بعد 7 أشهر من الحرب في قطاع غزة، يسود “تفاؤل حذر” الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية والمصرية، حول إمكانية التوصل لاتفاق على مراحل لـ”إرساء هدوء دائم” في القطاع المدمر، فهل يمكن وقف إطلاق النار؟ وهل يستطيع سكان الشمال العودة لمناطقهم؟
والاثنين، قال وزير الخارجية، المصري سامح شكري، إنه “متفائل” حيال مقترح جديد للتوصل إلى هدنة في غزة.
وأوضح شكري خلال وجوده في المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض “نحن متفائلون”، مضيفا أن “المقترح أخذ في الاعتبار مواقف الجانبين وحاول انتزاع الاعتدال”.
“اتفاق المراحل”
يشمل المقترح “اتفاقا لقبول إطلاق سراح أقل من 40 رهينة مقابل إطلاق سراح فلسطينيين من سجون إسرائيلية”، وفق ما ذكره مصدر مطلع لوكالة “رويترز”.
وهناك مرحلة ثانية من الهدنة تشمل “فترة من الهدوء المستدام”، وهو رد إسرائيلي توافقي على مطلب حماس بوقف دائم لإطلاق النار.
ونقل موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن المقترح يتضمن رغبة في مناقشة “إرساء هدوء دائم” في غزة.
وبعد المرحلة الأولى ستسمح إسرائيل بحرية الحركة بين جنوب وشمال غزة وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من غزة.
وعرض المقترح الجديد بعدما أصرت حماس في منتصف أبريل على وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وهو شرط ترفضه إسرائيل.
وتواصل موقع “الحرة” مع رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، لاستيضاح تفاصيل المقترح الذي صاغته مصر وأدخلت عليه إسرائيل تعديلات، ومدى التقدم خلال “المباحثات”، لكنه لم يرد على الاتصالات والرسائل.
ومن جانبه، يشير الخبير الاستراتيجي المصري، العميد خالد عكاشة، إلى أن المقترح المصري يشمل “هدنة ممتدة طويلة المدى، واستعادة مختطفين إسرائيليين في مقابل الإفراج عن عدد معتبر من السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية”.
وسيشمل هذا العدد “المعتبر من السجناء الفلسطينيين الإفراج عن بعض (أصحاب المحكوميات الطويلة)، ما قد يرضي حماس ويحقق بعض أهدافها من الصفقة المرتقبة”، وفق عكاشة.
وخلال “الهدنة الممتدة” وتنفيذ صفقة التبادل سيكون هناك “انسحاب إسرائيلي من (محور نتساريم) الذي يقسم قطاع غزة إلى شمال وجنوب”، حسبما يوضح الخبير الاستراتيجي المصري.
وكشف عكاشة أن “الانسحاب الإسرائيلي سيشمل بعض المناطق التي تم الترويج لكونها (آمنة)”.
وسيكون هناك “سماح” بعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطق الوسط والشمال بعدد أكبر ووتيرة أسرع ودون تعريضهم للخطر، وفق الخبير الاستراتيجي المصري.
كيف ترى إسرائيل المقترح؟
رفضت الخارجية الإسرائيلية، توضيح موقفها بشأن مقترح “الهدوء المستدام”، وقال المتحدث باسم الوزارة ليئور بن دور، لموقع “الحرة” إنه لن يتحدث عن المفاوضات في الوقت الحالي.
ومن جانبه، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن “إسرائيل تقبل الأسس التي جاءت بالمقترح المصري، بعد دخول مصر على الخط لإنقاذ المفاوضات الإسرائيلية الحمساوية”.
وكان هناك “شعور” مشترك بين إسرائيل وحماس مفاده أن “عدم التوصل لصيغة توافقية” سيعني خسارة الطرفين في ظل الضغوطات الدولية على الجانب الإسرائيلي والحمساوي، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وتمثلت الضغوط على حماس في التهديدات الإسرائيلية بالاجتياح البري لرفح والوصول لقادة حماس”المختبئين” بحسب إسرائيل، بينما مارست الولايات المتحدة “ضغوطات غير مسبوقة على إسرائيل”، حسبما يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويشير إلى أن إسرائيل كانت تستعد لدخول واجتياح رفح لكن الضغوطات الدبلوماسية على الحكومة جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، يدرك أنه لن يستطيع تحمل أعباء الاجتياح.
وهددت الولايات المتحدة بـ”فرض عقوبات ووضع قيود على نقل وبيع الأسلحة لإسرائيل، وهو ما لا يستطيع الجانب الإسرائيلي تحمله، لتأثيراته السلبية على الأمن القومي للبلاد”، حسبما يوضح شتيرن.
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي إن الطرفين “إسرائيل وحماس” قد وصلا إلى قناعة بأن هذا أقصى ما يمكن الوصول إليه وبالتالي “قبول المقترح المصري”.
لكن على جانب آخر، يشدد المحلل السياسي الإسرائيلي، أيدي كوهين، على أن “القوات الإسرائيلية لم تحقق أهدافها الحربية في قطاع غزة بالقضاء على حماس وتحرير المختطفين”.
وتحقيق تلك الأهداف بمثابة “وعد” قطعه نتانياهو للشعب الإسرائيلي، وبالتالي “إذا كانت هناك صفقة” فسيكون القضاء على حماس” بمثابة “هدف مؤجل” حتى يتم إطلاق سراح أكبر عدد من المختطفين، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
و”الهدوء المستدام” لن يوقف الهدف الإسرائيلي المعني بـ”القضاء على حماس”، و”تكتيكيا” قد يتم تأجيل الاجتياح البري لرفح، إذا تمت الصفقة، حسبما يرى كوهين.
ويشير إلى أنه “إذا لم تتم الصفقة فسيتم دخول مدينة رفح بكل قوة، وسيتم مهاجمة حماس واحتلال رفح”.
هل توافق حماس؟
الاثنين، تُقدم حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، ردها على “مقترح” للتوصل إلى هدنة في الحرب التي تخوضها مع إسرائيل في قطاع غزة المحاصر والمهدد بمجاعة، تشمل إطلاق سراح رهائن، فيما يُرتقب أن يصل وفد من الحركة إلى القاهرة، الاثنين، لإجراء “محادثات”.
وأشار مسؤول في الحركة لوكالة “فرانس برس” رفض الكشف عن هويته إلى أن “الأجواء إيجابية ما لم تكُن هناك عراقيل إسرائيلية جديدة، إذ لا قضايا كبيرة في الملاحظات والاستفسارات التي تُقدمها حماس بشأن ما تضمنه الرد” الإسرائيلي.
ولذلك، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن “الهدوء المستدام” صيغة توافقية لإرضاء الجانبين الحمساوي والإسرائيلي، ما يعني “وقف إطلاق النار واتمام الهدنة وصفقة تبادل الأسرى”.
وحماس سوف توافق على “المبادرة المصرية”، والصيغة المطروحة تلبي “احتياجات الحركة”، وهناك حاجة “إقليمية ودولية” لوقف الحرب في قطاع غزة، لأن استمرارها بهذه الطريقة يعني “خسارة الجميع”، وبالتالي فالهدنة “أقرب من أي وقت مضى”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويتوقع العكة أن يتم الإعلان بشكل نهائي عن “إتمام الصفقة” خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لمنطقة الشرق الأوسط، بعد الضغوطات الأميركية على نتانياهو لوقف “الحرب وإطلاق النار” في غزة.
وفي سياق متصل، يتحدث المحلل السياسي الفلسطيني رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات والاستشارات الدولية ومقره باريس، عادل الغول، عن “انفراجة قريبة حول إمكانية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة”.
وهناك موافقة “إسرائيلية حمساوية” على المقترح المصري الهادف لـ”فرض هدوء تام في قطاع غزة”، وهو ما يمكن البناء عليه بشكل إيجابي، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويتوقع الغول أن يتم الإعلان عن “التوصل لاتفاق خلال هذا الأسبوع”، مؤكدا وجود “بوادر إيجابية لانتهاء الحرب قريبا”.
“لا غالب ولا مغلوب”
مرارا وتكرار، لوح نتانياهو بشن هجوم في رفح التي تغص بأكثر من 1.5 مليون مدني نزحوا إلى المدينة هربا من المعارك في أنحاء أخرى من قطاع غزة.
وتعج المدينة المتاخمة للحدود المصرية بنازحين فروا من مناطق أخرى بقطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، ويثير مصيرهم قلق القوى الغربية وكذلك القاهرة التي استبعدت السماح بأي تدفق للاجئين إلى سيناء المصرية.
وتقول حكومة نتانياهو إن رفح فيها أربع كتائب قتالية كاملة تابعة لحماس، وتؤكد أن “تلك الكتائب تلقت تعزيزات من آلاف من مسلحي الحركة المنسحبين من مناطق أخرى”.
“ننتظر الضوء الأخضر”.. الجيش الإسرائيلي يعلق على أنباء “عملية رفح”
بالتزامن مع ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية، حول استعداد إسرائيل لإرسال قوات إلى مدينة رفح في قطاع غزة، كشفت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، الضابطة إيلا واوية، لموقع “الحرة” عن انتظارهم “الضوء الأخضر السياسي” لمداهمة جميع معاقل حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وينتظر الجيش الإسرائيلي “الضوء الأخضر” لدخول رفح، وجميع المناطق التي توجد فيها كتائب حماس من أجل “تفكيكها”، وفق ما ذكرته سابقا المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، الضابطة إيلا واوية، لموقع “الحرة”.
ومن مخيم بمدينة رفح، يطالب النازح من شمال غزة، لؤي أبو محمد، بوقف “حرب لا يوجد بها غالب ولا مغلوب”.
وبسبب الحرب “عدنا 100 عام للوراء”، ونعيش حاليا “نكبة جديدة”، ونطالب بوقف “الدمار والخراب” بعد تدمير قطاع غزة بشكل كامل، واختفاء جميع “مظاهر الحياة”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويقول:” نحن نعيش داخل سجن صغير.. انهكنا.. تعبنا.. ليس لدينا طاقة.. نواجه الموت كل لحظة.. هذه حرب لا غالب ولا مغلوب.. ندعو كل محب للسلام إلى وقف الحرب”.
ومن جانبه، يؤكد عكاشة أن “وقف الحرب بات أقرب من أي وقت مضى”، لكن الإشكالية تتعلق بـ”شخص نتانياهو، وبعض أعضاء حكومته من المتشددين، وعلى رأسهم وزيرا المالية، بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي، إيتمار بن غفير”.
ويشير الخبير الاستراتيجي المصري إلى تهديد الوزيرين بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية بهدف “إسقاطها”.
لكنه يقول إن “الولايات المتحدة تستطيع اقناع نتانياهو، بأن حكومته لن تسقط”.
واستطاعت مصر اقناع “المستوى العسكري وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية” بالمقترح المصري، وتم التوافق على “تأجيل عملية اجتياح رفح” دون الحديث عن “وقف شامل لإطلاق النار”، وفق عكاشة.
ويتفق معه شتيرن الذي يؤكد أن الإشكالية تتعلق بـ”معارضة سموتريتش وبن غفير، لوقف الحرب”.
ولا يريد كل من سموتريتش أو بن غفير “الارتباط بعدم نجاح الحكومة في القضاء على حماس وتحقيق الانتصار المطلق في قطاع غزة”، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويشدد على أن “إسرائيل تريد تنفيذ اتفاق المراحل وتوافق عليه”، لكن “الثمن سيكون باهظا”.
ويوضح أن الثمن الباهظ يتعلق بـ”تأجيل عملية الاجتياح البري لرفح، والذهاب إلى انتخابات مبكرة”.
وهو نفس الطرح الذي يؤكده الغول، مشيرا إلى “إمكانية سقوط حكومة نتانياهو كثمن لوقف إطلاق النار وتنفيذ الهدنة في قطاع غزة”.
ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني أن”اليمين المتطرف يري في الصفقة هزيمة لإسرائيل، حيث لم يتم الإفراج عن الرهائن ولم يتم القضاء على حماس عسكريا”.
احتجاجات ودعوات لانتخابات مبكرة.. هل تسقط حكومة نتانياهو؟
احتجاجات متصاعدة، ودعوات لتظاهرات حاشدة، ومطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وسط خلافات “ائتلافية داخلية”، تحديات عدة في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ما يثير التساؤلات حول مدي إمكانية “سقوط حكومته ورحيله عن الحكم”.
ومن جهته، يؤكد كوهين أن ” القضاء على حماس قرار نهائي قد يتم تأجيله لبعض الوقت من أجل إطلاق سراح المختطفين”.
والحديث عن انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والهدوء طويل المدى “مجرد تلاعب بالكلمات بهدف خداع حماس”، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
واندلعت الحرب إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وخلال هجوم حماس، خُطف أكثر من 250 شخصا ما زال 129 منهم محتجزين في قطاع غزة، بينهم 34 توفوا على الأرجح، وفق مسؤولين إسرائيليين.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.