قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن إسرائيل اقتربت من شن عملية عسكرية في رفح أقصى جنوب قطاع غزة، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني، بسبب الحرب التي تقترب من بلوغ شهرها السابع.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية العامة “كان” أن الجيش أعد خطة التوغل في رفح، وصدق عليها في انتظار أوامر المستوى السياسي.
وحسب المصدر ذاته، فإن الجيش يرجح خروج 150 ألف فلسطيني – حتى الآن – من رفح باتجاه المواصي وخان يونس.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أوردت ذات الأنباء التي تفيد بوضع الجيش الإسرائيلي لخطة عملية رفح، لكنها أشارت إلى أن العمليات ستكون “تدريجية” بدلا من كونها شاملة.
وكانت نائبة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الضابطة إيلا، قالت، الأربعاء، لموقع “الحرة” إن “القوات الإسرائيلية حاليا على أتم الاستعداد لدخول جميع المناطق التي تتواجد بها كتائب حماس من أجل “تفكيكها”.
وردا على سؤال بشأن ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية بشأن “اقتراب” العملية، قالت إيلا: “من أجل تفكيك حماس سيصل الجيش الإسرائيلي لجميع الأماكن، لكن ننتظر القرار السياسي والضوء الأخضر، ووقتها سوف نتحرك بكل قوة”.
وأشارت إلى أن “الجيش الإسرائيلي جاهز لكل الحالات والسيناريوهات، وأن أي قرار بدخول أي منطقة معينة سنقوم بتنفيذه على الفور ونحن مستعدون لذلك”. لكنها لم توضح ما إذا كان القرار قد صدر بالفعل من عدمه.
ووفقا لمحللين تحدثوا لموقع قناة “الحرة”، فإن أي خطة لعملية عسكرية من شأنها تحريك أكثر من مليون مدني نازح في رفح ستكون “غير واقعية” في تطبيقها.
“عمليات تدريجية”.. ما هي خطة إسرائيل لاجتياح رفح؟
تستهدف إسرائيل القيام بعمليات عسكرية تدريجية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بدلا من عملية شاملة، وذلك للحد من سقوط ضحايا من المدنيين، حسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مسؤولين مصريين ومسؤولين إسرائيليين سابقين.
الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء محمد عبدالواحد، قال لموقع “الحرة” إن هذه الخطة “غير واقعية”، ووصف عملية رفح بشكل عام بـ”المعقدة”.
ويصنف اللواء عبدالواحد الخطة الإسرائيلية في عملية رفح إلى 3 محاور رئيسية: إنسانية عسكرية وسياسية.
يشرح قائلا: “المحور الإنساني يصعب تحقيقه بتحريك أكثر من مليون نازح في رفح إلى مناطق أخرى. نظريا، تستغرق عملية نقل المدنيين شهر ونصف، ولكن على الأرض ربما تستغرق وقتا أكبر وتخلف مشاكل خيالية، بما في ذلك الصدمات النفسية”.
“من خطير إلى أخطر”
وتعهد المسؤولون الإسرائيليون بـ”محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، عن طريق نقل الفلسطينيين إلى المناطق الإنسانية التي يتوفر بها الغذاء والماء والمأوى والخدمات الطبية”، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ومن المتوقع أن تمتد أكبر منطقة إنسانية في غزة، من شريط شاطئ المواصي في رفح باتجاه دير البلح في الجزء الأوسط من القطاع، حسب ما نقلت “وول ستريت جورنال”، عن مسؤولين مصريين.
كما من المتوقع أن تقوم إسرائيل بـ “توجيه الأشخاص بالمنشورات والمكالمات الهاتفية إلى المناطق التي سيذهبون إليها، كما فعلت في المرات الماضية”، وفقا للصحيفة ذاتها.
ويقول عبد الواحد إن “40 ألف خيمة في المنطقة (الإنسانية) لا تكفي كل النازحين.. كما أن النزوح سيتم من خلال قوات إسرائيلية حتى تتأكد من الناس وتقبض على المشتبه بهم والعملية برمتها ستكون صعبة”، وهو رأي يتفق مع المحلل السياسي من الضفة الغربية، نهاد أبو غوش.
ويقول أبو غوش، لموقع “الحرة”، إن “الموضوع صعب.. لا توجد منطقة آمنة في غزة”، مضيفا أن العملية ستكون “الانتقال من مكان خطر إلى مكان أخطر”.
ويضيف أن الاعتقال “سيكون مصير ينتظر معظم النازحين حيث سيتولى الجيش الإسرائيلي التدقيق في كل فرد وفصل الرجال عن النساء ولا توجد ممرات آمنة”.
حرب غزة.. محور فيلادلفيا يضع العلاقات المصرية الإسرائيلية على المحك
مع تقدم قواتها جنوبا في غزة، تستعد إسرائيل لتحقيق هدف تراه مهما لأمنها في المرحلة التالية من الحرب، لكنه قد يدخل علاقاتها بمصر في أزمة بعد عقود من السلام والتعاون بين البلدين.
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية التي التقطتها شركتا “ماكسار تكنولوجيز” و”بلانيت لابز”، صفوفا جديدة من الخيام البيضاء خارج خان يونس في جنوب غزة، في الفترة ما بين 7 و23 أبريل الجاري.
وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الخيام مرتبطة بأي عملية وشيكة في رفح، حسب “وول ستريت جورنال”.
وقال مسؤولون مصريون وإسرائيليون سابقون للصحيفة الأميركية، دون أن تكشف عن هويتهم، إن إسرائيل “تخطط للمضي قدما في العملية العسكرية في رفح على مراحل، على أن تشمل إخلاء الأحياء مسبقا قبل بدء العمليات”.
عسكريا، تدرس إسرائيل 3 سيناريوهات لعملية رفح، التي بدأ الحديث عنها للمرة الأولى في ديسمبر الماضي، حسبما يقول اللواء عبدالواحد.
ويتابع: “السيناريو الأول يتمثل في اجتياح كلي من جميع الاتجاهات على غرار ما حدث في الشمال وخان يونس (جنوبا) وهذا محفوف بالمخاطر؛ لأنه سيخلف مخاطر كارثية بالمنطقة”، في إشارة لوقوع المزيد من الضحايا المدنيين.
واستطرد بقوله: “هناك سيناريو آخر وهو اجتياح جزئي من جهة الشرق على الحدود بين إسرائيل وغزة ومن الجنوب على امتداد محور فيلادلفيا وهذا سيجعل إسرائيل تسيطر على القطاع بالكامل”.
أما السيناريو الثالث، فهو التواجد في مناطق محصنة والقيام بعمليات نوعية عبر الطائرات السيرة والتوغل البري المحدود، وفقا لعبدالواحد، الذي يرجح السيناريو الثاني الذي “ستحقق منه إسرائيل أشياء كثيرة”، حسب تعبيره.
“المدنيون يدفعون الثمن”
وفي المحور السياسي، يعتقد اللواء عبدالواحد أن “كل خطة تنفذها (إسرائيل) تكسب من خلالها وسيلة ضغط سياسية على حماس في المفاوضات”.
ويقول إنه لطالما كانت “عملية رفح تستخدم كورقة ضغط سياسية على حماس للحصول على أكبر مكاسب سياسية في المفاوضات”.
ويرى أن “فكرة التفاوض مع منظمة مثل حماس يرفضها (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو، الذي يلعب على تحقيق نصر عسكري ثم يملي شروطه في المفاوضات”.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، إنه “في ظل عدم وجود صفقة باستعادة الرهائن ورفض حماس لكل المقترحات الإسرائيلية والأجنبية، فإن إسرائيل لم يتبقَ لها سوى العودة للعمل العسكري والضغط على حماس عسكريا، مما يعني اجتياح رفح”.
ويضيف: “الطرف الفلسطيني وحماس يجب أن تفهم أن البديل في عدم التوافق على طاولة المفاوضات مع إسرائيل سيكون له ثمن ومن يدفع ذلك الثمن هم المدنيون”.
وقال المسؤولون إن من بين الأفكار التي ناقشتها إسرائيل أيضا مع دول عربية، “السماح لقوات الأمن المدعومة من السلطة الفلسطينية بدخول غزة، للمساعدة في إدارة الأمن بالقرب من الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر”.
لكن أبو غوش يستبعد تلك الفكرة إطلاقا مبررا ذلك بإعلان “السلطة الفلسطينية أنها لن تكون جزءا من تدابير إسرائيلي إلا ضمن حل سياسي شامل يؤمن الحقوق الفلسطينية ويؤكد الوحدة الجغرافية بين الضفة وغزة”.
وقال إن القوات الفلسطينية “في نهاية المطاف لن تذهب على ظهر دبابة إسرائيلية”.
ومن جهة أخرى، ترفض إسرائيل أي تواجد للسلطة الفلسطينية في غزة، وهي تفضل أن تعامل الفلسطينيين على أنهم مجاميع سكانية متفرقة لا تجمعهم أهداف وطنية وليسوا شعبا يملك حقوق سياسية، على حد قول أبو غوش.
“مسألة أيام”
ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن عملية رفح “ستضمن التنسيق مع المسؤولين المصريين تأمين الحدود بين مصر وغزة”، لكن مصر تنفي ذلك.
وقالت رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، الثلاثاء، إن “مزاعم تداول بين مصر وإسرائيل حول خطط دولة الاحتلال في اجتياح رفح، غير صحيحة. وهذا لم يحدث في الماضي، ولن يحدث في المستقبل”.
ولطالما رفضت مصر علنا عملية رفح خشية منها أن تؤودي إلى تهجير المدنيين الفلسطينيين إلى أراضيها، وسبق لها التلويح بأن علاقتها مع إسرائيل “مهددة” حال تحركت قواتها نحو محور فيلادلفيا.
ومحور فيلادلفيا، المعروف أيضا بـ “محور صلاح الدين”، منطقة عازلة بموجب اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كلم.
“مسألة أمن قومي”.. معضلة إسرائيل للسيطرة على “محور فيلادلفيا”
تفكر إسرائيل بالسيطرة على الحدود البرية لقطاع غزة مع مصر، بما في ذلك معبر رفح، وذلك ضمن إطار حربها الرامية لـ “القضاء على حماس”.
ويقول عبدالواحد إن “إدخال قوات عسكرية ثقيلة مخالف لاتفاقية السلام، مما يعرض السيادة المصرية للخطر”، مردفا: “مصر لديها قناعة تامة بأن وجود قوات إسرائيلية في رفح يعجل بعملية التهجير القسري بسبب خلق حالة من صعوبة العيش الشديدة في المنطقة”.
لكن شتيرن يرى أن عملية رفح “لا مفر منها” بالنسبة لإسرائيل في ظل عدم التوصل لصفقة مع حماس، مشيرا إلى أن هناك إجماع على هذه العملية وإن اختلف الإسرائيليون على تفاصيلها.
ويتابع: “لا أحد في إسرائيل يقول إن حماس ليست هدفا مشروعا والجميع يؤيد استهداف حماس، حتى لو كان ذلك في رفح”.
ورغم أنه يقر بصعوبة العملية وسط وجود مليون نازح، وأنها من المؤكد ستسفر عن خسائر في صفوف المدنيين، حسب شتيرن، فإن المحلل الإسرائيلي نفسه يؤكد أن “وجود مؤشرات بأن إسرائيل تستعد بالفعل للعملية”.
وقال إن “اجتياح رفح تظل مسألة أيام لربما”.