤولين في نظام الأسد، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.
والمسؤولون الثلاثة هم: علي مملوك الرئيس السابق لمكتب الأمن القومي المشرف على أجهزة الأمن والمخابرات في سوريا، وجميل حسن مدير المخابرات الجوية الأسبق، بالإضافة إلى عبد السلام محمود المدير السابق لفرع التحقيق في ذات الفرع الأمني الذي يترأسه حسن.
وفي قضايا سورية أخرى، أصدرت الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس في وقت سابق، 7 أوامر اعتقال في قضايا مختلفة استهدفت بها 7 مسؤولين كبارا آخرين في النظام السوري.
وفي 19 أكتوبر 2023 أيضا أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف دولية بحق 4 مسؤولين كبار سابقين في الجيش السوري يشتبه في مسؤوليتهم في قصف على درعا عام 2017، أدى إلى مقتل مدني فرنسي-سوري.
ومن بين المسؤولين الذين استهدفتهم مذكرات التوقيف، وزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، المتّهم بـ”التواطؤ في هجوم متعمد ضدّ السكان المدنيين، الذي يُشكّل بحد ذاته جريمة حرب”.