ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن “الانقسام” بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من جهة، والرئيس الأميركي، جو بايدن، والحزب الديمقراطي من جهة أخرى “كان قيد الإعداد لسنوات ماضية”.
وطبقا لتقرير جديد للصحيفة الأميركية، فإن نتانياهو ابتعد بشكل كبير عن الشراكة الثنائية مع الولايات المتحدة التي اتبعها أسلافه واحتضن الجمهوريين وازدرا الديمقراطيين.
وأدت الحرب في غزة إلى تسريع هذا التحول إلى حد كبير، حيث بدأ الدعم الذي كان واسع النطاق من قبل الأميركيين لإسرائيل يتحطم على طول الخطوط الحزبية والأجيال.
ويمثل هذا الانقسام، الذي يتجلى في الاحتجاجات الغاضبة والمناقشات الديمقراطية، تحولا أساسيا في السياسة الأميركية، حسبما ذكرت الصحيفة.
وقال السيناتور كريس ميرفي (ديمقراطي من كونيتيكت): “كان نتانياهو كارثة مطلقة بالنسبة لدعم إسرائيل في جميع أنحاء العالم”.
وتحركت إسرائيل بشكل مضطرد نحو اليمين في السنوات الأخيرة، في حين تلاشت على نحو متزايد ذكريات المحرقة، التي عززت لفترة طويلة تعاطف الأميركيين مع إسرائيل.
لكن نتانياهو قاد التغيير من خلال استراتيجية الانحياز إلى اليمين الأميركي، كما يقول مساعدوه السابقونن وهو القرار الذي يكمن وراء خلافه المتزايد مع بايدن، الذي يجسد المودة الديمقراطية التقليدية لإسرائيل.
وقال مورفي، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنه حذر نتانياهو شخصيا عدة مرات خلال السنوات العشر الماضية من مخاطر الانحياز بشكل وثيق إلى الجمهوريين. وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “لم يرغب قط في الاستماع” إليه.
ويشعر بعض القادة الإسرائيليين بالقلق من أن نتانياهو يدمر بشكل دائم الدعم الأميركي الموحد لإسرائيل.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، الذي كان عضوا في حزب الليكود بزعامة نتانياهو، في مقابلة إن الاستراتيجية الحزبية للزعيم الحالي “تسببت في تآكل الدعم الشعبي لدولة إسرائيل”. وتابع: “أعتقد أن هذا يشكل تهديدا خطيرا للاحتياجات الأساسية لدولة إسرائيل”.
ورفض مكتب نتانياهو التعليق على هذا التقرير، على الرغم من أنه قال في الماضي علانية إن إسرائيل يجب أن تكون على علاقة جيدة مع كلا الحزبين.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير تحدث لصحيفة “واشنطن بوست” شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتعليق على الأمر، إن نتانياهو تصرف دائما بحسن نية مع القادة الأميركيين.
وقال المسؤول: “لقد أوفى رئيس الوزراء بكل التزاماته التي تعهد بها”.
“لا يبشر بالخير لمستقبل إسرائيل”
لكن استراتيجية نتانياهو المثيرة للانقسام كانت واضحة لسنوات بالنسبة للقادة في كلا البلدين، حيث برز هذا الأمر بوضوح خاص عندما تولى الرئيس الديمقراطي الأسبق، باراك أوباما، منصبه في عام 2009.
ويتذكر أولمرت أن نتانياهو طلب منه النصيحة قبل السفر إلى الولايات المتحدة للقاء أوباما للمرة الأولى في عام 2009.
وقال أولمرت إنه حذر نتانياهو من التعالي أو إلقاء المحاضرات على الرئيس الأميركي، الذي اعتبره العديد من الإسرائيليين المحافظين متعاطفا مع الفلسطينيين.
وبدلا من ذلك، قال إن نتانياهو “فعل العكس … لقد كان متعجرفا جدا ومتعاليا، وبدأ هذه العملية التي فصلت إسرائيل ليس فقط عن الرئيس، بل عن الحزب الذي يمثله”.
واستمرت تلك العلاقة الفاترة طوال فترة ولاية أوباما التي استمرت 8 سنوات.
وقال بن رودس، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، إن نتانياهو كلما شعر بأن أوباما يضغط عليه، كان يلجأ إلى الجمهوريين في الكونغرس الذين أصدروا بعد ذلك بيانات تهاجم الرئيس الديمقراطي الأسبق وتسببت في صداع سياسي للبيت الأبيض لعدة أسابيع.
لكن ازدراء نتانياهو الأكثر إثارة لأوباما كان لدى زيارته المفاجئة للولايات المتحدة عام 2015، عندما كان الرئيس الأميركي يتفاوض على اتفاق نووي مع إيران، والذي عارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة مثل العديد من الجمهوريين.
وقبل نتانياهو دعوة من رئيس مجلس النواب آنذاك، جون بوينر، لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس.
ولم يبلغ أوباما بقدومه، وهو انتهاك غير مسبوق تقريبا للبروتوكول، ويقول مساعدو أوباما إنهم علموا بالخطاب المزمع من خلال تقرير إخباري، بحسب الصحيفة.
وعلى الرغم من أن العديد من أقرب مساعدي أوباما يقولون سرا إنهم أصبحوا يكرهون نتانياهو، فإن إخلاص بايدن الذي كان نائبا للرئيس في عهد أوباما، لإسرائيل تغلب على أي انزعاج قد يشعر به.
لكن التوترات القديمة عادت إلى الظهور مع استمرار الصراع وحث بايدن إسرائيل على بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
وأصبحت المحادثات الخاصة بين الزعيمين أكثر توترا وتبادلاتهما العامة أكثر برودة، حيث أصبحت الآفاق السياسية لبايدن مهددة بسبب غضب العديد من الديمقراطيين بشأن تعامله مع غزة.
وقال السيناتور الديمقراطي، بيرني ساندرز، وهو يهودي فقد أقاربه في المحرقة: “تاريخيا، حظيت إسرائيل دائما بالكثير من الدعم في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، وذلك لأنها كانت موطنا لليهود الذين عانوا من جرائم لا توصف خلال الحرب العالمية الثانية”.
وتابع: “لكن ما أعتقد أنه واضح خاصة بين جيل الشباب، هو حرب حكومة نتانياهو ضد الشعب الفلسطيني وقتلها عشرات الآلاف من الأشخاص… لقد أدى ذلك إلى تقليص الدعم لإسرائيل بشكل كبير وخاصة بين الشباب، وهو ما أعتقد أنه لا يبشر بالخير لمستقبل إسرائيل”.